السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حصة هلال “ريمية” في كتابها الصادر عن “أكاديمية الشعر” في أبوظبي

حصة هلال “ريمية” في كتابها الصادر عن “أكاديمية الشعر” في أبوظبي
28 ابريل 2010 21:03
من الطبيعي أن نقول إن عناصر الكون جميعها أقيمت على ثنائيات تقابل بعضها الآخر في عدم تشابههما، إذ الليل والنهار والسماء والأرض والبناء والهدم والنور والظلمة والقوة والضعف، وبعد كل هذا ثنائية “الرجل والمرأة”، إذ هما عنصرا الحياة الأبدية ومكملا مشروع الكون المترامي ومقيما الخير والشر والحب والكره. ومن الطبيعي أن تؤسس هذه الثنائيات على مبدأ التعارض والاتفاق وهو ثنائية أيضاً، إذ إن التباعد والتقارب بين الرجل والمرأة سمة أخلاقية وسوسيولوجية وروحية وشكلية في الآن نفسه. ومن المنطق أن أناقش هذه السمات الأربع إذ يعني الجانب الأخلاقي مدى تأثير ما هو قيمي في علاقة الرجل بالمرأة إذ لا تزال المرأة ترى في الرجل قيمته الفكرية والأخلاقية والمبدئية بعيداً عن أي صفات أخرى وكذلك الرجل في نظرته للمرأة أخلاقياً أما الجانب السوسيولوجي “الاجتماعي” وتأثيره الكلي في تشكيل عقلية المرأة والرجل، فالقوانين الاجتماعية التي يعيشها هذان العنصران تجعل الشخصية موجهة ضمن مسارات خاصة بهذا المجتمع دون الآخر، فالمجتمع المدني له قوانينه والمجتمع البدوي “الصحراوي” له قوانينه وحتى لو تم الانتقال من البداوة للمدنية تبقى مجموعة القيم راسخة في ذهن القوى الاجتماعية لم يطرأ عليها التغيير بشكل كامل. العنصر الثالث السمات الشكلية والروحية، إذ نجد بنى شكلية كثيرة تتحكم في توجيه ثنائية الرجل والمرأة كذلك أخرى روحية بفعل مؤثرات دينية تجعل المرأة والرجل ينظران إلى علاقتهما نظرة خاصة أساسها “الإنتاج” الأخلاقي. وقد يسأل القارئ لماذا توجهنا له بهذه المقدمة التي نجد ضرورتها كي نفهم هذه الطبيعة الأبدية، فأقول إن ما استدعى ذلك هو صدور كتاب عن أكاديمية الشعر في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بعنوان “الطلاق والخلع شعراً ـ قراءة لوضع المرأة في المجتمع القبلي ـ الشعر النبطي شاهداً” لمؤلفته الشاعرة السعودية حصّة هلال الملقبة بـ “ريمية”. التصريح والتلميح تتناول حصة هلال حقلين إبداعيين هما الشعر الكلاسيكي العربي والشعر النبطي “البدوي” في علاقتهما بالطلاق والخلع وتتعمق في الشعر النبطي “لكون الكتاب مكرساً لهذا العنصر” في فصلين وهما أولاً مناقشة مفهوم حق الاختيار وثانياً مناقشة مفهوم الرفض والمقاومة، ولكن الطريف في هذه المناقشة أن الشاعرة هلال تسرد مع كل نص شعري قصة وكأن النص الشعري هو توثيق للحكاية هذا من جانب، أما الجانب الآخر فهو أن جميع ما قيل من شعر في هذا الكتاب كان قد قيل على لسان المرأة، وهذا يدلل على كثرة النساء الشاعرات أولاً وعدم ارتباط هذا النوع من الشعر بالرجال ثانياً، وثالثاً ان التصريح والتلميح في شعر المرأة النبطي يكسبها قوة وتفرداً وأن الشاعرة النبطية تحظى باحترام الرجل البدوي وأن الرجل البدوي هذا دائماً ما تراه ملبياً لما تقوله المرأة الشاعرة في قصيدتها المرتبطة بحدث ما، عادة ما يكون الرجل بمعناه المطلق وليس الزوج حصراً فاعلاً في الحكاية أي أن الشعر لدى الشاعرة النبطية ملخص أو مكمل للحكاية وأن عناصر الشخوص في الحكاية تدخل في الشعر حتى وأن دخلت متمثلة بضمائر بارزة (ظاهرة) أو مخفية (مستترة) إلا أنك كقارئ تشم بوضوح بنية شخوص الحكاية بين ثنايا أبيات الشعر النبطي التي تقولها المرأة البدوية. ومن كل ذلك من المعقول أن نقول ونخالف الكثيرين إن المرأة البدوية كانت أكثر جرأة في التعبير عمّا تريد في علاقتها بالرجل خاصة زوجها المطلق بسبب إحساسها وقناعتها بأنها لم تخالف الدين الذي سمح لها أن تقيم الرضا عن الرجل الزوج أو تهدمه بالرفض في حال انحلال إحدى السمات الأربع التي تحدثنا عنها في بداية المقال. المساجلات الشعرية تقر حصة هلال في تمهيد الكتاب قائلة “من المعروف أن العرب أمةٌ أمية وكانت الأمم تعيرها بذلك” وأجد أن هذه المقولة الصادمة لا تستند إلى مرجع يقرر حقيقتها أو عدمها، إذ العرب ومنذ آلاف السنين خاصة “الأنباط” قد عرفوا الكتابة والقراءة والشواهد على ذلك كثيرة وهم الذين قسموا الشهر إلى 30 يوماً والأسبوع إلى 7 أيام في تعاملهم مع الزمن، وليس أدل على ذلك من تجارتهم “أقصد العرب” التي أقيمت على الحساب والمكاتبة والاستذكار. حسناً تكرس مؤلفة الكتاب أيضاً مجموعة من المفاهيم بل لنقل توجهها باتجاهات تأويلية خاصة بها في تمهيد الكتاب ومنها أن “الابن ثلثاه على خاله” رافضة ذلك حين تقول بل “ثلثاه على أمه” وأعتقد أن هذا التوجيه لم يأت بجديد ما دام الخال أخا الأم والمقصود ضمناً في المقولة الأولى معنى المقولة الثانية وهذا هو المراد فعلاً، حيث إن العرب لا ينسبون إلى الأم فاستعاضوا بالنسب إلى أخيها (الخال). وأظن أن اعتبار حصة هلال المرأة اليوم ضعيفة اجتماعياً، فهو اعتبار متخيل لا يمت لحقيقة وضع المرأة اجتماعية، وأعتقد أن تحرر المرأة اقتصادياً أسهم ولحد كبير في ارتفاع صوتها. من جانب آخر تتحدث حصة هلال عن التراث الشعري للمرأة العربية التي كانت تفد الحكام وتقول رأيها في كل قضية خاصة البدويات ومنهن كما تقول هلال “مرسا العطارية ومويضي البرازية وهيا الحارثية”. وتورد مؤلفة الكتاب مواقف للشاعرة “ظاهرة الشرارية” في علاقتها بالحاكم “عبيد الرشيد” ومساجلاتها معه. الشعر الكلاسيكي وفي تمهيد الكتاب تتحدث حصة هلال عن الطلاق في الأدب العربي ـ الشعر الكلاسيكي ـ وتورد قصائد في شعر الطلاق قالها الرجال والنساء، ومنهم عبدالله بن أبي بكر في طلاقه عاتكة بنت زيد: ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير جرم يُطلقُ لها خلقٌ سمحٌ ورأي ومنطق وطبع سويٍّ في الحياء مصدقُ أعاتك لا أنساك ما هبّت الصبا وما ناح قمري الحمام المطوّقُ أعاتك لا أنساك ما حج راكب وما لاح نجم في السماء محلّقُ وكذلك قصائد “الفرزدق” في (نوار) والتي أهمها: ندمت ندامة الكسعي لمّا غدت مني مطلقة نوارُ وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرارُ واعتذاريات المرأة في الرجوع إلى الزوج كثيرة ومنها قول إحداهن: إن كنت ذا حاجة فاطلب لها بدلاً إن الغزال الذي ضيّعت مشغول وكذلك قصائد امرؤ القيس في “أم جندب” وزواجها من “عبدة الفحل” ويزيد بن الوليد في “سعدى” وحاتم الطائي في “ماوية بنت حجر العناني”. الشعر النبطي من جانب آخر ومقابل كل هذا تناولت الشاعرة حصة هلال “الطلاق في الشعر النبطي” مقررة أن الأمر لا يختلف عمّا هو عليه في الشعر الكلاسيكي العربي حيث موقف فيصل الجميلي عندما فارق زوجته الشابة “جهم” وقام بوصفها: يا (جهم) لاشامت بك النفس عنّا حذارٍ من ادباش الرجال حذارِ لا تأخذين اللي غريرٍ ومدقر عيدك يمر ولا عليك احذارِ ولا تأخذين العود لا أقضي شبابه يموت وعياله عليك صغارِ وتدخل حصة هلال في موضوعة “حق الاختيار” وما يسمح للمرأة ان تختار زوجها فتقول “كانت المرأة قديماً تختار أن تتزوج أولاً أو لا تتزوج، ويقف دور الرجل الأب أو الأخ أو العم عند حد عرض أسماء الذين يتقدمون لخطبتها، وعليها هي أن تقرر الموافقة أو عدمها، وكانت هذه هي القاعدة المجتمعية السائدة” وتعتمد قصة هند بنت عتبة وأجد أن هناك الكثير من الوقائع في التراث الجاهلي والعربي ما يخالف ذلك. حكاية اختيار قالت جوزا المنور الشمرية في حق اختيارها للزوج موجهة الكلام لصديقتها في نقاش بينهما: يا بنت ودّي برفع الشوف من متعبين المحاميس واللهي مهو خير وبه نوف جيزته جيزة لواليس حكاية جرأة شاعرة مطيرية عندما رفض عليها شقيقها أحد الخاطبين، قالت بكل جرأة تنتقد عدم أهلية هذا الرجل لخطبتها وتستهجن أن يعرض عليها الزواج منه تقول: يا ليتهم يوم أنهم شاوروني على (امليس السور) والا (هضيبان) حيث إنهم يوم اللقا يذكروني قطّاعة الفرجة وذريين الإيمان أما قضية الرفض والمقاومة الذي جاء في كتاب “الطلاق والخلع شعراً” فهي المسيطرة على الكتاب وكأن هذا الكتاب جاء شعراً وكأن هذا الكتاب جاء ليتحدث عن هذه القضية التي من الممكن دراستها بتأنٍ واضح من خلال مطابقة الشعر للحكاية التي قامت عليها. ترى حصة هلال أن المرأة كانت لا تتردد في رفض من لا تقبله نفسها زوجاً وأجبرت على الزواج به، فهي وإن انحنت حتى تمر العاصفة، لا تقبل فرض الأمر الواقع عليها”. يا مركب السفريّه كان الشيخ زايد الأول حاكم إمارة أبوظبي (1865 ـ 1909م) في زيارة إلى أحد شيوخ قبيلة الوهيبة، وتزوج بامرأة وهيبية في زيارته تلك، وكان خلفان بن راكان النعيمي سفير الشيخ زايد في مسقط أيام حكم فيصل بن تركي، واحداً من الأشخاص الذين جلبوا العروس الوهيبية إلى العين وكان يرافقها إخوتها، وقبل وصول المركب إلى البلدة، أقام الرجال العرضة، وأطلقوا نيران بنادقهم عند وادي العين، ولكن هذه المرأة بعد أقل من عام مَلّت حياة القصور وسئمتها، وأصابها الشوق والحنين إلى أهلها وبيئتها البدوية، فأنشدت تقول: يا مركب السفريّه طيبه يفوح رياح ساروا وانا خلوني طيرٍ كسير يناح في زيزا برّزوني وتهبّني الارياح ما غرّتني حصونك شروى عظم تلواح يا زايد بن خليفة أرجو منك المباح وبعد سماع الشيخ زايد هذه الأبيات فاضت الرأفة في قلبه، وقال لخادمه مسعود (خلها تشل البيت باللي فيه، ودها لأهلها)، وبعد فترة شعرت الوهيبية بفداحة خسارتها، فأنشدت تقول: يا العاذلين ادعوني وادعوا ما بي سدادْ لين تحط الصقايف يحرَم عليّ الزاد من قلبي نكرتك كلثم المهيري، من شاعرات إمارة أبوظبي، عاشت ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، قالت للزوج رافضة وطالبة للفراق: يا زين من قلبي نكرتكْ وغيرك سطا في القلب ميراكْ لو يدّيَ اليمنى قطعتك بعيش باليسرى بليّاك ولو كنت كعبه ما قبلتك في طاعة المولى عصيناك النساء الشاعرات في 35 حكاية شعرية تورد الشاعرة حصة هلال قصص النساء الشواعر وهن “مرسا العطاوية العتيبية” و”عليا الهلالية” و”عميرة بنت راشد بن ضيغم” و”طفلة بنت إسماعيل الدرويش المطيرية” و”مطيرة العتيبة” و”عمشاء القحطانية” و”منيفة بنت صعافيق من أهل الجوف” و”الجازي السبيعية من سبيع الغلبا” و”سليمي بنت زيد الرقعاء” و”لولوة عبدالرحمن السليمان الفهيد العتيبية من أهل القصيم” و”مويضي البرازية من أهل حفر الباطن” و”مزنة بنت مكاري الأسلمية الشمرية” و”زينب المحمّد من أهل الرس” و”بخيتة بنت عايض آل عذبة المرية الشهيرة ببخوت من أهل الحساء” و”هيّا بنت عياده السالمي الحربي من نواحي الحجاز” و”سارة الهليل” و”قرينيه بنت بن فاضل الظفيرية” و”رفعة بنت بجاد من الفراهدة من عتيبة” و”لذّة بنت عقاب بن ميزان الثبيتي العتيبي” و”نورة الحمود من عنزه من سكان القصيم” و”سودة الرشيدية من بني رشيد” و”نورة السيحانية العتيبية”.. وأخريات امتزجت حكاياتهن بالشعر فبدت الأحداث فيها طرفة والشعر فيها يلخص كل ما حدث. الكتاب: الطلاق والخلع شعراً ـ قراءة لوضع المرأة في المجتمع القبلي ـ الشعر النبطي شاهداً المؤلف: حصّة هلال “ريمية” الناشر: أكاديمية الشعر ـ هيئة أبوظبي للثقافة والتراث
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©