الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

وداع متأخر لأحمد راشد ثاني

10 مارس 2012
بقلم: عبدالله عبدالوهاب يقول الشاعر نوفاليس: “كل بداية حقيقية، هي لحظة ثانية”، انطلاقاً من هذا الضباب، والريح التي تصفر في المدخنة، والأثر الذي يقترح والإنسان الذي ينصرف، انطلاقاً من الشاعر، كانعكاس أرضي، ومن الشعر كملاذ أخير، ومن الذكرى كتأمل في المنسي، انطلاقاً من أن الكون قاعة النوم الكبيرة كما يقول (تاو)، فإن كل شيء سوف يولد من الموت، وإلى الموت كل شيء سوف يعود. (1) انطلاقاً من الجملة التي تشوشنا كان لا بد من هذه النهاية المفاجئة، وغير المتوقعة، كان موت (أحمد راشد ثاني) اللا متوقع أشبه بقطع لشريان الحياة، كان رجلاً يتكلم، ويصغي، كان رجلاً لا يتكلم ولا يصغي، كان يشع بالوجود، ويتوهج من أجل موجة أو حجر، أو زهرة صفراء، كان يموت، وقد ذهب لكي يموت قليلاً، فغاب ذات ظهيرة عطرة الضوء من دون أن يراه أحد. كان يحلم ويتمنى لو يرحل بعيداً، كان يريد أن يرحل بعيداً كي يحلم دون توقف! كان يريد الارتحال نحو سماء زرقاء بلون زهرة التيوليب، اليوم هو يحب، ومع ذلك يبدأ من دوني، لكن لندع الحب ليوم آخر. ماذا عن الصباح غير المصاغ بعد، وماذا عن الباب الذي من سنديانة، وماذا عن البيت المحفور بشكل مادي في داخلنا كما يقول باشلار، وماذا عن الليل الأسود بلون خشب الأبنوس، والظلام الذي سيغمر العالم، هذا العالم الذي ليس سوى ثمرة سقوط، والغياب الذي هو مواصلة مستمرة، والموت المفاجئ الذي لا يمكن محاكمته، والفراغ الذي أحببناه دائماً، وماذا عن الشتاء الذي لم يتردد يوماً في قذف صفارته في هاوية العدم، ذلك الشاعر الذي لا تثيره انطفاءة الموت الشنيعة ولكنه واثق بلمسته الخاصة، فهو الذي: “يحول كل شيء إلى وبر ممتد”. (2) “تجيء لحظة في الحياة، نبدأ فيها بأن نقول: (كنت). حيث الاسم والعمر، وحيث كل شيء .. يذهب دخانا”. (الهاخاديتو / إستورياس) لقد رحل، وغداً سيرحل النهر الأسود إلى البحر المتلاطم الأمواج، وحيداً، إنني لا أشكو من شيء ولا أندم على شيء، ما دام وجودي هو نتيجة صدفة، إذن فوجودي في الوجود مع الموجود ليس ضرورياً. لقد رحل أخيراً، لقد رحل بعيداً من دون لقاء أخير، ومن دون وداع أخير، لا أحد ينتظر أحداً، الجميع سيذهبون إلى حلبة مصارعة الثيران، أما أنا، من أنا؟ ما الاسم، ما العمر؟ أنا مجرد رجل لا يتكلم ولا يصغي، فقط رجل واحد يتمدد على سرير، ويأكل قمراً ميتاً، من أنا؟ لا أحد، لا موجة، ولا باب ولا بيت ولا بشر، ولا أحد ينتظر في عتمة الغسق، من أنا، رجل يلملم أخيراً ... شتات نفسه! (3) من سوف يبدأ برقصة النار والماء، ومن سوف ينتهي ويتحول إلى جثة، والجثة تتحلل وتتحول إلى دودة في رأس ميت لم يمت بعد. من سوف يقرأ العلامة السيميولوجية في الموجة، من سوف يكتب ويمحي، ويكتب النص الناقص. من أنا؟ من هم؟ من أنت؟، لا موجة، ولا باب نطرقه، لا نوم ولا أحلام بلون وردة برية، لا طيور تحطّ ولا تطير، لا قمر يصعد بين جبلين من غيوم، لا قمر يهبط من منحدرات الشفق، ولا مطر يبلل شعر من أهوى وأعشق وأشيخ من أجله وأموت وأتحول إلى حجر أخضر، يتوهج باضطراد وبفرح عارم!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©