الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جسر الثقافة العظيم

جسر الثقافة العظيم
26 ابريل 2017 19:27
من بين القوى الدولية القائمة والقادمة تبقى الصين- ولا شك- اسماً ورسماً مطروحة بقوة وبجدارة في سماوات عالم الأقطاب السياسية والاقتصادية. غير أن هناك وجهاً آخر للأمم الغالبة والمنتصرة، هو الوجه الثقافي، الذي يبقي لها جسراً مع أمم وشعوب العالم، ولعل القارئ يذكر جيداً كيف روجت ألمانيا لحضورها الدولي في ثلاثينيات القرن الماضي بالسيارة «الفولكس فاجن»، وإلى أي حد ومد استطاعت «زجاجة الكوكاكولا»، نشر الثقافة ونمط الحياة الأميركيين، ضمن آليات الغزو الثقافي أو الفكري معاً. على أن العلاقات العربية - الصينية تتجاوز الابتكارات والمخترعات الغربية واستخدامها في ترسيخ وتعزيز نمط ثقافي ما، فهي علاقات ذات جوانب متعددة، منها الاقتصادية والتجارية، وفي القلب منها أيضاً الديني وكذا الاجتماعي والثقافي، وهو ما جرت به الأقدار قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام. الرجوع إلى السجلات التاريخية الصينية، يخبرنا أن أول مبعوث عربي وصل إلى الصين كان موفداً من الخليفة الثالث عثمان بن عفان والذي التقى إمبراطور الصين العام 651م، في العاصمة شيان، وقد حمل له رؤية وتصوراً عن تعاليم الدين الجديد، ومنذ ذلك الوقت بدأت مرحلة من التعاون الخلاق بين العرب والمسلمين وبين الصينيين، لاسيما بعد أن انتشر الإسلام هناك، حاملاً معه، معالم وملامح ثقافة عربية، فقد ذكر الرحالة العربي «ابن بطوطة»، إنه رأى في الصين نحو 60 مسجداً، يرجع تاريخها إلى بدايات الإسلام في القرن السابع الميلادي، وتجمع بين مميزات العمارة الصينية التي تقوم على الأخشاب وجمال الرسومات العربية التقليدية التي تنشد فنوناً تراثية إسلامية. ولعل المتحف الثقافي والإسلامي الكبير في مدينة «شوانتشو» على الساحل الجنوبي الشرقي للصين، يؤكد على أن جسراً ثقافياً ما كان قائماً بين المجتمعات القريبة والضيقة، وبخاصة في «نينغشيا» على طريق الحرير القديم في مقاطعة شينجيانغ. التقارب العربي الصيني عبر قرون طوال تضاعفت ثم تضاءلت تلك العلاقات، وكان أن أحيتها حركات التحرر العربي، وعلاقة الصين بعدد كبير من العواصم العربية، والاعتراف المتبادل بالسيادة القومية والوطنية للدول والبلدان في تلك الفترة، غير أنه ومع حلول نهايات السبعينيات ولأسباب عديدة ولت غالبية الدول العربية وجهها شطر الغرب، اقتصادياً، وعسكرياً، ثقافياً وفكرياً، إلى أن كانت السنوات الأولى من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين جرس إنذار، لخطورة التعاطي مع العالم بعقلية ثقافية أحادية، أي ثقافة الغرب، وإهمال ما جعبة الشرق الفنان، الآسيوي الخلاق، من تجارب ثقافية وفكرية ينبغي التوقف عندها ومعها طويلاً، إن أردنا استنهاضاً حقيقياً للأمة من كبوتها الآنية. على أن علامة الاستفهام التي ينبغي طرحها هي: هل الصين مهتمة بالفعل بتشييد الجسور بينها وبين العرب، لاسيما الجسور الثقافية والفكرية، لا الاقتصادية والمالية فحسب، أي على النحو البراجماتي المعروف جيداً لدى الجانب الرأسمالي من العالم الغربي؟ نهار الثالث عشر من يناير من العام الماضي 2016، أصدرت الحكومة الصينية، وثيقة هي الأولى من نوعها التي تصدر حول سياسة الصين تجاه الدول العربية، استعرضت خلالها الروابط التاريخية التي تجمع الصين بالدول العربية، والسياسات ومجالات وآفاق التعاون المشترك. وتلفت الوثيقة في مقدمتها إلى أن جذور الصداقة بين الصين والدول العربية، تمتدان بعيداً في أعماق التاريخ، وأن الأمتين العربية والصينية مرتبطتان بطريق الحرير براً وبحراً على مدى أكثر من ألفي عام مضت، وقد بقيت فيها قيم السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتدارس، التنافع والترابح، سائدة بين الجانبين. وحسب الوثيقة التي بين أيادينا نرى اهتماماً واضحاً بتطوير العلاقات الثقافية والإنسانية بين العرب والصينيين، تطويراً يتصل بتعزيز الحوار بين الحضارات ويدفع للتواصل بين مختلف الأديان، بحسب نص الوثيقة، عطفاً على إنشاء أطر ثنائية ومتعددة الأطراف للتواصل الديني والدعوة إلى التناغم والتسامح الديني، وبحث التعاون في مجال نزع التطرف، وبذل جهود مشتركة للحد من نشأته وانتشاره. يستلفت النظر في هذا المجال، تلك الرؤية الوفاقية لا الفراقية التي تستخدمها الصين، فعلى الرغم من أن العالم الإسلامي لا يتشارك مع الصين في فلسفته الدينية البوذية إلا أن القيادة السياسية الصينية، ترى أن الأمر لا يجب أن يكون مدعاة للصراع أو الحروب، وذلك على العكس تماماً من أصوات ملأت العالم ضجيجاً منذ تسعينيات القرن المنصرم، بأحاديثها عن صدام الحضارات واقتتال أبناء الأديان الإبراهيمية. تدفع الصين في العقد ونصف العقد الماضين لجهة تشجيع تبادل زيارات منتظمة بين المسؤولين الثقافيين من الجانبين الصيني والعربي، وإقامة علاقات التعاون التخصصي الودي بين المؤسسات الثقافية لدى الجانبين من أجل الاستفادة من التجارب المفيدة، ونص الوثيقة مليء بما تضيق عنه المساحة المتاحة للكتابة. هل تقبل العالم العربي الدعوة الثقافية الصينية؟ شهدت السنوات القليلة الماضية حالة واضحة من الانفتاح الإيجابي والخلاق على الصين، في عديد العوالم والعواصم العربية، سواء كان ذلك عبر ترجمة متبادلة لآداب وعلوم وفنون الصين إلى اللغة العربية أو العكس، أي الاهتمام بالترجمات العربية إلى اللغة الصينية. وهناك عدة تجارب ناجحة في هذا الإطار يمكن للمرء أن يشير إليها، فعلى سبيل المثال انطلقت في 25 أغسطس 2016 في العاصمة الصينية بكين الطبعة العربية من مجلة «أدب الشعب»، ضمن البرنامج الثقافي الأوسع الذي بات يشمل العرب والصينيين والمعروف بـ «منارات على طريق الحرير». وكان شهر يونيو 2016 موعداً لانطلاق المنتدى الدولي للترجمة والتبادلات الثقافية والإنسانية بين الصين والعالم العربي، وقد أقيم في جامعة «شانغهاي» للدراسات الدولية، حيث اتفق الأكاديميون والعاملون في الطباعة والنشر على أن ترجمة أمهات الكتب العربية ونشرها في الصين ستسهم إسهاماً لا يمكن تصور مداه في تعزيز فهم الصينيين للعالم العربي ومعالم الحضارة العربية والإسلامية بشكل كامل وشامل وموضوعي. الصين ومصر تبدو العلاقات الثقافية بين بكين وحواضرها الثقافية وبين أكثر من عاصمة عربية واعدة جداً، وهناك حالة من حالات اليقظة المتبادلة، بل والاهتمام المشترك للمضي في طريق أكثر غنىً وتنوعاً، ويتشارك في ذلك الأفراد والمؤسسات.. هل من مثال؟ خذ التعاون المصري الصيني، سواء كان على صعيد فتح مراكز ثقافية صينية، كمركز ومعهد كونفوشيوس، أو إيلاء الترجمات الصينية أهمية خاصة، كما يفعل المركز القومي للترجمة في القاهرة، أو إقامة الفعاليات والمنتديات التي تسعى وراء تعظيم الفائدة الفكرية من اللقاءات المستمرة بين مفكرين وباحثين صينيين وعرب. آخر تلك المنتديات «الملتقي الدولي للعلاقات المصرية الصينية عبر العصور» الذي شهدته القاهرة في منتصف مارس المنصرم، وفيه ظهر جلياً أن الجانبين يتطلعان لاستكشاف القوة الثقافية الناعمة لدى كل منهما، وسط عوالم تسعى إلى التغريب، وكأنه هو الفعل المرادف للحداثة، الأمر الذي لا يمكن أن يكون أبداً على هذا النحو. درس الصين يعن لنا أن نتساءل: ما هي الآفاق المنتظرة للعلاقات الثنائية على الصعيد الفكري والعقلي بين أحفاد العرب، وملّاك الإرث الصيني التاريخي عبر العصور؟ المثير في الجواب أنه رغم موجة التبادل الثقافي الواضحة المعالم بين الطرفين، إلا أنها في عيون رجالات الإنتلجنسيا العربية والصينية على حد سواء لا ترقى بعد لمستوى الشراكة الواجبة، فالمسألة ليست فعاليات أو ترجمات بمبادرات فردية، ولا نقول عشوائية، بل يتوجب أن يتم التفاعل عبر خطط واضحة المعالم لتبادلات ثقافية مدروسة وممنهجة تعمق وترسخ ما كان إرثاً مشتركاً في الماضي، وتستشرف وتتطلع ما يمكن أن يضحي رؤية وعمل واحد في المستقبل. هل من درس في الثقافة الصينية يحسن العرب نفعاً أن تعملوا منه؟ لعل الانفتاح الصيني الحديث على العالم ثقافياً ومعرفياً، استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة، أي استلهام روح التراث الصيني، ومن ثم البناء عليها برؤية وأدوات عصرانية، ومن هنا جاءت التجربة الفكرية الصينية خالية من الوقوع في الفخ التقليدي الذي بات يرى التغريب صنواً للحداثة. وهنا تلعب وسائل الإعلام دوراً تقدمياً في تعريف كل جانب بالآخر، والأفكار عديدة والآفاق رحبة واسعة. ولعل أفضل ما يمكن للعالم العربي تعلمه عبر المثاقفة مع الصين هو فكرة ومعنى ومبنى التجربة الصينية الذهنية، وبخاصة إذا قارناها بنظيرتها الغربية. فالنموذج الصيني بدل التفتيت يطرح الوحدة، والأساس عنده الجماعة لا الفرد، ويرى أن الصراعات لا تُحدث وحدة، ويتطلع دائماً للحفاظ على جميع عناصر المجتمع حتى ولو كانت مختلفة، وبالتالي هناك استمرارية خارقة، وتعبئة دائمة، والتعبئة والاستمرارية أمران ما أحوجنا إليهما في العالم العربي، واقتداؤنا بالنموذج الصيني يقودنا ولاشك لنجاحات مماثلة، وبعيداً عن فكرة الأحادية الأرسطية الغربية التصادمية، العنوان الأشهر لعولمة حاضرات أيامنا. تبادل ثقافي تنبهت جامعة الدول العربية مبكراً لأهمية التبادل الثقافي بين العالم العربي والصين، وقد بلورت عبر العديد من أوراقها الكثير من الأهداف والآليات المقترحة لتفعيل التعاون لاسيما بين الشباب من الطرفين، عن طريق تنظيم رحلات ثقافية صينية عربية على طريق الحرير، وتشجيع الفرق الفنية الصينية والعربية على تبادل الزيارات، وكذلك فتح مراكز ثقافية تقوم بتدريس اللغتين الصينية والعربية وآدابها في كلا الجانبين، والتعريف بثقافة الآخر وتنظيم المزيد من الندوات، وهنا كذلك تلعب وسائل الإعلام دوراً تقدمياً في تعريف كل جانب بالآخر، والأفكار عديدة والآفاق رحبة واسعة. شراكة في مكافحة التطرف نهار الثالث عشر من يناير من العام الماضي 2016، أصدرت الحكومة الصينية، وثيقة هي الأول من نوعها التي تصدر حول سياسة الصين تجاه الدول العربية، استعرضت خلالها الروابط التاريخية التي تجمعها بالدول العربية، والسياسات ومجالات وآفاق التعاون المشترك. تلفت الوثيقة في مقدمتها إلى أن جذور الصداقة بين الصين والدول العربية، تمتد بعيدا في أعماق التاريخ، وأن الأمتين العربية والصينية مرتبطتان بطريق الحرير براً وبحراً على مدى أكثر من ألفي عام مضت وقد بقيت فيها قيم السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتدارس، التنافع والترابح، سائدة في التواصل بين الجانبين. والشاهد أنه وبحسب الوثيقة التي بين أيادينا، فأننا نرى اهتماماً واضحاً بتطوير العلاقات الثقافية والإنسانية بين العرب والصينيين، تطويرا يتصل بتعزيز الحوار بين الحضارات ويدفع للتواصل بين مختلف الأديان، بحسب نص الوثيقة، عطفا على إنشاء أطر ثنائية ومتعددة الأطراف للتواصل الديني والدعوة إلى التناغم والتسامح الديني، وبحث التعاون في مجال نزع التطرف، وبذل جهود مشتركة للحد من نشأة وانتشار التطرف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©