الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برج الجزيرة زهرة لوتس عملاقة في قلب القاهرة

برج الجزيرة زهرة لوتس عملاقة في قلب القاهرة
26 يوليو 2009 23:38
خضع برج القاهرة الشهير ببرج الجزيرة لعملية تجديد واسعة تم الانتهاء منها مؤخرا وافتتحه رئيس الوزراء المصري د. أحمد نظيف وشملت ترميم خرسانة البرج بعد مرور قرابة نصف قرن على تشييده وإضافة أربعة طوابق جديدة شيدت باستخدام الهياكل المعدنية أسفل برج المطعم الدوار ببدن البرج. ومنها طابق بأعلى المدخل الرئيسي مباشرة فضلاً عن إنشاء سلم للطوارئ يستخدم في حال تعطل المصعد وتطوير مدخل البرج وواجهاته وإضافة إضاءة خارجية جديدة. واستقر الامر الان على استخدام الإضاءة التقليدية البيضاء التي توضح تصميم البرج على شكل زهرة اللوتس خلال الساعات الأولى من الليل بينما تستخدم الإضاءة الأحدث بألوانها الزاهية التي تتغير بوتيرة فنية سريعة بقية ساعات الليل. إطلالة خالدة بالأبيض ويطل برج الجزيرة على نيل القاهرة وكأنه زهرة لوتس ارتوت منذ القدم من مياه النهر الخالد الى ان اينعت وطاولت بهامتها عنان السماء. ورغم ان الذين تفتحت أعينهم على التلفزيون ثم حقبة البث الفضائي قد ارتبطت صورة القاهرة في أذهانهم باطلالة هذا البرج بلونه الابيض على صباح القاهرة، او بألوانه الصفراء الساطعة على ليلها الساهر، فإن برج الجزيرة لم يكن قط من معالم القاهرة قبل عام 1961. والبرج الذي شيد بجزيرة الزمالك بوسط نيل القاهرة، ولذا عرف باسم برج الجزيرة، بناء فريد لا مثيل له على الارض بأسرها. وهو ايضا من تلك المشروعات النادرة التي شيدت لأغراض معنوية بالأساس دون ان يمنع ذلك تحقيقه لارباح مالية تبرر تكلفة تشييده. الطريف أن البرج شيد في قلب القاهرة بأموال أميركية لأغراض تتصل بتحرير الجزائر من فرنسا فيما تولى تصميمه مهندس من أصل لبناني. قصة البرج تمتد في الزمان الى عام 1956 وقتها كانت مصر التي دخلت حرباً أعقبت تأميم قناة السويس لتمويل السد العالي تدعم بقوة ثورة المليون شهيد في الجزائر وهو ما سبب غيظاً فرنسياً عبر عن مكنوناته بالمشاركة في العدوان الثلاثي الشهير على مصر في اكتوبر 1956 وفي الاستعانة بواشنطن التي كانت تتطلع لإرث الدور البريطاني الآفل في مصر. فكر الرئيس الاميركي روزفلت في أن الكولونيل جمال عبدالناصر، كما اعتادت الصحف الأميركية تسميته آنذاك، ليس سوى رجل عسكري طموح. وقاده هذا التفكير إلى تقديم مبلغ مالي جزيل للرئيس عبدالناصر دون تغطية رسمية للمبلغ أو اتفاقات قد تقنع الرجل باستثماره في دعم البنية الأساسية التي تفتقر لها مصر بشدة أو تثير لديه شهوة الثروة فيأخذها حامداً شاكراً متفهماً أن الثمن المطلوب منه هو الكف عن إزعاج فرنسا في الجزائر. فوجئ عبد الناصر بمستشاره حسن التهامي وقد عاد من رحلته للولايات المتحدة يدخل عليه وفي يده حقيبة سوداء كبيرة محشوة دولارات تجاوزت حوالي ستة ملايين من الجنيهات المصرية. وكانت دهشة عبد الناصر أكبر عندما أخبره التهامي بانه عبر بالحقيبة دون المرور على أي تفتيش جمركي وأن المبلغ هدية من الرئيس روزفلت لمصر لكي تنفقها كيفما شاءت على البنية الأساسية بدلاً من إثارة القلق في الجزائر. واعتبر عبدالناصر ان تقديم مثل هذا المبلغ بعيداً عن القنوات الدبلوماسية التقليدية وبشكل سري مشابه لعمليات تسليم الرشاوي إهانة شخصية له واستخفافاً غير مبرر بحكومة الثورة في مصر. وقرر عبدالناصر أن يقول «لا» لروزفلت ليس عبر الخطب والتصريحات السياسية ولكن بشكل مادي، واختار ان يكون بناء البرج على نيل القاهرة ليصبح أطول «لا» 'في التاريخ الحديث. ولم يكن دافع اختيار الموقع هو توفير إطلالة رائعة للبرج على كل زوار القاهرة وأهلها بل إضافة الى ذلك إعطاء إشارة واضحة للنخب السياسية القديمة والدبلوماسيين الأجانب بمغزى هذه اللا، حيث يمكن لهم مشاهدتها وهم يجلسون على بعد أمتار قليلة بنادي الجزيرة الذي كان ومازال أهم نوادي النخبة في العاصمة المصرية. وبين عامي 1956 و 1961 تواصلت أعمال البناء في البرج وما أن كشف النقاب عن هامته الشماء حتى أصبحت الصحف الاميركية تصفه بشوكة عبد الناصر فيما اطلق عليه المصريون «وقف روزفلت» وكأن الرئيس الاميركي قد أوقف مالاً لبناء برج الجزيرة حتى يكون شاهداً على محاولة الرشوة الساذجة التي أقدم عليها. أموال أميركية وخبرة مصرية شيد البرج بأموال أميركية وبخبرة مصرية كاملة، وشارك في بنائه حوالي خمسمائة عامل على مدار سنوات البناء أما المهندس الذي تولى تصميمه والإشراف على تنفيذه فهو مصري من اصل لبناني وهو المهندس نعوم شبيب والذي ربما صار منسيا الآن. اختار نعوم شبيب لبرج الجزيرة تصميماً فريداً يعتمد على محاكاة شكل زهرة اللوتس المصرية التي نراها باستمرار في رسوم المعابد الفرعونية حيث كانت تنبت بشكل طبيعي على شواطئ النيل، وشيد من الخرسانة المسلحة البرج الذي وصل ارتفاعه الى 187 متراً وهو أعلى من الهرم الأكبر بحوالي 43 متراً. ويعتبر برج الجزيرة تحفة معمارية بطوابقه الستة عشر المشيدة فوق قاعدة ضخمة من أحجار الجرانيت الأسواني التي سبق أن استخدمها قدماء المصريين في بناء معابدهم ونحت تماثيل ملوكهم. ويوجد على قمة البرج مطعم سياحي على منصة دوارة تدور برواد المطعم ليروا معالم القاهرة من كل جوانب واجهاته الزجاجية. وتستغرق الرحلة داخل مصعد البرج للوصول الى نهايته 45 ثانية فقط قبل الوصول الى قمته حيث توجد الشرفة الشهيرة. ومن هذه الشرفة يمكن بوضوح مشاهدة شوارع القاهرة المزدحمة دوما بأصناف المركبات والمارة وقلعة صلاح الدين حيث جامع محمد علي الشهير وجامع الأزهر ومبنى التلفزيون العتيد وأيضا منظر النيل وسط مباني العاصمة. ويقع المطعم الدوار للبرج في الطابق الرابع عشر على ارتفاع 160 متراً من مستوى سطح الأرض وفي الطابق الخامس عشر كافيتريا تقدم المرطبات.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©