الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن عربي في الصين

ابن عربي في الصين
26 ابريل 2017 19:58
دخل الإسلام إلى الصين منذ أكثر من 1300 سنة، وقد تكونت 10 قوميات مسلمة من بين 56 قومية صينية، وهذه القوميات المسلمة العشر هي قوميات: هوي والويغور والكازاك والطاجيك والقرغيز والأوزبك والتتار وسالار ودونغشيانغ وباوآن. وهناك بعض الأفراد من القوميات الأخرى قد اهتدوا إلى الإسلام أيضاً كالمغول والتبت وداي وباي. وتاريخ دخول الإسلام إلى الصين مرتبط بتاريخ عشر قوميات مسلمة في الصين (أما المقولة التي يرددها المؤرخون الصينيون في هذه المسألة، فلا تنطبق إلا على أحوال المسلمين من أبناء قومية هوي المنتشرين في مختلف أنحاء الصين. ومن ثم توهّم البعض أن تاريخ قومية هوي هو تاريخ الإسلام في الصين حتى يقال عن الإسلام هو«دين هوي هوي» نسبة إلي قومية هوي). والواقع أن تاريخ قومية هوي لا يعني تاريخ إسلام الأقليات القومية الصينية الأخرى، فإن تاريخ أقليات شينجيانغ القومية المتمثلة في قوميات الويغور والكازاك والطاجيك والقرغيز والأوزبك والتتار، هو جزء مهم من تاريخ الإسلام في الصين إلا أنه منحصر في منطقة شينجيانغ غالباً. ولا يمثل تاريخ إسلام الغالبية العظمى في الصين، لذلك سنركز على تاريخ الإسلام في الصين (بقية أجزاء الصين غير شينجيانغ). اختلفت الآراء والروايات حول تاريخ دخول الإسلام إلى الصين، هناك رأي يشير إلى تاريخ دخول الإسلام الصين عام 651م، حيث إن الخليفة الثالث عثمان بن عفان قد أوفد مبعوثاً رسمياً إلى الصين في هذه السنة، ولكن أقرب الآراء إلى الصواب أن ذلك كان بعد عام 757 ميلادي، باعتبار ظهور المسلمين الصينيين بعد هذا التاريخ، لأنه لا يمكن للإسلام أن يكون قد دخل الصين بمجرد وصول المبعوثين إليها للغرض السياسي. ولكنه دخل الصين على أيدي التجار العرب وليس على أيدي القوات الإسلامية. وكان تطور الإسلام في الصين بطيئاً غاية البطء، إذ لم تثبت أقدامه فيها إلا بعد مضي 700-800 سنة، ما يشير إلى أن نشاط المسلمين في نشر الدعوة كان ضعيفاً. مراحل وأطوار الإسلام في الصين مر بأحوال مختلفة خلال أطواره التاريخية المختلفة، وهي: المرحلة الأولى: عهد أسرتي تانغ (618-907 ميلادي) وسونغ (960-1279 ميلادي). المرحلة الثانية: عهد أسرة يوان (1206-1368 ميلادي). المرحلة الثالثة:عهد أسرتي مينغ (1368-1644 ميلادي) وتشينغ (1616-1911 ميلادي). المرحلة الرابعة: العصر الحديث (من 1912 ميلادي إلى الآن). وكانت المرحلة الثالثة هي أهم المراحل بالنسبة إلى قومية هوي المسلمة التي تمثل الغالبية العظمى من عدد المسلمين الصينيين من غير القوميات المسلمة التي استوطنت منطقة شينجيانغ، حيث إنهم قد حققوا في هذه المرحلة عملية التأقلم في الصين بعد أن كانوا أجانب غرباء. دخل الإسلام الصين، وكان دخوله فيها سبباً مباشراً في نشأة قومية هوي، وبعد نشأتها واجهتها قضية الانتشار والتطور، وهذه القضية لا تحل إلا بالانسجام مع الثقافة الصينية، والاستفادة منها، حتى يتيسر لها القبول والانتشار، ومن ثم تعد له الأرض الخصبة والجو المناسب لنشر التعاليم الإسلامية في الصين، حيث إن بعض الديانات دخلت في الصين، وبقيت فترة قصيرة ثم بادت بعد تصادمها مع الثقافة الصينية التقليدية، وكانت غير قادرة على التفاعل مع البيئة الصينية، كما أنها عارضت حاجة الناس الروحية، فابتعد الناس عنها. وبعد نشأة قومية هوي المسلمة، صارت اللغة الصينية لغتها بدلاً من لغاتهم الأصلية كالعربية والفارسية، ما أدى إلى انتشار المسلمين في جميع أنحاء الصين، كما أدى إلى انقطاع صلتهم بعلومهم الدينية، فالقرآن يتلى ولا يفهم معناه، لقد أثارت هذه الحالة المؤسفة انتباه العلماء المسلمين وآلمتهم وأفزعتهم، ولكنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل شمروا عن سواعدهم وقاموا بالدعوة إلي إحياء العلوم الدينية، فظهر التعليم المسجدي للمسلمين الصينيين في القرن السادس عشر، كما ظهرت حركة التأليف والترجمة في العلوم الدينية أو حركة شرح تعاليم الإسلام بالثقافة الصينية بعد ذلك بقليل، فهذان الحادثان لهما أهمية بالغة في تاريخ الإسلام الصيني، فقد ساهما في المحافظة على بقاء الإسلام ونشره في الصين. فقد كان لمؤلفات الشيخ محيي الدين ابن عربي وأفكاره، تأثير بالغ في كلا الحادثين. بين محاريب الله ولد الإمام ابن عربي في عام 1165 في مرسية الأندلسية في بيت جاه وثروة وعلم، وكان أبوه علي بن محمد من أئمة الفقه والحديث، ومن أعلام الزهد والتقوى والتصوف. ثم انتقل مع والده إلى إشبيلية، وهي عاصمة من عواصم الحضارة والعلم في الأندلس، فشب فيها وحفظ القرآن ودرس الحديث والفقه، وتلقى العلوم وأتقنها، بيد أنه اتجه بعد ذلك بروحه إلى محاريب الله كما ذكر في كتابه الفتوحات. وقد التقى بفيلسوف قرطبة ابن رشد الذي كان يدعو إلى التوفيق بين الدين والفلسفة. وبعد سنه الثلاثين، ارتحل إلى بلدان كثيرة في الأندلس والمغرب والحجاز واليمن والشام والعراق ومصر، وأخذ عن مشايخها، ثم استقر في آخر أيامه بدمشق وتوفي بها عام 1240. قال الدكتور أبو العلا عفيفي إن الشيخ ابن عربي قد ألف نحواً من مائتين وتسعة وثمانين كتابا على حد قوله، وخمسمائة كتاب حسب قول عبد الرحمن جامي، وذكر بروكلمن له نحو من مائة وخمسين مؤلفاً لا تزال باقية بين مخطوط ومطبوع. ومن أهم مؤلفاته كتاب الفتوحات المكية الذي استغرق في تأليفه قرابة ثلاثين سنة، والذي يحتوي على أكثر من 4 آلاف صفحة، فهو موسوعة صوفية عظيمة. وكتاب فصوص الحكم الذي قال عنه معلقه الدكتور أبو العلا عفيفي: «لا مبالغة في القول بأن كتاب الفصوص أعظم مؤلفات ابن عربي كلها قدراً وأعمقها غوراً وأبعدها أثراً في تشكيل العقيدة الصوفية في عصره، وفي الأجيال التي تلته». وكتاب التجليات الإلهية وإلخ. أما بالنسبة إلى التعليم المسجدي في الصين وعلاقته بالشيخ ابن عربي، فتتمثل في المواد الدراسية المقررة، حيث إن الكتب المقررة في المدارس المسجدية الصينية تبلغ 13 كتاباً، وقد ظلت شائعة الاستعمال فيها على مدى مئات السنين، ومن بينها كتاب «اللوائح» الذي ألفه الشيخ عبد الرحمن جامي (1414-1492) شرحاً لكتاب فصوص الحكم للشيخ ابن عربي، فقد انتشر هذا الكتاب بين المسلمين الصينيين باللغة الفارسية واللغة الصينية انتشاراً واسعاً، وكتاب أشعة اللمعات الذي ألفه الشيخ فخر الدين العراقي (1289ت) شرحاً لكتاب فصوص الحكم، غير أن النسخة التي يتداولها المسلمون الصينيون لهذا الكتاب هي شرح عبد الرحمن جامي له، وقد كسب هذا الكتاب شعبية واسعة جداً من بين المسلمين الصينيين حتى صارت له طبعات مختلفة ومخطوطات متعددة، وكان المسلمون الصينيون يقدرون هذا الكتاب حق التقدير، حتى أن أئمة المساجد يفتخرون بتدريسه لطلبة العلم، حيث إنهم يختمون المرحلة الدراسية للخريجين بهذا الكتاب. أقلمة الإسلام يتبين مما سبق ذكره أن مؤلفات الشيخ ابن عربي بالشروحات المختلفة، قد احتلت مكانة مرموقة من بين المواد الدراسية للتعليم المسجدي الصيني. وهذا عن دور التعليم المسجدي في المحافظة على الإسلام ونشره بين المسلمين الصينيين، غير أنه كان محصوراً في حدود المساجد، وخاصاً للمسلمين، ولم يتعد إلى غير المسلمين من أهالي الصين، فلا بد من ظهور حركة أخرى تتضلع بمهمة نشر الإسلام بين الصينيين غير المسلمين وتعريفهم بحقائق الإسلام، فجاء دور حركة شرح تعاليم الإسلام بالثقافة الصينية التي كان عمودها الفقري الثقافة الكونفوشيوسية في نهاية عصر أسرة مينغ (1368-1644)، وازدهرت في بداية عصر أسرة تشينغ (1636-1912). وقد توالت هذه الحركة لمدة قرن حتى وصلت إلي أوجها في بداية عصر أسرة تشينغ، فظهر عدد من العلماء الكبار، من أمثال وو تسون تسي ووانغ داي يوي (حوالي 1600- 1657)، وما تشو (حوالي 1640-1710)، وليو تشي (حوالي 1660-1730)، وما دأ شين (1794-1874) وغيرهم. ولقد ترك هؤلاء العلماء بصماتهم الخالدة في إحياء تراث المسلمين الصينيين بعد أن كان على وشك الانقراض، وأعادوا للمسلمين ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على البقاء والتطور، ولم يكتفوا بالترجمة المجردة، بل قاموا في الوقت نفسه بحركة تأقلم الإسلام، أي جعله منسجماً مع الثقافة الصينية، كي لا يصطدم مع الثقافة السائدة، حيث إنهم وجدوا أن التصوف الإسلامي هو نقطة التلاقي بين الفلسفة الكونفشيوية والفلسفة الإسلامية، بذلك يمكن تجنب الخروج من مسرح الصين كما حدث لبعض الأديان الأخرى بعد أن فشلت في الانسجام مع الثقافة الصينية. فقد قام هؤلاء العلماء الأجلاء بترجمة كثير من الكتب الإسلامية من العربية إلى الصينية، من بينها كتاب «اللوائح» الذي ألفه الشيخ عبد الرحمن جامي (1414-1492) شرحاً لكتاب فصوص الحكم، والذي قام بترجمة هذا الكتاب إلى الصينية هو العلامة ليو تشي (حوالي 1660-1730)، إلا أن الشيخ ليو تشي لم ينقل الكتاب حرفياً، خاصة القصائد والأبيات الموجودة في الكتاب، وقد قام بعض العلماء بترجمة القصائد حرفياً من سنوات قلائل. وقد تمت ترجمة كتاب أشعة اللمعات الذي ألفه الشيخ فخر الدين العراقي (1289ت) شرحاً لكتاب فصوص الحكم بشرح عبد الرحمن جامي على يد الشيخ شتشيلينغ (1638-1703) تحت اسم «أسرار تشاو يوان». إلا أن هذه الكتب نقلت إلى الصينية كشروح لكتاب الفصوص، ولم تتم ترجمة كتاب الفصوص بالكامل وفقاً للكتاب الأصلي إلا في عام 2016 والمترجم هو الدكتور وانغ سي، وقد أرفق مع الترجمة شرحه للكتاب، كما أن باحثة الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية الأستاذة وانغ جون رونغ، قد ترجمت كتاب تعليقات الدكتور أبي العلا عفيفي للفصوص، وتم إصدار الكتابين المذكورين بمجلدين معاً. وهذا كترجمة لكتب الشيخ ابن عربي وكتاب الفصوص على وجه الخصوص، أما بالنسبة إلى البحوث والدراسات التي قام بها العلماء والباحثون الصينيون في هذا المجال فكثيرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر أن الباحثة وانغ جون رونغ لها كتاب باسم «مدخل إلى أفكار الوجود عند ابن عربي»، كما أن هناك كتباً تخص الفلسفة العربية والإسلامية تأليفاً وترجمة، فلا بد من ذكر الشيخ ابن عربي فيها. خلاصة القول، إن الشيخ ابن عربي يتمتع بمكانة عالية عند المسلمين الصينيين، ولمؤلفاته تأثير واضح فيهم، فكان علماء الطرق الصوفية الصينية يدرسون الفتوحات المكية للشيخ ابن عربي، ويدعون له في أذكارهم وبعد صلاتهم. أما بالنسبة إلى منطقة شينجيانغ، فكانت الطرق الصوفية هي السائدة فيها، والغالبية العظمى من الطرق الصوفية في هذه المنطقة تنتمي إلى الطريقة النقشبندية، ومن المعروف أن النقشبندية تبنّت أفكار الشيخ ابن عربي في تأسيس طريقتها، فلا بد أن تأثرت هذه الطرق الصوفية بأفكار الشيخ ابن عربي تأثراً واضحاً، ولو بطرق غير مباشرة. سلطان العارفين ابن عربي هو أبو بكر محمد بن علي محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي، وكان يعرف بالأندلس باسم ابن سراقة، أما في المشرق فكان يعرف بابن عربي من غير أداة التعريف، تمييزاً له عن القاضي أبي بكر بن العربي الفقيه المتكلم. لقد لقب بألقاب التعظيم والتبجيل من قبل مريديه ومحبيه من بينها الشيخ الأكبر ومحيي الدين وسلطان العارفين وإمام المحققين وبحر الحقائق..إلخ مما يدل على مكانته عند المتصوفة والعلماء. الأبعد أثراً لا مبالغة في القول إن كتاب الفصوص أعظم مؤلفات ابن عربي كلها قدراً وأعمقها غوراً وأبعدها أثراً في تشكيل العقيدة الصوفية في عصره وفي الأجيال التي تلته. أبو العلا عفيفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©