التضخم أم النمو؟

يمر الاقتصاد الوطني حالياً بمرحلة مفصلية مهمة، فالاقتصاد تجاوز على التو تداعيات الأزمة المالية العالمية، ويتأهب لاستعادة وتيرة النمو مجدداً. على الجانب الآخر، بدأت بوادر ارتفاع التضخم تظهر في الأفق خلال الربع الأول من العام الجاري، وربما يتجاوز معدله في 2010 ضعف أو ضعفين المعدل المحقق في العام الماضي والبالغ 1.5% فقط. فالعوامل الداخلية والخارجية كلها تؤشر إلى زيادة معدل التضخم العام الجاري، منها ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية كالنفط والقمح والسكر والذرة، فضلاً عن زيادة أسعار المحروقات والسكن والخدمات الصحية والتعليم، في السوق المحلية. وكلها مؤشرات تعيد إلى الأذهان كابوس التضخم الذي شاهدناه في 2008، وهو ذلك العام الذي وصل فيه معدل التضخم إلى 13%. بيد أن السؤال المطروح الآن هو ماذا تستهدف السياسة النقدية الراهنة، كبح جماح التضخم أم رفع معدل النمو؟ فكلا الهدفين على درجة كبيرة من الأهمية للاقتصاد الوطني، وتنفيذ أي منهما يستلزم اتباع سيناريو يختلف تماماً عن الآخر. فعلى سبيل المثال عند علاج التضخم، يرفع المصرف المركزي نسبة الاحتياطي القانوني وسعر إعادة الخصم، وسعر الفائدة، ما يؤدي إلى امتصاص السيولة لدى الأفراد والبنوك، ويترتب على ذلك تراجع عرض النقود، و بالتالي هبوط المستوى العام للأسعار. ولرفع معدل النمو، يتبع المصرف المركزي سياسة توسعية من شأنها زيادة خلق النقود والمعروض النقدي، وبالتالي زيادة الطلب على السلع والخدمات بما يؤدي إلى خفض القوى الانكماشية في الاقتصاد الوطني، وارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي. وهنا يبدو التباين الواضح بين كلا الهدفين، وفي الوقت نفسه هناك ضبابية تحيط بالهدف المراد تحقيقه، وبالتالي فإن الأمر يستلزم اتباع سياسة نقدية تعطي إشارات واضحة للمصارف العاملة في الدولة من جهة، ولقطاع الأعمال من جهة أخرى، في أي اتجاه نسير. فكبح جماح التضخم لا يعني التضحية بالنمو الاقتصادي، وتحقيق زيادة في الناتج المحلي مع معدلات تضخم مرتفعة يؤدي إلى خلل اقتصادي كبير وله نتائج اقتصادية سلبية. إلا أن تحقيق الاستقرار في الأسعار واحتواء التضخم ستظل أهم الأهداف التي ينبغي أن تعمل عليها السياسة النقدية للدولة، من دون حدوث احتمالات كساد بالطبع. إن أي سياسة نقدية ناجحة لا تندفع نحو التضخم في مرحلة ثم علاجه في مرحلة لاحقة، بل يجب أن تعمل على تحقيق الاستقرار في مستوى الأسعار، ونمو اقتصادي مستدام، وهي مهمة وإن كانت صعبة فهي ليست مستحيلة. atef.abdullah@admedia.ae