السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنتَ الكتاب

أنتَ الكتاب
26 ابريل 2017 20:37
يمتاز معرض أبوظبي الدوليّ للكتاب بأنّه يمثل منصة عالمية تجاوز الدور التقليدي لمعارض الكتب، إذ أصبح مؤسسةً مهمّةً لها سمعة باتت مطمحاً لمعارض عربيّة وخليجيّة، في تحقيق هذه الوفرة القرائيّة من جهة، والاستفادة أيضاً من الجائزة المصاحبة التي رسّخت للرواية العربيّة قيمتها فعلاً مؤسسياً ينطلق في رحابها الفائزون بـ«البوكر العربيّة» نحو آفاق أوسع وعوالم وافرة الحظّ في عالم الإبداع. ويُعدّ المعرض، الذي أطلقه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في السنة الأولى من عقد ثمانينيات القرن الماضي وحمل اسم «معرض الكتاب الإسلامي» آنذاك، مرآةً لتطوّر الفعل الثقافيّ في دولة الإمارات، ومتوالية ثريّةً للاجتراحات المؤسسيّة التي جعلت من هذه الدولة أنموذجاً حقيقيّاً في «صناعة النشر»، وطمأنة المبدعين العرب ألا يتخلّوا عن دورهم الحيويّ في زمنٍ تظلّ الكتابةُ فيه متنفساً طبيعيّاً ومهمّاً أمام حالاتٍ لا تنتهي من اليأس العربيّ والإحباط العالمي وفقدان الأمل بدور الثقافة في هذا الظرفّ المعقّد العصيب. وتكفي نظرةٌ بسيطة على دورات المعرض التي تتكلّل هذا العام بالدورة السابعة والعشرين، لنقف على النجاحات الكبيرة والتطوّر المتلاحق الذي يصدر عن عقليّةٍ ثقافيّة وإداريّة تتقصّد الإنسان وعلاقته مع «خير جليسٍ »، مصدراً للمعلومة ومادّةً للمعرفة والفكر والإبداع والخلق والابتكار، انطلاقاً من أنّ الأمم لا تحيا أو تتقدّم إلا برعايتها الكريمة وحفاظها الدائم على جذور هويّتها الثقافيّة والفكريّة الراسخة، وهو ما حققته دولة الإمارات في العناية بالشؤون الثقافيّة والإبداعيّة المحليّة والخليجيّة والعربيّة، ومدّ جسور التواصل الثقافيّ والحضاريّ والإنسانيّ مع بقيّة دول العالم الصديق؛ إذ يحتفي المعرض هذا العام باستضافة نخبةٍ مميّزة من الأدباء والكتّاب والمبدعين الصينيين، كون هذه الدولة الكبيرة هي ضيف شرف دورة المعرض الحاليّة، وهو تقليدٌ مهمٌّ لدورات المعرض كلّ عام. مسيرة من التطور ويلمس المتابع للمعرض تطوّراً في الأداء والمساحة وعدد الزوّار، وهو ما يؤكّد الحضور الاستراتيجي لإدارته، إيماناً بدوره المتزايد في الثقافة العربية والعالميّة، فقد تحققت زيادة في المساحات المحجوزة هذا العام 2017 لتصبح 35 ألفاً و148 متراً مربعاً، بعدد إجمالي للعارضين بلغ 1320 عارضاً، وبزيادة قدرها 60 عارضاً عن السنة الماضية، يمثلون 65 دولة بما يزيد على 500 ألف عنوان من أكثر من 30 لغة، كما اشتمل المعرض على برنامج يضمّ أكثر من 800 جلسة حواريّة وندوة وورشة عمل، قياساً إلى دورة 2010- الدورة العشرين - على سبيل المثال - التي كانت اشتملت على 150 فعاليةً ثقافيّة، مما يظهر هذا التطوّر والإيقاع السريع للزيادة والاستجابة لما يستجد من ملاحظات وتغذية راجعة خلال هذه الدورات. ويؤكّد ذلك ما وصلت إليه نسبة الزيادة في عدد دور النشر المشاركة في بعض الدورات، كما تظهر الإحصائيّات، فعلى سبيل المثال تضاعفت هذه الزيادة بنسبة ثلاثة أضعاف في الفترة (2007-2010)، ما يدلّ على مدى الاهتمام والإيمان بالمعرض والإقبال عليه والسمعة الطيّبة التي بات يحققها كلّ عام. كما يخلق معرض أبوظبي الدولي للكتاب حراكاً ثقافياً وإعلاميّاً يصاحب الحراك الإبداعيّ المرافق للمعرض، وهو ما يتجلّى في حالات الترقّب والتكهّن بالمشاركين والفائزين في الجائزة العالمية للرواية العربيّة «البوكر العربية»، بوصف ذلك سبباً من أسباب نجاح المعرض على صعيد الاهتمام النخبوي والمثقف بالنتيجة المعلنة التي أفادت بتكريس عدد مهم من الأسماء العربيّة منذ أن تأسست في أبوظبي العام 2008 بهدف مكافأة الكتاب العرب، وترسيخ حضور الروايات العربيّة المتميزة عالمياً بترجمتها ليرتفع مستوى الإقبال عليها وقراءة مضمونها وأسلوبها، كشرطين مهمّين من شروط الفوز الذي يتنافس عليه عددٌ كبير من الأعمال التي تنافس بها دور النشر العربيّة المشاركة. ومن الأسماء الإبداعيّة التي تكرّست في هذا المجال، الروائيان المصريان بهاء طاهر عن روايته «واحة الغروب»، ويوسف زيدان عن روايته «عزازيل»، إذ فازا تباعاً في دورتي الجائزة 2008، 2009، والروائي السعودي عبده خال الذي فاز في دورة 2010 عن روايته «ترمي بشرر»، ومثل هؤلاء أسماء مهمّة أيضاً تكرّست ولقيت نقاشاً وحضوراً عربيّاً وعالمياً، وهو ما يؤكّد قيمة العمل المؤسسي والممنهج للمعرض في الاستفادة من كلّ الظروف المؤسسية والجوائز، ليكون هذا المعرض رقماً صعباً في قائمة المعارض العربيّة. ويمنح المعرض في كلّ دورة الباحثين عن الفكر والفلسفة والاستزادة من النشاط الثقافي المصاحب جرعات قويّة من الثقافة والفكر، خصوصاً حينما يحتفي المعرض بمفكرين عرب ومسلمين أسهموا في مشوار الحضارة العربية والفلسفة الإسلامية الإسهام الكبير، من مثل حضور المفكر محيي الدين ابن عربي شخصيّةً رئيسةً على سبيل المثال في دورة 2017، وقبله المفكر ابن رشد، وكثير من مثل هؤلاء الأعلام الذين يتزايد حضورهم في ذهنية الزائر الأكاديمي والمهتمّ، بل يدخل هذا الحضور إلى ذهنية الزائر غير الأكاديمي، كما في الغناء الحيّ لأشعار الفيلسوف ابن عربي في هذه الدورة، وهو الغناء الذي تؤديه فنانة قديرة بحجم الفنانة التونسية غالية بن علي، ليكون النشاط الثقافي علامةً مهمّةً في التعرّف إلى المنجز الإبداعيّ، علاوةً على حضور الندوات الفكريّة المكثّفة طيلة أيام المعرض في برنامجه الثقافي. والتي من أبرزها ندوة «أجيال الكتابة الإبداعية في الإمارات بين العربية والإنجليزية»، وندوة «المشهد السردي الإماراتي، تألق الصوت النسائي»، وندوة «القصيدة الشعبية الإماراتية وإبراز الهوية الغنائية» التي ستستعرض تجارب شعراء تحولت قصائدهم إلى أغانٍ أسهمت في صناعة ذاكرة الأجيال، وندوة تحدي القراءة التي تتناول أكبر مشروع لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي، وندوة «المسرح بعيداً عن الخشبة» التي سيناقش فيها مثقفون مهتمون أهمية استعادة المسرح، بوصفه نصّاً كوسيلة لإنقاذ الحركة المسرحية العربية من السقوط في فخ التجاري أو العروض المكتوبة للمسابقات. كما يسلط المعرض الضوء على «تجارب الكتاب المسموع» التي ظلت لسنوات طويلة مقصورة على مساعدة المكفوفين وضعاف البصر، ويحتفي بتجربة مسرح الجيب من خلال تسليط الضوء على التجربة اللبنانية التي تحمل هذا الاسم. ويحتفظ معرض أبوظبي الدولي للكتاب بالعرفان الكبير لمؤسسِهِ المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الذي أدرك مبكراً ما للعلم والثقافة من دورٍ كبيرٍ في تقدّم الأمم والدول والشعوب. واحتفال المعرض باليوبيل الفضّي في دورته الخامسة والعشرين عام 2015 من المحطات المهمة في تاريخه، حيث شهدت معرضاً تفاعلياً عن تاريخ الطباعة وصناعة الكتاب حتى وصل إلى شكله الرقمي الحديث، حمل عنوان «تاريخ صناعة الكتاب». وتسهم إمارة أبوظبي باستنفارها كلّ الجهود الإداريّة والمؤسسية إسهاماً كبيراً في إنجاح هذه التظاهرة العربية العالميّة، وفق استراتيجيّة واثقة تحمل شعاراً ذكيّاً لكلّ دورة من دورات المعرض، إذ تحمل هذه الدورة شعار «أنت الكتاب»، ما يؤكّد العلاقة الوثيقة بين الكتاب وصاحبه، ويظهر دوره في رقيّ الأمم وحضارات الشعوب. معايير ذكيّة تقوم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بدور رائد في تنظيم المعرض، الذي تشارك فيه دول من الشرق الأوسط وآسيا وشمال أفريقيا وأميركا الشمالية، خصوصاً أنّ استضافات الدول تستند إلى معايير ذكيّة يتمّ تداولها كلّ عام، كما في استضافة الصين، انطلاقاً من دورها الكبير في طريق الحرير وما يحمله هذا الطريق من حضارةٍ وتلاقٍ وإنسانيّاتٍ بين العرب والصين على وجه التحديد. وتأتي أهميّة البرنامج الثقافي في أنّه لا يقف فقط عند الحفاوة بالمبدعين من الشعراء والكتّاب، أو يقتصر فقط على حفلات تواقيع الكتب والمؤلفات، بل لما يشتمل عليه من ندوات غاية في الأهميّة، لمنح الفرصة لمناقشة معظم القضايا الفكرية والفنية والأدبية التي تهم الواقع العربي في تشابكاته مع العالم، والعناية بالترجمة مساحة معتبرة بوصفها جسر تواصلٍ وتثاقفٍ لا غنى عنه، إلى جانب حزمة نوعية من الندوات التي تستعرض وتناقش ملامح المشهد الإماراتي في الفن والأدب والترجمة وسوى ذلك من المفردات. ويظلّ معرض أبوظبي الدولي للكتاب واحةً فكريةً وثقافيةً وإبداعيّة، في ظلّ ما تعيشه الدولة من وعيٍ وأمانٍ وثقةٍ وإحساس عالٍ بأهميّة البناء، والانطلاق من منطلق «الإنسانيّة»، بوصفها رسالةً تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة في الاستفادة من مزايا التعدد والتنوع والتقارب والتلاقي والتعاون والتعارف الإنساني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©