السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أبو العلاء المعَرّي..عندما يكون الأعمى بصيراً

أبو العلاء المعَرّي..عندما يكون الأعمى بصيراً
6 يونيو 2016 23:13
إعداد رضاب نهار ما زال أثر أبو العلاء المعري وهو الشاعر والفيلسوف أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري والمولود في معرة النعمان في الشمال السوري (363 – 449 ه) (973 – 1057م)، حاضراً حتى اليوم، إذ استطاع أن يقدّم قراءة تنويرية في الفكر الديني والمعتقدات السائدة آنذاك، تصلح حتى للحظتنا الراهنة، فحارب الجهل والتخلف، الأمر الذي استدعى الهجوم على تمثاله الموجود في مسقط رأسه وتحطيمه من قبل التكفيريين في مطلع العام 2013. لم تمنعه إصابته بالعمى منذ أن كان صغيراً، من التعرف على فن الشعر والتعلّق به والبحث عن غيره من المعارف والآداب، فأثناء جولته في عدد من المدن السورية من بينها حلب، درس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه، واطلع على أصول الأديان والمذاهب، وخاض في التاريخ وأخبار الشعوب، مبلوراً فكره الخاص القائم على أساس المنطق والتحليل العقلاني لمفردات الكون والحياة. عاش المعري في ثلاثة سجون ذكرها في شعره، مشيراً إلى لزومه عزلته الطوعية ناقماً على الدنيا وما فيها من بشر، وقد تحدّث عنها طه حسين في كتابه «مع أبي العلاء المعري في سجنه» فقال: «لم يكتفِ بالسجن الذي فرضته الطبيعة عليه فرضاً حين أفقدته ناظره كما يقول، وإنما فرض على نفسه سجنين آخرين. أحدهما ظاهر محسّ يراه الناس جميعاً ويشهدون ما يمكن أن يلقى سجينه من الحزن اللاذع والألم الممض، وهو هذا البيت الذي أقام فيه أبو العلاء المعري لا يريمه، وفرض على نفسه لزومه مهما تكن الظروف وطلب إلى أهل المعرة ألا يخرجوه منه حتى حين يغير الروم على المدينة. والآخر سجن فلسفي تخيّله كما يتخيل الشعراء، واشتقه من حقائق الأشياء كما يفعل الفلاسفة. وما أكثر ما يلتقي الشعراء والفلاسفة في موقف واحد يتفق فيه العقل والخيال جميعاً». وفي بحث بعنوان «فلسفة المعري» يقول الباحث والناقد الدكتور عبد الرحمن دركزللي: «لا يجد أبوالعلاء، بعد النظر والتحقيق، ألا أن يعترف بأن هنالك حرية في الوجود، والعقل هو الدليل، لأن وجود العقل يقتضي أن الإنسان قادر على البحث والاختيار، ولو كانت الحياة جبراً تاماً لكان وجوده ضرباً من العبث، ولكان البشر بلا عقول أفضل منهم مزودين بها، بيد أن دور العقل محدود أمام دور القدر». كما أشار دركزللي إلى أن المعري حاول أن يبيّن للناس معنى الدين الحقيقي، فهو بالنسبة له ليس عبادات جوفاء وإنما نقاء وطهارة في السلوك والعمل، وأن الدين الحق يسمو على الأهواء والرغبات والنزوات، لأنه خلق قويم وسلوك سديد وثقة بالله. وقد حمّل المعري شعرَه رؤيته الفلسفية حول الدين، مؤكداً بالقول: اللَّه لا ريبَ فيه، وهو مُحتجبٌ، بادٍ، وكلٌّ إلى طَبعٍ له جذبا أهلُ الحياةِ، كإخوان المماتِ، فأهْ وِنْ بالكُماةِ أطالوا السُّمرَ والعَذبا وقد ذكر في موقع المكتبة الشاملة الإلكتروني، أن المعري تأثر بمختلف الفلسفات التي سادت في عصره وأضاف إليها تجربته الشخصية وآراءه التي استقاها واختارها لنفسه. وأكثر آرائه الفلسفية حوتها اللزوميات. أما في ما يخصّ فلسفته حول «الجبرية»، فيبدو أنه انتهى إلى أن لا جبر مطلق ولا اختيار مطلق، بل المرء متأرجح بينهما، فالعبد هو الذي يسعى ويطلب الأسباب باختياره ليصل إلى ما قدر الله مثل الذي يأخذ النار بيده فتحترق، فله حرية الأخذ أو الترك ويستلزم الأخذ. أول أعماله الشعرية هو ديوان «سقط الزند» تليه مجموعته «لزوم ما لا يلزم». وأبرز ما ظهر منها «رسالة الغفران» التي استدعى فيها شعراء العصر الجاهلي وتحدث إليهم في الجنة، وقد شكّلت إرثاً حضارياً وشعرياً تأثّر بها كثيرون من بعده، أحدهم دانتي أليغييري في «الكوميديا الإلهية». أيضاً له العديد من المؤلفات الأخرى من بينها: «تاج الحرة»، «معجزة أحمد»، «الأيك والغصون» الذي كتبه حول الأدب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©