الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحزب الاشتراكي الفرنسي... أسئلة الهوية والمصير

الحزب الاشتراكي الفرنسي... أسئلة الهوية والمصير
27 يوليو 2009 02:42
على نحو مفاجئ، يبدو أن صفوف الاشتراكيين الفرنسيين هي الآن بصدد التفكك، حيث يوجد الحزب المعارض الأقدم والأكبر اليوم في لحظة مراجعة للذات -لحظة تتجاوز الخصومات والمشاحنات الداخلية المعتادة. واللافت أن أعضاء بارزين في الحزب يغذون بهذه العملية علناً، وهي عملية باتت من الأهمية، بحيث شملت دعوات مباشرة لإعادة تسمية الاسم الاشتراكي نفسه. وبعد الخسائر الكبيرة التي مُني بها في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، والنقاط الكبيرة التي سجلها الرئيس ساركوزي ضده، وبسبب الافتقار إلى رؤية واضحة بشأن الكيفية التي ينبغي على اليسار أن يرد بها على الأزمة الاقتصادية، وتحديات العولمة، وفي ظل القلق من أن الأفكار الاشتراكية لم تعد تواكب وتيرة القوة الرأسمالية في أوروبا -فإن بعض المحللين السياسيين يرون أن الفوضى التي تسود البيت الاشتراكي حالياً لم تكن مفاجئة. غير أن عمق الاختلاف والقلق بين زعماء وشخصيات معروفة في الحزب، الذي تأسس قبل قرن من الزمن، يعد مفاجئاً في الواقع. فقد أصبح السجال الداخلي شديد القوة والقسوة إلى درجة أن أكثر السياسيين حنكة وتجربة باتوا يتساءلون حول ما إذا كان من الممكن رأب الشروخ والتصدعات في صفوف الحزب. وفي هذا السياق، يقول مانويل فال، عمدة مدينة إيفري الاشتراكي، الذي لعب دوراً محسوساً في إطلاق ما بات اليوم بمراجعة الذات في الحزب: «إن كلمة (اشتراكي) لم يعد لها معنى اليوم». ومن جانبه، يقول زعيم الجناح اليساري السابق أرنو مونتبورج: «إننا لا نستطيع الحفاظ على حزب يوجد اليوم في حالة مثل هذه». والواقع أن الاحتجاجات والانتقادات دفعت رموزاً وشخصيات اشتراكية كبيرة إلى الخروج عن صمتها والرد بقوة على منتقدي الحزب واتهامهم بتبني حلول مؤقتة وسطحية. وفي هذا الإطار، قال عمدة مدينة كمبر، بيرنار بوانيان، ساخراً: «دعونا نغيّر الاسم، فذاك هو الحل!»، مجادلاً بأن المشكلة تكمن في عدم القيام بـ«إعادة تفكير فلسفي»، وليست مرتبطة بالصورة. وهو رأي يشاطره فيه -على ما يبدو- كريستيان بول، العضو الاشتراكي في الجمعية العمومية عن مدينة نييفر الذي يقول: «إن الأطقم الفاشلة.. ليست مهندسين مهرة». والحال أن موجة الجدل الدائرة حالياً بدأت هذا الشهر في ما يشبه الحرب الكلامية بين «فال»، وهو مفكر ينتقد الاشتراكيين على اعتبار أن في ردود فعلهم على سياسات ساركوزي كثيراً من المبالغة (وقد أدلى بتصريحات اعتبرها البعض معادية للمهاجرين الأفارقة)، ومارتين أوبري، الرئيسة الحالية للحزب الاشتراكي، حيث بعثت هذه الأخيرة إلى «فال» رسالة باسم الحزب تدعوه فيها إلى الانضباط والتقيد بتوجهات الاشتراكيين بعد انتقاداته المتكررة للحزب عقب خسائر محرجة مني بها في الانتخابات الأوروبية التي جرت في يونيو الماضي، وفي الرسالة تقول: «لا يمر يوم واحد دون أن تقول فيه لوسائل الإعلام إن حزبنا في أزمة... وإنه لن يخرج منها». وإذا كان هذا بالفعل رأي فال، تضيف أوبري، فإنه يجدر به أن «يغادر الحزب». وقد أثارت تلك الرسالة جدلاً كبيراً في الأوساط الاشتراكية، التي لديها حساسية أصلًا بسبب أداء الحزب في يونيو. وفي هذا الإطار، يقول برونو ماتي، أستاذ الفلسفة في مدينة ليل: «إن الاشتراكيين الآن في عين العاصفة، وحالة فال ما هي إلا رش للملح على الجرح». وكان الحزب قد تعرض لضربة قوية أخرى الأحد الماضي حين أطلق الفيلسوف بيرنار هنري ليفي، المشاكس اليساري السابق والذي بات اليوم من المفضلين لدى وسائل الإعلام المحافظة ويعد من أصدقاء المرشحة الاشتراكية الرئاسية السابقة سيجولين رويال، انتقادات قوية للحزب الذي طالما دعمه، حيث قال لصحيفة «لوجورنال دي ديمانش»: «هل الحزب الاشتراكي يحتضر. لا؛ لأنه ميت أصلاً. لا أحد، أو لا أحد تقريباً يتجرأ على قول ذلك، ولكن الجميع، أو الجميع تقريباً، يعرفون أن ذلك صحيح». وفي هذه الأثناء، يقول لسان حال المحللين على يمين الطيف السياسي الفرنسي: «لقد سبق أن قلنا لكم هذا»، حيث كتب بول- هنري دي لامبرت من صحيفة «لوفيغارو» المحافظة حول المأزق الصعب الذي تجد فيه أوبري نفسها اليوم يقول: «على المرء أن يقر بأن (رفاقها) يصبحون بلا رحمة حين يتعلق الأمر بكره بعضهم بعضاً. لقد تعلموا فنون الحرب في التسعينيات، حين كان أنصار فابيوس وجوسبان وروكار يتبادلون اللكمات. ولكن في ذلك الوقت... كان الاشتراكيون في السلطة وكانوا يعرفون ما يفكرون فيه. أما في 2009، فإنهم يدخلون عامهم الثامن في المعارضة ويواجهون أسوأ أزمة هوية في تاريخهم». أما على اليسار، فينظر المحللون إلى الأزمة بوصفها فشلاً للأفكار، وعارضاً لعدم القدرة على مواجهة القرن الحادي والعشرين بأدوات وموارد جديدة. روبرت ماركند - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©