الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البحث عن المصالحة

29 ابريل 2010 00:11
عبدالله عبيد حسن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في السودان مؤخراً، خطوة أولى، ستقود إلى خطوات دستورية وسياسية يستعيد بها أهل هذا البلد حياتهم الطبيعية، ويستردون الديمقراطية حتى يتفرغ الوطن والمواطنون لمواجهة القضايا المصيرية، التي كان حلها السلمي هو هدف اتفاق نيفاشا الذي أصبح في الواقع اتفاقاً دولياً وليس سودانياً فحسب. أربع سنوات من الشراكة بين حزب "المؤتمر الوطني" و"الحركة الشعبية"، كانت لحظات الخصام فيها بين الشريكين أكثر من لحظات الوئام، أضاعوا خلالها فرصاً ثمينة على البلد، وأفقدوه ثقة المجتمع الدولي وعطلوا مشروعات وبرامج إعادة تأهيل جنوب السودان والمناطق المتأثرة بأطول الحروب الأهلية في القارة الأفريقية. نعم تحقق وقف إطلاق النار والسلام في الجنوب، وقامت الحكومة المركزية ببعض المشاريع في الجنوب وجبال النوبة، لكن ما تحقق -على قلته- صحبه الفساد واستمرار سياسة اليد الحديدية الأمنية، وما هو معروف وغير معروف للعامة من تدهور أحوال المعيشة وانفلات الأمن، وكانت الطامة الكبرى أيضاً انفجار الوضع في دارفور، وما أدى وسيؤدي إليه من نتائج لن يعلم منتهاها إلا الله. وجاءت الانتخابات العامة وسط أجواء كان من الممكن تفاديها لو صدقت قناعات الحكومة، بأن الديمقراطية أولاً وأخيراً والتبادل السلمي لمسؤولية السلطة، هما مخرج السودان. جاءت الانتخابات والبلد مشحون بالأزمات، وكان مأمولاً منها أن تصبح بداية الطريق لحل أزمات السودان، لكنها كادت أن تتحول إلى أزمة، قد تقود البلاد إلى ما هو أخطر مما سبقها من أزمات. حزب "المؤتمر الوطني" اكتسح مرشحوه الدوائر الانتخابية، وصار أنصاره يبحثون عن مخرج لهذا النصر والاكتساح المهول، وعند من؟ عند خصومهم السياسيين، الأحزاب التي قاطعت الانتخابات. الآن السودان يعيش أجواء أزمة أجمع على خطورتها حتى الحزب الحاكم، ناهيك عن أحزاب المعارضة التي قاطعت الانتخابات، وأعلنت بوضوح أنها لن تعترف بنتائجها، ولن يوقع مندوبوها على التقرير الختامي الذي تجتهد المفوضية القومية لإعداده، وإعلانه على السودانيين. وتقول بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات: "إن هنالك الكثير من المعايير الدولية التي تم تجاوزها في الانتخابات". وهو ما يؤكد ما كانت المعارضة تحذر منه وتبعث بالمذكرات، وتعقد الاجتماعات مع رئيس المفوضية القومية للانتخابات قبل إجراء الاقتراع. ومن يقرأ بتمعن تصريح البيت الأبيض، والتحذير المبطن حول قلقه من أن تجري نفس الأساليب مثار الجدل أيضاً في انتخابات تقرير المصير لجنوب السودان، الذي يمثل الهم الأول للولايات المتحدة، لعلمها أنه لو تجاوز الحزب الحاكم أيضاً "المعايير الدولية" في انتخابات تقرير المصير، فإن البلد سيعود مرة أخرى للمربع الأول، كما كان الحال قبل اتفاق نيفاشا. "المؤتمر الوطني" بادر بالحديث مع كافة الأحزاب الكبيرة والصغيرة، وسأل الجميع: ما هو الحل في رأيهم مجتمعين وفرادى؟ أولاً الحزب الحاكم يعلم أن انعدام الثقة في نواياه هو ما يجمع عليه خصومه السياسيون، لأن التجارب المريرة قد علمتهم أنه لا يمكن الاطمئنان والثقة في عهوده ومواثيقه واتفاقياته منذ أبوجا الأولى وحتى اتفاق الدوحة الأخير. لكن في لحظات تاريخية نادرة، قد يعود قادته إلى صوابهم وأن يجنبوا البلد وأهله مصيراً مظلماً، وذلك موقف يعكس شجاعة أخلاقية يحتاجها البلد. زمن المناورات انتهى، والسودان اليوم ومحتاج لإجماع قادته ليجلسوا على مائدة التفاوض والبحث عن حل وطني نابع من ضمائرهم الوطنية، فانفصال الجنوب قادم ما لم تحصل معجزة، وخير للسودان أن يتم ذلك بالتراضي والسلم حتى لا تتحقق نبوءة الخصوم والأصدقاء بأن السودان يدخل مرحلة الصوملة. وبيد الحزب الحاكم أن يسمو عن المكاسب الحزبية الضيقة، ويعلن عن تهيئة البلد لأجواء مصالحة وطنية حقيقية، وتشكيل حكومة مؤقتة، تكون مهمتها وعمرها رهنا بتنفيذ البرنامج الذي يتوافق عليه الجميع، وأن يعاد تشكيل مفوضية الانتخابات لتكون قومية فعلاً، وأن تعلو أيضاً "الحركة الشعبية"، وتسمو وتوافق على تأجيل الاستفتاء عسى أن تحقق الحكومة المؤقتة البرامج المعطلة، والتي هدفها هو جعل خيار الوحدة الطوعية هو الخيار الأول.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©