الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جبهة الغرب الموحدة ضد روسيا

1 ابريل 2018 23:25
في النهاية، لم تكن بريطانيا معزولة. فقد اتفق 28 بلداً على الأقل على طرد قرابة 150 دبلوماسياً روسياً ضمن رد منسق على استخدام روسيا لسلاح كيماوي مخصص للأغراض العسكرية في محاولة اغتيال في بلدة ساليسبري الريفية الإنجليزية. وحتى في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة الروسية اقتراح عشرات التفسيرات المضادة للهجوم الذي استهدف سيرجي سكريبال، وحتى في الوقت الذي انتقلت فيه الحكومة الروسية إلى الرد بالمثل، إلا أن أغلبية من البلدان الغربية تقول إنها تصدق النسخة البريطانية للأحداث وستتمسك بقرارها. والواقع أن التنسيق حقيقي؛ إذ لم يسبق أن كانت ثمة عمليات لطرد دبلوماسيين روس على مثل هذا النطاق منذ الحرب الباردة. لكن القضية في حاجة إلى بعض التدقيق والتحليل، لأنها تكشف إلى أي درجة أصبح النفوذ الروسي اليوم مهماً في الغرب، وإلى أي حد باتت آثاره غير قابلة للتنبؤ. واللافت بشكل خاص هو الرد الموحد لفرنسا وألمانيا، اللتين كانتا هدفين كبيرين لحملات التأثير السياسي الروسي. فخلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، دعمت القروض الروسية بشكل واضح حملة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف. كما استثمر العملاء الإلكترونيون الروس ووكلاؤهم جهوداً دعائية على الإنترنت من أجل دعم حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في ألمانيا، في انتخابات سبتمبر الماضي العامة. واستُخدمت أيضاً شركات روسية وأموال روسية لشراء النفوذ بين السياسيين الفرنسيين والألمان المحسوبين على الوسط. ولعل أبرز مثال هنا غرهارد شرودر، المستشار الألماني السابق من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، والعضو حالياً في مجالس إدارات عدد من الشركات المملوكة للكرملين، الذي يُعتبر من الأصوات القوية المؤيدة لروسيا في ألمانيا. غير أن آخرين كان لديهم موقف مختلف تجاه التدخل السياسي الروسي. ففي إيطاليا، التي لم تفرز فيها الانتخابات الأخيرة غير الحاسمة حكومة جديدة، طردت القيادة المنصرفة دبلوماسيين اثنين. لكن ماتيو سالفيني، زعيم «رابطة الشمال» اليميني المؤيد لروسيا وأحد المرشحين لشغل منصب رئيس الوزراء، انتقد هذا القرار بشدة، وكذلك فعل زعيم حزب يميني متطرف أصغر، وهو عضو ممكن آخر في الائتلاف المقبل، الذي أعلن أنه «من غير المقبول أن تقوم حكومة تصريف أعمال بطرد موظفين في السفارة الروسية». واللافت أيضاً أنه في اليونان، التي تربط الحزب الحاكم فيها من أقصى اليسار وشركاؤه في الائتلاف الحكومي من أقصى اليمين (أجل، إنها تركيبة غريبة) علاقات وثيقة بروسيا، لم يتم طرد أي دبلوماسي روسي. وكذلك الحال في النمسا التي يضم فيها الائتلاف الحاكم «حزبَ الحرية» اليميني المتطرف، الذي تربطه -بالطبع- علاقات مع روسيا أيضاً. وبعبارة أخرى، فإن رد الفعل على قضية سكريبال يعكس، في كل مكان تقريباً، قوة النفوذ الروسي في السياسة المحلية (أو تصميماً على رفض ذاك التأثير). وهذه الحقيقة اللافتة تنقلنا أخيراً إلى غرابة رد الفعل الأميركي. فظاهرياً، يبدو أن الحكومة الأميركية اتخذت الموقف الأقوى على الإطلاق، من خلال طردها 60 دبلوماسياً روسياً وإغلاق القنصلية الروسية في سياتل. وهي خطوة حظيت بموافقة أعضاء مجلس الأمن القومي، مع دعم خاص من وزارة الخارجية الأميركية. وقد وافق ترامب على هذا القرار، لكن لغة الرئيس الأميركي كانت غريبة، ذلك أنه بعيد أيام قليلة على الهجوم، وصف وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون عملية التسميم بـ«العمل الشنيع حقاً» وربطها بروسيا «بشكل واضح». وفي المقابل، لم يصدر عن الرئيس الأميركي نفسه تصريح بمثل هذه القوة؛ إذ لم يشر في حسابه على تويتر، الذي يعلّق فيه عادة على إرهاب التنظيمات الإسلامية، على استخدام سلاح كيماوي في مدينة إنجليزية، مثلما لم يشر إليه خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي. وما تزال علاقته الحقيقية مع الحكومة الروسية، كما كانت، لغزاً محيراً. والمحير أيضاً هو الطريق إلى الأمام. فلو كان الأمر يتعلق برئيس أميركي آخر، مصمم على القضاء على التأثير الروسي في أوروبا، لبدأ ببسط رد طويل المدى، ولعمل مع زعماء مثل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذين باتوا الآن واعين جداً بخطر التدخل السياسي الروسي. وكان يمكن أن يشمل الرد، ليس قيوداً على التأشيرة أو عقوبات على مواطنين روس فحسب، ولكن أيضاً تدابير تهدف إلى تطهير السياسة والتجارة من المال الروسي الفاسد. وكان يمكن أن يركز على الأوليغارشيين الذين تربطهم علاقات وثيقة مع نظام الرئيس بوتين، ويعيش الكثير منهم في أوروبا. لكننا نعرف أن الرئيس ترامب لن يفعل ذلك. والأوروبيون يعرفون ذلك أيضاً. وخلاصة القول هي أن عمليات الطرد أظهرت أن الغرب ما زال موحداً بما يكفي لاقتراح تكتيكات رداً على التدخلات الروسية، لكن أظهرت أيضاً مدى بعده عن الإتيان باستراتيجية حقيقية. *محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©