السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«وقفت أمام بابك»: انسجام الذات المؤمنة مع صاحبها الخاشع بين يدي خالقه

«وقفت أمام بابك»: انسجام الذات المؤمنة مع صاحبها الخاشع بين يدي خالقه
7 يونيو 2016 01:56
محمد عبدالسميع (أبوظبي) ها نحن مع ابتهالٍ جديد لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وفيه تنسجم الذات المؤمنة مع صاحبها الذي يقف وقفةً خاشعةً بين يدي خالقه، متدفقاً بكلّ إخلاصه وطمأنينته، وهي وقفةٌ تنساب لها موسيقى حزينة مواتية للظرف الذي تقال فيه عادةً مثل هذه القصائد التي نصطلح على تسميتها بالابتهالات. جاءت أبيات سموّه مرآةً صافيةً ومعبّرةً عن يقينه الواثق وإحساسه العالي بقرب خالقه منه ومن الناس وعطفه عليهم ورأفته بهم، وفي الحقيقة فإنّ هذا اليقين إنّما هو العتبة الأولى للنصّ الإيمانيّ، الذي لا تجد في ثناياه غير ضعف الإنسان أمام رحمة خالق هذا الإنسان. وقد استطاع سموّه أن يجهر، وبكلّ اعتزازٍ يزيده إيماناً وتقوىً، بأنّه ضعيفٌ أمام ربّه وأنّه واقفٌ ببابه؛ ولذلك تناسلت الأبيات التسعة الباقية من البيت الأوّل أو مفتتح الابتهال، فاستمدّت حرارتها الإيمانيّة منه، وباتت صورةً عن إنسانٍ صادق يبثّ همّه وشكواه إلى الله. في قراءة هذه الأبيات التي راعى فيها سموّه أن تكون سهلةً يسيرةً على قارئها، بل ومؤدّي ابتهالها أيضاً، نلمس مقدرته، وهو الشاعر الخبير بألوان الشعر وصورِهِ وانزياحاته، في أن يؤدي غرض القصيدة في أبيات ليست عسيرة الفهم أو معقّدة الصورة أو تتطلب قدحاً عالياً للذهن، فمثل هذه المواضيع إنّما هي تخاطب الناس، كلّ الناس، على اختلاف مستوياتهم الثقافية وتباين أفهامهم للنصّ الأدبي؛ ولذلك نجد أنّ القارئ يتشرّب هذا الابتهال منذ بدايته حتى نهايته، خصوصاً إذا ما ترنّم به المؤدّون بألحان حزينة تناسب مثل هذه المواضيع. وبالمناسبة، فإنّه وانطلاقاً من إيمان صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأنّه ما من واسطةٍ بين العبد وربّه، فإنّ مفردات القرب من الله يظهرها لنا نداء سموّه المتكرر لخالقه، بما في النداء من تحبب وقرب وانسجام هو الطريق الأكيد لصوفية خالصة تؤكّد قولنا إنّ الخلق عيال الله، وأنّه رؤوفٌ بهم، وأنّه عز وعلا وسعت رحمته كلّ شيء، بل وسبقت رحمته غضبه، وهو ما يرجو سموّه، تأكيده لنا في قوله: (يا قريب)، (يا نعم الحبيبُ)، و(يا مجيبُ)، و(يا نعم الحسيبُ). يقرر لنا سموّه في البيت الأوّل حقيقةً مهمّةً لا مراء فيها أو جدال، وهي أنّ من يلجأ لباب الله لن يخيب أبداً، وتلك حقيقة مريحة تدفع القارئ أو مستمع الابتهال إلى الطمع برضوان الله ورحمته مهما بلغت ذنوبه، وأنّه أمام كريمٍ توّابٍ يتوب على عباده المخلصين. الوقوف بالباب في المدلول البلاغي هو قمّة العجز والتذلل والخشية والتماس العفو، ولا شكّ أن وقوف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بباب خالقه، ووقوفنا نحن أيضاً، باعتبار الشاعر لسان حال الناس ونبضهم الدائم، إنّما هو استهلالٌ طيّب وموفّق، ويفضي بنا إلى الرحمة، إذ الوقوف على الباب في عرفنا نحن بني البشر معناه أن فرجاً قريباً ينتظر هذا الذي لم يعد أمامه غير وقوفه بالباب، فكيف إذا كانت المسألة هذه المرّة تتعلّق برب البشر الذي يبسط يديه في الليل والنهار ليتوب على الناس؟!.. كما أنّ القصيدة البائيّة بما لحرف الباء المضموم من جرس موسيقي شديد الوقع والتأثير، إنّما يكثّف نفس الشاعر المتعبة أمام خالقها، النفس التي لا ترى الله بعيداً، بل هو أقرب إلى الناس من أنفسهم، وفي الكثير جداً من آياته سبحانه يظلّ يدعوهم إلى التوبة وألا يقنطوا من رحمة الله. إنّ بثّ سموّه الشكوى استلزم منه أن يعدد أوجه ضعفه وحاجته إلى عفو ربه، مثلما يعدد أيضاً ما يؤكّد لديه الثقة بخالقه، فيجعلها أسباباً موضوعيّةً لكي يطمئنّ، فيواصل حالة الرجاء والحب والإخلاص والصدق. كما إنّ الحالة الصوفيّة التي لدى سموّه في مجيئه ربه ووقوفه ببابه والهاً دنفاً مشوقاً، تعطينا جرعات حارة لمتصوّف متعبٍ يحبّ الله، لنتعرّف إلى هذا الصوفيّ المحب المستجير بربه، المعترف بأنّ أيّ شعرٍ يكتبه لا يطيب إن لم يُضمّن بذكر الله أو يؤشّر على هذه الصوفيّة التي نلمحها في قول سموّه (حبيبي أنت يا نعم الحبيبُ!). ابتهال.. وقفتُ أمام بابك وقفتُ أمامَ بابكَ يا قريبُ **** ومن يلجأ لبابكَ لا يَخيبُ ولَستُ بمحدثٍ أمراً غريباً **** ولستُ أنا على البابِ الغريبُ أتيتُك والهاً دنفاً مشوقاً **** حبيبي أنت يا نعمَ الحبيبُ وتعلمُ أنني بكَ مُستجيرٌ **** وشعري دونَ ذكركَ لا يطيبُ وحسبي أن عفوَكَ بي مُحيطٌ **** ومن آثارِ جودكَ لي نصيبُ فيا منْ خيرهُ شملَ البرايا **** لك التقديسُ باسمكَ يا مجيبُ ومَنْ مِنْ أمره الأكوانُ تجري **** على نسقٍ هوَ النسقُ العجيبُ خلقتَ رزقتَ صُنتَ وهَبت جوداً **** غَفرتَ رحمتَ فضلُكَ لا يغيبُ بعثت لنا مُحمدَ خيرَ هادٍ **** ونَحنُ إلى هُدى الهادي نُنيبُ تخذنا الشرعة السمحاءَ نهجاً **** وحَسبي أنتَ يا نعم الحَسيبُ سخاء شديد في تعداد وصفات يعرفها المحبّون لله العارفون بلطفه وفضله وإحسانه أبيات «ابتهال» مقامي.. دفقاتٌ حارّة ومطلعٌ استفزازيٌّ للنفس البشريّة لأن تعيد حساباتها أبوظبي (الاتحاد) دفقاتٌ حارّة، ومطلعٌ استفزازيٌّ للنفس البشريّة لأن تعيد حساباتها وتتصالح مع الله، وفي الواقع فإنّ صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي وهو يستهلّ ابتهاله المعنون بـ(مقامي)، بما يثيره المقام من معنيين: المقام الموسيقي والمقام المادي الذي هو رتبة النفس ومكانتها، إنما يضعنا أمام قوّة تنبع سطوتها من غنائيّتها وقابليتها الشديدة لأن تتردد على الألسنة ويحفظها الناس. (مُقامي عند من عرفوا مقامي/‏‏ قياماً، حيث هم شهدوا قيامي)، مطلعٌ شديد التأثير اتّبع فيه سموّه اللغة والموسيقى والاشتغال على متجاورات الألفاظ التي تتشابه في ألفاظها مثلما تتباين في معانيها، لتؤدي قوّةً على قوّة النص، وهي كلمات متجاورة ليست ثقيلةً على القارئ أو تجعله ينفر من المتابعة، بل جاءت في نسقٍ هندسيٍّ غنائيٍّ موسيقيّ، تأسر المتلقي لمتابعة هذه المتجاورات: (مقامي، قياماً، قيامي، ...)، ليسير مع صاحب السموّ الشاعر الذي عرف كيف يجعل أبياته ناطقةً تتسابق إليها شفاه المؤدين مثلما تتداولها الألحان لما فيها من شجو وحزنٍ وقولٍ ما بعده قولٌ، خصوصاً وهو يجيء عن خبرة سموّه وعراكه مع الدنيا وطول تأمله لها ولأحوال الناس والعباد. إنّ ما يستفزّ الناس في الشعر الفصيح، وحتى في الشعر الشعبيّ، هو أن يخرج الشاعر على قومه بقصيدة تلخّص كلّ خبرته لتضعها بين يدي قومه والناس وأصحاب الاعتبار والمتفكرين في شؤون الدنيا وتقلّب أحوالها، وعادةً ما يبدأ الشعراء بأبيات تكون سبباً لما يأتي، أو هي مقدّمات لا بدّ منها، وفي ابتهال (مقامي) نجد أنّ سموه يدخل على غرض القصيدة- الابتهال- بعد وقوف تقليدي محبب، يبيّن فيه معنى المقام الحق والبدء بالسلام الذي هو مستولدٌ أصلاً من سلام الله، وتلك بداية تضعنا بالشاعر الذي يمهّد ثمّ ينطلق يبثّ غرامه وحبّه وما تنطوي عليه نفسه من أحزان. ولكنّا، في حالتنا هذه أمام شاعر، وإن كان يشابه سُنّة الشعراء الفحول الأقوياء في مطالعهم ومقدماتهم الطللية نوعاً ما، إلا أنّه يخالفهم في أنّ أشواقه وغرامه ليست موجّهةً إلى أحدٍ من بني البشر، وإنّما هي مبثوثةٌ إلى خالق بني البشر، ولذلك كانت مفردة (الغرام) تتكرر تبعاً لنفسيّة الشاعر ونحته من المفردة ألفاظاً جديدة، كقول سموّه: (غرمتُ بذاته غرمي غراماً/‏‏ وقد غرم الفؤاد من الغرامِ). ولأنّ هذا الحبّ والغرام يتطلّب في الواقع أن نتعرّف بعده على الصفات التي تجعل الشاعر شديد الوله والعشق والحب، فإنّ صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد يبدو شديد السخاء في تعدادٍ غير ممل وصفات يعرفها المحبّون لله العارفون بلطفه وفضله وإحسانه، وهي المتعلّقة بإغاثته جلّ وعلا عباده، وحلمه وعفوه وتلطّفه ورأفته وكثيرٍ من مثل ذلك. إنّ الابتهال الناجح موسيقيّاً والمغنّى بامتياز لما لحرف الميم المشبعة من ترنّم، ولما للألفاظ من تجاور آسر يمتح من مخزون سموّه اللغوي، ليدلّ على مقدرة عالية لدى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لأن يظلّ يثرينا ببديع ألفاظه وحسن توليفاته وتفجيره الموسيقى التي تسكن بين ضلوع الشعراء والمغرمين بعبق الكلمة. ابتهال مُقامي مُقامي عندَ من عرفوا مَقامي **** قياماً حيثُ هم شهدوا قيامي وتَسليمي سلاماً من سلامٍ **** سلامُ الله منُ بدىَ سلامي غرمتُ بذاته غَرمي غراماً **** وقد غرمَ الفُؤاد منَ الغرامِ رجاَ أرجوهُ يا مَنْ ترتَجيهِ **** جميعُ الناسِ يا ربّ الأنام مقامي عندَ بابكَ يا كريماً **** إليك نضج في الكُرب العظامِ ومنك الخيرُ يُرجى يا مُغيثاً **** يغيثُ عبادهُ غوثَ الكرام ولولا حلمُه قضتِ البرايا **** ولولا فضلُهُ فالأمرُ حام ولولا عفوُهُ مادامَ حي **** برحمته ورأفته اعتصامي وأعجبُ من تلطفه بعبدٍ **** يجاهرُ بالخلاف على الدوام تبارك ذكرُهُ جوداً وفضلاً **** به نرجو السعادة في الختام
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©