الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فاروق جويدة: لم أرقص على الحبال

فاروق جويدة: لم أرقص على الحبال
5 يونيو 2008 01:01
قدم للمسرح الشعري 4 مسرحيات حققت نجاحاً كبيراً في عدد من المهرجانات المسرحية الدولية هي: ''الوزير العاشق''، ''دماء على ستار الكعبة''، ''الخديوي''، ''هولاكو''، وترجمت بعض قصائده ومسرحياته إلى عدة لغات عالمية منها الإنجليزية، الفرنسية، اليوغسلافية، الصينية، كما تناول أعماله الإبداعية عدد من الرسائل الجامعية في الجامعات المصرية والعربية، ونال العديد من الجوائز المحلية والدولية، منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب· هنا حوار مع الشاعر: القراءة والاستماع ؟ كيف كانت البدايات والمؤثرات التي لعبت دوراً في تشكيل رؤاك؟ ؟؟ لقد عشت طفولة جيدة، كنت شديد الاهتمام بالقراءة والاستماع للمذياع، كنا نستمع إلى ''ألف ليلة وليلة'' وغيرها من المسلسلات الإذاعية التي نقشت في وجداننا منذ الطفولة، وعندما انتشر التلفزيون، ورأيتها مجسدة على الشاشة بدت مختلفة جداً عما رسمناه في خيالنا لأبطال هذه المسلسلات، حيث أذكر أني كنت شديد الخوف على البطلة من الأشكيف، لكنه كان أقل خوفاً ورعباً في التلفزيون مما رسمه خيالي له، وعندما قال لي أبي أي كتاب تريده، أشرت إلى أحد الكتب وكان ديوان المتنبي، فنظر والدي إلي ضاحكاً وقال يبدو أنك ستكون شاعراً، ولم أكن أعرف من المتنبي ؟ ولماذا اخترت هذا الكتاب دون الكتب الموجودة في المكتبة الزاخرة بالكتب الدينية، حيث كان والدي من علماء الأزهر؟ أنا أعتقد أن أي شاعر لابد أن يبحث عن حلم في مدينة فاضلة وفي مجتمع أفضل، وفي حياة أكثر إنسانية، وأنا أتصور أن قضية أي شاعر في حياته هي أن يبحث عن القيم الجميلة، وأن يروج للجمال ولا يكون داعية قبح، وهذه رؤيتي منذ البداية· في بدايات الكتابة غنيت للحب ثم تمردت عليه، فكتبت القصيدة السياسية وتمردت عليها، وكتبت في منطقة أوسع وهي المسرح الشعري وبذلك ازدادت تجربتي خصوبة، فعشت في مسرحية ''الوزير العاشق'' ضياع الأندلس وضياع القدس، سميت التاريخ، وخلعت عليه الواقع واستشرفت من خلاله المستقبل، وفي مسرحية ''دماء على ستار الكعبة'' أخرجت الطغاة العرب، وما أكثرهم في التاريخ الحديث، وأخرجت الحجاج من قبره، ونصبت له محاكمة حاكمت فيها كل الطغاة، وهكذا في مسرحية ''هولاكو'' التي ناقشت فيها مسألة دخول هولاكو لبغداد، وما يحدث في العالم العربي الآن· أنا لم أختر هذا الطريق ولم أحدد ملامح تجربتي، الإنسان يستطيع أن يضع خططاً لحياته العملية والأسرية، لكن الإبداع منطقة فيها مجموعة عناصر متداخلة جداً، وفيها حرية وجنون وشطط أحياناً، وفيها تركيز شديد وفيها في الوقت نفسه عدم حسابات، فأسوأ شيء أن يحدد المبدع خطواته· الشعر العاطفي ؟ الشعر السياسي والشعر العاطفي أيهما أكثر قدرة على البقاء والعيش ؟ ؟؟ إذا لم يرتبط الشعر السياسي بقضايا الإنسان فلن يعيش، وإذا اتصل بأحداث محددة وصار مجرد تسجيل لها فلن يدخل أبداً في نطاق تحدي الزمن، وأنا أخاف جداً من أحكام الزمن على الفن لأنها أحكام قاسية وعنيفة، ما أكثر الإبداع ولكن ما أقل ما يبقي منه، القصيدة السياسية إذا كانت تمثل روح الإنسان ستبقى وتعيش، وفي رأيي أن الشعر العاطفي يبقى حتى متوسط القيمة منه إذا توافر فيه الصدق، لأن الصدق يقاوم الزمن حتى في أعماق الإنسان نفسه· ؟ أين تقف تجربتك الشعرية الآن بعد هذه الرحلة الطويلة وهذه الأعمال الكثيرة المهمة؟ ؟؟ طوال عمرى لم أقيم نفسي أبداً، ولا تصورت نفسي شاعراً كبيراً، رغم كل الألقاب التي أطلقت عليّ، وأترك الحكم على تجربتي للزمن، لا يوجد شاعر أخذ حقه في حياته، أنا أعترف أنني أخذت حقي من الناس، من القراء والجماهير التي ارتبطت بي، لكن على المستوى النقدي أعتقد أنه سيأتي زمن ينصفني أكثر من هذا الزمن، لسببين الأول أن الخلاف حول تجربتي كان أيديولوجيا وليس فنيا، فقد رفضني الذين لم أقف معهم في خندق فكري واحد، كذلك فعل الذين اختلفت مع مواقفهم من بعض التيارات الموجودة، فكان عليّ أن أغني خارج السرب، ولذا دفعت الثمن، اليسار رفضني لأني لم أخرج من عباءته، ولم أفرط في موقفي، والتيارات الدينية رفضتني لأنني كنت أغني للحب وللأشياء التي تبدو محرمة أحياناً، ربما اتفقوا حول كتاباتي السياسية، لكن تجربتي الشعرية الإنسانية لا تزال محل خلاف، هناك رسالة دكتوراة حول أعمالي نوقشت في جامعة بكين، قدمتها باحثة صينية، كانت جرعة كافية من الرضى بالنسبة لي، وهناك بعض الكتابات التي أنصفتني، فلا يمكن أن أنسى ما كتبه عني نقاد كبار مثل رجاء النقاش، وخالد محمد خالد، وشوقي ضيف، ويوسف خليف، وهناك العديد من الرسائل الجامعية التي تناولت أعمالي وصلت إلى 12 رسالة ما بين ماجستير ودكتوراة، لكني أتصور أن تقييم تجربتي سيخضع لاعتبارات أخرى ذات يوم، لأنك لا تستطيع أن تنزع الشعر من تجربتي الإنسانية· لا أعتقد أن هناك شاعراً عربياً في العصر الحديث وصل إلى نسبة مبيعاتي في الكتب، وهذه مكافأة كبيرة بالنسبة لي، كذلك فقد حافظت على التواصل مع أربعة أو خمسة أجيال منذ بدأت في السبعينيات وحتى الآن، ولم أغير لوني ولا جلدي ولم أرقص على الحبال، الناس رأوني في الأول كما يرونني الآن، وطال العمر أو قصر سأخرج من تجربتي كما دخلت فيها، الشاعر لا ينفصل عن تجربته وعن مواقفه، لا أريد الشهرة، الشهرة أتتني صدفة ولم أسع إليها، وحتى وقت قريب كنت أرفض الظهور في التلفزيون حتى لا يعرفني أحد، وكنت أجلس في الفنادق والناس إلي جواري يقرأون أشعاري ولا يعرفونني، وكنت أشعر بسعادة كبيرة، أنا أريد أن يبقى في الناس ما كتبت، وليس ملامحي الشخصية· علاقة متبادلة ؟ تحتفي تجربتك الشعرية بالمرأة، الوطن، الحب، وكل ما من شأنه ترسيخ قيم النبل والانتماء، برأيك لماذا خفت هذا الحس في مجمل التجربة الشعرية المصرية الآن؟ ؟؟ لأن قضايا الوطن تراجعت، كانت هناك قضايا، قضايا الحرية والاستقلال وتحريرالأرض والبناء، كان هناك مشروع، الآن نحن مجتمع بلا مشروع، بلا فكر، بلا انتماء، أيّاً كانت السلبيات في التجربة، لا أقول لك أن التجارب القديمة وما حدث فيها كان كله صح، لكن كان هناك شيء ما يربطنا بهذا البلد، العلاقة بالوطن ليست علاقة حب من طرف واحد، ليس هناك شيء اسمه (حب الوطن فرض عليّ) هذا كلام ساذج، نحن نحب الأوطان بقدر ما تعطي وبقدر ما نعطي، علاقة متبادلة، لا تستطيع القول بأن هذا الإحساس لازال موجوداً، للأسف أصبح إحساسا مزيفا، لأنك تقيم حفلات يغني فيها المطربون وهم يقرأون الكلام من ورق أمامهم، لم يكلفوا أنفسهم حفظه، فيخطئون أثناء القراءة، يعني الكلمة طالعة من عينه على لسانه مباشرة، لم تدخل وجدانه، هذا شيء مؤسف· أيضا لغة المال والمصالح أصبحت تسبق أي شيء آخر، تسبق العواطف والانتماء ، الوطن أصبح الآن مجرد فندق والفنادق غير البيوت، أحيانا أشعر أن بعض المسؤولين عندنا يتعامل مع الوطن كما لو كان سيغادره غدا وهو على حق !! لكن كان هناك أناس يموتون من أجل هذا الوطن، وهذا هو الفرق بين إنسان يرى الوطن حياة، وإنسان آخر يرى في الوطن مجرد فندق هو نزيل فيه من آلاف النزلاء· صوت الحب ؟ ولماذا خفت صوت الحب في القصيدة اليوم ؟ ؟؟ أنا أعترف أنني من الناس الذين انخرطوا في الجو العام، وأن السياسة أخذتني سواء في مقالاتي أو قصائدي، لكن كيف الهروب من ذلك؟ المجتمعات تضيع، والأمة تسقط، والشعوب تنهار، والكيانات تهدم، هل أستطيع اليوم أن أقول مرة أخرى ''في عينيك عنواني'' فيما الناس يذبحون؟ لو كان الأمر بيدي لبقيت في حديقة الحب والشعر، لأني عانيت من السياسية، ماذا أخذت من السياسة جلطة في القلب؟ القلب الذي ظل كل هذه السنين يغني للحب انتهى الأمر به في لحظة إلى الإصابة بجلطة، لكني غير نادم، لأن هذه ضرورات تفرضها الحياة، أو ضريبة حب الوطن، والحب أحياناً لابد أن يكون له ثمن، هو لن يبقى مجرد كلام جميل فقط، فإذا كان ضرورياً أن ندفع الثمن سندفعه حتى لو كان من قلوبنا· ؟ برأيك هل إنتهى زمن الحب وأصبحنا نعيش زمن المال والعنف والتطرف؟ ؟؟ طبعاً كل هذه شواهد لقبح الزمن، لكن الحب كقيمة لا يمكن أن ينتهي، مادامت هناك أم فهناك حب، سواء في عالم البشر أو في عالم الحيوانات، لو ترى الفرس كيف تعامل إبنها وتميزه من بين مائة حصان صغير، أطلق ابن فرس في قطيع من الخيول، تعرفه أمه بعد مائة عام !! الحب لن ينتهي ، الفرع عندما يميل على الفرع تشعر أن بينهما علاقة عاطفية، لكن الحب تأثر بضراوة، التهافت على المال، فساد العلاقات الاجتماعية، تفكك الأسرة، أنت تقرأ اليوم عن إبن قتل أمه أو أباه، كيف وصل الإنسان إلى هذه الحالة من التوحش، هذه هي القضية· ؟ ما رؤيتك لواقع الشعر العربي الآن؟ ؟؟ أعتقد أن الشعر العربي الآن رغم كل الاحباطات العامة التي يعيشها الإنسان العربي على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي ما زال حتى الآن في موقف متماسك، مازال الشعراء يكتبون الشعر، ويحلمون بغد أفضل، ويتصورون إنسانا أفضل مما هو عليه الآن، حقيقة قد تبدو الأحداث أكبر من الشعر لكن لا ينبغي أن نتهم الشعراء بالتقصير سواء في التعبير عن هموم هذا العصر، أو في محاولة غرس بذور جديدة لأحلام جديدة ومستقبل جديد· من قصائد فاروق جويدة أحزان ليلة ممطرة السقف ينزف فوق رأسي والجدار يئن من هول المطر وأنا غريق بين أحزاني تطاردني الشوارع للأزقة ·· للحفر ! في الوجه أطياف من الماضي وفي العينين نامت كل أشباح السهر والثوب يفضحني وحول يدي قيد لست أذكر عمرهُ لكنه كل العمر·· لا شيء في بيتي سوى صمت الليالي والأماني غائمات في البصر وهناك في الركن البعيد لفافة فيها دعاء من أبي تعويذة من قلب أمي لم يباركها القدر دعواتها كانت بطول العمر والزمن العنيد المنتصر أنا ماحزنت على سنين العمر طال العمر عندي·· أم قصر لكن أحزاني على الوطن الجريح وصرخة الحلم البريء المنكسر üüü في هذا الزمن المجنون لا أفتح بابي للغرباء لا أعرف أحدا فالباب الصامت نقطة ضوء في عيني أو ظلمة ليل أو سجان فالدنيا حولي أبواب لكن السجن بلا قضبان والخوف الحائر في العينين يثور ويقتحم الجدران والحلم مليك مطرود لا جاه لديه ولا سلطان سجنوه زماناً في قفص سرقوا الأوسمة مع التيجان وانتشروا مثل الفئران أكلوا شطآن النهر وغاصوا في دم الأغصان صلبوا أجنحة الطير وباعوا الموتى والأكفان قطعوا أوردة العدل ونصبوا (سيركاً) للطغيان في هذا الزمن المجنون إما أن تغدو دجالاً أوتصبح بئراً من أحزان لا تفتح بابك للفئران كي يبقى فيك الإنسان!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©