الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللغة السيمائية

اللغة السيمائية
5 يونيو 2008 01:10
نتحدث، اليوم، عن اللغة اليومية، السيمائية، التي نستعملها في حياتنا من أصوات، وألوان، وإشارات، وعلامات··· دون أن نلتجئ فيها إلى التعبير بالألفاظ اللغوية المألوفة، فتحل محلها في الدلالة، وهي اللغة السيمائية التي نحاول ابتذال شرحها، بالإتيان ببعض النماذج والأمثلة دون الذهاب في ذلك بعيداً لأن مجال السيمائيات العصرية لا حدود له، نحاول إذن ابتذالها إلى الحد الممكن من الوضوح حتى يستطيع المتلقي أن يفهم هذه اللغة العجيبة التي كثيراً ما تكون أبلغ من السمات اللفظية نفسها· والحق أن العرب اهتدوا إلى هذه اللغة منذ القديم فاستعملوها في حياتهم اليومية والفكرية لتحل محل لغة الألفاظ، فقد كانوا يسِمون آذان إبلهم بمياسم خاصة بكل قبيلة، بحيث إذا شردت ناقة أو بعير عرف الناس أنهما ينتميان إلى تلك القبيلة بعينها، فتتعذر سرقتهما· وقد كان ذلك بمثابة الأرقام (وهي سمات تحل محل الألفاظ أيضاً، فرقم 1 حين نكتبه يحل محل قولنا: ''واحد'') التي يرتفق بها الناس اليوم في تعريف سياراتهم (من بين الاستخدامات السيمائية الكثيرة للأرقام)، بحيث إذا اتفق أن توقفت سيارتان في شارع من مدينة، وكانتا بلون واحد، وذاتي طراز واحد، وخرجتا إلى الاستعمال في سنة واحدة، ومثلتا للعيان في هيئة من الغسل والتنظيف واحدة، فإنه لا يكون لصاحبيهما من سبيل إلا الفزع إلى الرقم الذي وحده هو الذي يحدد سيارة كل منهما، فتتميز السيارتان المتماثلان بسمة الرقم· فسيمائية اللون لا تغني دلالة إذا لم يضف إليها سمة أخرى، مثل الحالة التي مثلنا بها· والحق أن سمة الألوان كانت ثقافة شائعة في المجتمع العربي منذ العصور الموغلة في القدم، فقد رووا أن رجلا كان له برْذَوْنان (بغلان) بلون واحد، وتقدم إلى خطبة امرأة فرفضت الزواج منه على أساس أنه أحمق! فلما سُئلت عن طبيعة حُمقه قالت: له برذونان اثنان بلون واحد، يتجشم هو مؤونة اثنين ويحسبهما الناس واحداً! فكانت سمة اللون هنا حائلاً بين الغاية وتحقيقها· ولذلك فإن سيمائية الألوان موظفة على عهدنا هذا توظيفاً واسعاً في الدلالات الاجتماعية والأمنية والسياسية، فاللون الأحمر، مثلاً، موظف للدلالة على الخطر بحكم أن الأحمر ربما كانت دلالته منتزعة من لون الدم الذي هو دلالة على كل حتف وهلاك· في حين أن اللون الأخضر يوظف في قوانين المرور من أجل الدلالة على السلامة والأمن بحيث يمكن للسائق أن يخترق الطريق وهو آمن على نفسه وعلى سيارته ما لم يصادف مستهتراً بالقوانين، أو مجنوناً لا يقدر الأمور حق قدرها· وإذن، فالسيمائية لم تعد مقصورة، كما يرى جوزيف كورتيس، على مجرد علماء اللسانيات، والأدباء، والاجتماعيين، والنفسانيين، والإشهاريين، والإعلاميين، والفنانين، وأصحاب المهن الحرة، بل تجاوز كل ذلك إلى مجالات أرحب، وأفضية أوسع، تتصل بحياة الإنسان اليومية، فيسخرها لأغراضه واستعمالاته·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©