الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"ثوري" أم سارق أسرار؟!

"ثوري" أم سارق أسرار؟!
19 مارس 2014 20:54
الفيلم الروائي وبتأثير الكتاب والمشتركين في تأليفه، مال إلى تتبع ذات المسار الذي اتخذه المخرج أليكس غيبني في فيلمه «نحن نسرق الأسرار ـ قصة ويكيليكس»، ولاحق فيه قصة جوليان أسانج من بداية صعوده، وصولاً إلى بلوغه القمة، ثم انحداره نحو النهاية المفتوحة، التي يشهد العالم مسارها منذ فضيحته الجنسية في ستوكهولم، إلى جانب تناوله جوانب تتعلق بشخصيته، وكيف تحول من «ثوري» عصري يعتمد التقنيات الإلكترونية سلاحاً، إلى شخص ربط مصير المنظمة كلها بمصالحه الذاتية وبمستقبله الغامض، وما رفضه الاشتراك في الفيلم سوى تعبير عن المأزق الذي يجد نفسه فيه. مع هذا، لم يمنع غياب أسانج، بسبب اشتراطه تسلم مبالغ نقدية كبيرة مقابل المقابلات التي ستجرى معه، لم يمنع من تعويضها بكم كبير من الشخصيات التي أعطت صورة واضحة عن حياته رغم محاولة صاحب الوثائقي المثير للجدل توسيع مدياته تجاوزاً للسيرة الذاتية إلى إنجاز فيلم تحليلي عن «ظاهرة» ويكيليكس والظروف الموضوعية التي أدت إلى ظهورها، دون إغفال، طبعاً، لمسار تطورها التاريخي والصعاب الحالية التي تواجهها وبشكل خاص الموقف الأخلاقي من طريقة عمل أسانج بخاصة وأن الفيلم يشرك قضية المُسرب الأميركي للمعلومات الخطيرة برادلي مانينج ودور أسانج في كشف اسمه وعدم حماية سرية مصدر المعلومات التي سربها له، كما أفاد أحد الواشين به من أفراد وحدته العسكرية. البحث في الأوراق القديمة يبدأ غيبني فيلمه بمشاهد عن إطلاق صاروخ غاليلو إلى الفضاء من قاعدة عسكرية تشرف عليها مؤسسة «ناسا» الأميركية، وكيف واجهت حواسيبها لحظة تشغيله هجوماً فيروسياً كاد أن يعطل عملها، ونتيجة لتحري خبرائها لمصدره ظهر من خلال تحليل الأسطر التي ظهرت على واجهات الحواسيب وجاء فيها: «ديدان إلكترونية ضد قتلة الأسلحة النووية» وبتوقيع «وانك» أن مبرمجه يقيم في أستراليا، وبعد مزيد من البحث ظهر اسم شاب ينتمي للحركة الفوضوية يدعى «جوليان أسانج». لقد تحول صاحب هذا الاسم، وبعد كشفه فضيحة بنوك آيسلندا، التي تسببت بأزمة اقتصادية عالمية إلى «بطل» كوني يقف وحيداً ضد هيمنة الرأسمالية. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ونتيجة لتدخل الولايات المتحدة عسكرياً في أفغانستان والعراق توسع نشاط تسريباته وغدا واحداً من أكثر المطلوبين إلى الأجهزة الأمنية الأميركية. يعطي المخرج غيبني جزءاً من عمله إلى متابعة مسار حياته الشخصية ومواهبه الفذة كمبرمج بارع وكيف ساعدته آيسلندا والسويد واتخذ منهما مركزاً سرياً لنشاطه الذي عرفه العالم وتوزع موقفه منه. فالبعض اعتبره بطلاً، والبعض الآخر إرهابياً إلكترونياً أضر بحماية المؤسسات العسكرية وملاحقتها للإرهاب، كما ادعى الكثير من المسؤولين الأميركان أثناء مقابلاتهم. المشكلة التي ساهمت في إضعاف موقفه، وأساءت إلى سمعته وسمعة منظمته جاءت من ستوكهولم وحتى اللحظة لم تنته بل جرته وكل فريق عمله إلى مواقف محرجة زعزعت الثقة بالمنظمة وقللت من مصداقيتها بخاصة وأنه رفض المثول أمام القضاء السويدي، معتبراً نفسه فوق العدالة يتقوى بقوة منظمته التي بدأ النزاع والخلاف يدب فيها، كما قال زميله الألماني دانيل دومشمت – بيرج، في أكثر من مناسبة بعد أن تعرض نفسه لنقد وتجريح شخصي من قبل أسانج، لأنه رفض اعتبار المنظمة شركة خاصة يتصرف صاحبها بها كما يريد. بقية التفاصيل عن مواقف أسانج سمعناها من شخصيات ثانية، وليست منه شخصياً بسبب غيابه، ولذلك يمكن اعتبار الفيلمين السويديين السابقين «قصة حب سويدية» و«يكيليكس: تسريبات كالسلاح» للمخرجين بوسه لاندكفيست وجيسبر هور، بمثابة تعويض عن النقص الذي أحدثه غيابه. مُلازَمة وثائقية لازم صانعا الفيلم السويدي «تسريبات كالسلاح» مؤسسي المنظمة فترة طويلة ما وفر إمكانية معرفة شخصياتهم وأفكارهم بشكل جيد. لقد تكتم صاحبا الوثائقي عن مهمتهما طيلة الأشهر الستة التي رافقا خلالها «جنود» ويكيليكس في مواقعهم السرية، والتقيا عدداً من قادتهم من بينهم مؤسسها والمطلوب وقتها للقضاء السويدي. يقدم الوثائقي فكرة شاملة عن نشاط المنظمة وكيف تأسست وما هي مصادر معلوماتها؟ والأهم كيف تحولت وفي وقت قياسي إلى واحدة من أهم مراكز نشر المعلومات في العالم وأكثرها خطورة! أو كما قال أسانج في الفيلم: «لقد حققت ويكيليكس بما نشرته من معلومات ما لم تحققه الصحافة العالمية مجتمعة، وهذا ما أثار قلق كبريات الصحف، كون أن مجموعة صغيرة من الناشطين حصلت على ما عجزت هي عن الحصول عليه بكل ما توافرت عليه من إمكانات». يكشف «تسريبات كالسلاح» جانباً من شخصية مؤسسها الذي أحاط نفسه بغموض وسرية. فقد تعمد، خلال فترة تصويرهم له، إلى تغيير شكله وتسريحة شعره أكثر من مرة. ومن خلال ما حصلوا عليه من أفلام فيديو وثقت جزءاً من فترة شبابه في استراليا، تبين أنه كان واحداً من أوائل مهاجمي حواسيب المؤسسة العسكرية الأسترالية، وإنه وعلى إثرها أعتقل وقدم إلى المحكمة التي رأت في عمله «فضولاً مفرطاً في معرفة الأسرار وليس جرماً» فأطلقت سراحه بغرامة مالية. وفي سن الـ21 حين كان يسمي نفسه آنذاك «مينداكس» أسس أسانج مركزاً للأنترنت مفتوح لهؤلاء الذين لديهم نظرة «غير مريحة» للعالم، وعنه انبثق عام 1999 مركز جديد سماه «ليكس» وفي عام 2006 أسس «ويكيليك. أورغ» وكان قوامه عدداً من الملمين والدارسين لعلم الرياضيات و«مهاجمي الحواسيب» يعملون بشكل سري مهمتهم الحصول على معلومات مهمة تتعلق بنشاط أجهزة الاستخبارات والجيش، والتي من السهل عليهم الوصول إليها. كما أعلن: «لدينا إمكانية الدخول إلى هذه المؤسسات عبر بواباتها الخلفية. ولدى ويكيليكس شبكة من المتعاونين يرسلون لها ما يحصلون عليه بطرق معقدة يصعب على مراقبيهم كشف مواقعهم». وعن تجربة التأسيس يكثفها زميله الألماني دانيل دومشمت - بيرج، بكلمة «ثورة» ثوارها، مقاتلو تكنولوجيا المعلومات في كل مكان، لا قومية لهم، وهدفها تغيير العالم من غرف الطلاب والمقاهي ومن قاعات الإرسال الإلكتروني في كل مكان. على المستوى الداخلي كشف الوثائقي عن الشرخ الكبير، الذي أحدثته تهمة القضاء السويدي لأسانج باغتصابه فتاتين سويديتين، في بناء المنظمة وسمعتها، حين لمّح أحد قادتها إلى احتمال انفصال مجموعة كبيرة منهم عن التنظيم الحالي، وإنشاء آخر منفصل عنه. كما وجهت انتقادات داخلية لطريقة وأسلوب عمل أسانج، الذي وصفه دومشمت بيرج بالحاكم الفردي، وأنه هو نفسه قد تحول إلى رجل متغطرس ومستغل للقوة التي وفرتها له ويكيليكس. قصة حب سويدية يركز الوثائقي الثالث على الجانب الحقوقي المتعلق بالفضيحة واتساع الجدل حولها، وحول مصداقية القصة نفسها، وما إذا كانت وراء دعوة الفتاتين السويديتين ضده بالفعل الجنسي بالقوة، والذي يدخل ضمن خانة «الاغتصاب» وفق القانون السويدي، دوافع سياسية تريد تشويه سمعته والإساءة من خلاله إلى مؤسسة «ويكيليكس» التي لعبت دورا في كشف أسرار تتعلق بممارسات الجيش الأميركي في مناطق كثيرة من العالم. يكشف الوثائقي المحبك الطريقة التي حاول فيها أسانج تأليب العالم، وبخاصة «اليساري» منه، ضد دولة عرفت باحترامها للقانون وحقوق الإنسان، وكيف حَوَّل قضية قانونية إلى ما يشبه مؤامرة دولية اشتركت فيها السويد لإرضاء «سيدتها » الولايات. أما قضية الشابتين فاستطاع إلى حد ما دفع العالم إلى نسيانها. لقد أراد استغلال قوة نفوذ «ويكيليكس» الإعلامية لأغراض شخصية، وخطط للظهور أمام عدسات المصورين وكاميرات التلفزيون بمظهر الحمل الوديع الذي تحاك ضده المكائد للإيقاع به، ولهذا التف حوله عدد كبير من رجال الإعلام والمفكرين، من بينهم الباكستاني طارق علي، والسينمائي مايكل مور وعدد كبير من الصحافيين الذين قاموا بجمع تبرعات مالية له لتسديد كفالة إطلاق سراحه بعد قرار المحكمة الأولية في لندن. وفي فيلا فاخرة، استضافه المراسل الحربي فوغان سميث، وأظهر الوثائقي لقطات لأسانج، وهو يخرج على الصحفيين في حديقته، وقد انتعل صندلاً ليوحي بالجو البسيط والأريحية التي يتمتع بها ليرسخ صورته المحببة أمام عدسات التلفزيون. وعلى الخط دخل الكاتب السويدي يان غويلو المعروف بمواقفه اليسارية المعارضة وقدم تفصيلاً مدهشاً لدوره: «لقد صور صاحبنا السويد عنوة على أنها بلد همجي تابع لأميركا بالكامل، وهذا أمر يدعو إلى الضحك». قصة أسانج لم تنته بعد، والأفلام عنه لم تنجز كلها بعد، لكن المؤكد أن خط الانحدار في مسيرته يبدو مائلاً نحو الأسفل، لدرجة تدفعنا للسؤال عن أهمية الأفلام المقبلة، وهل ستأتي بجديد يستحق منا عناء الذهاب إلى دور السينما لمشاهدتها؟!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©