السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيوت أسرار

البيوت أسرار
29 ابريل 2010 21:11
كيد الرجال نورا محمد (القاهرة) - بعدما حصلت على ليسانس الآداب وتخرجت في الجامعة أصبحت متعطلة بلا عمل، أنام إلى ما بعد الظهيرة وليس هناك ما يشغلني ويكاد الفراغ يقتلني خاصة أنني ليس لدي جَلدّ على القراءة ولم أجد أمامي غير التلفاز، أتجول بين القنوات الفضائية، وكل البرامج مملة رتيبة، والأفلام مكررة ومعادة عشرات المرات، حفظتها عن ظهر قلب بكل حواراتها، وأحداثها ومشاهدها، وفي البيت لا أفعل إلا القليل من قبيل التسلية واللهو، فالخادمة تقوم بكل أعمال النظافة ومهام المطبخ وغسل الملابس وتساعد أمي على إعداد الطعام، حيث إن أمي لا تحب أن يقوم غيرها بشؤون الطعام ولا يتبقى لي ما أفعله، أحياناً أقضي ساعات على الهاتف في الكلام عن أشياء لا قيمة لها مع صديقاتي، نتحدث في توافه الأمور، ومع قلة الحركة ازداد وزني بشكل لافت، وإن لم يكن ذلك يعيبني إلا أنه كان يجذب الانتباه، واستمع إلى التعليقات من قريباتي من قبيل المزاح والتحذير قبل أن أحصل على لقب رفيعة هانم وهو لقب مهذب لكل امرأة بدينة أو بالأحرى المفرطة في البدانة. قررت الخروج إلى النادي الذي تشترك فيه الأسرة لممارسة الرياضة والمشي، ولأنني الابنة الوحيدة بلا أخ ولا أخت لا أجد من يشجعني على الانتظام في الذهاب إلى النادي، ولا أحب أن أذهب وحدي، ومع ذلك واصلت ممارسة الرياضة على فترات ليست متباعدة، إلى أن التقيت بإحدى زميلاتي في الجامعة وبعد جلسة طويلة معها حدثتها فيها عن رتابة حياتي هذه الأيام، تساءلت: لماذا لا تأتين معي لندرس الكمبيوتر وبلا تردد أو تفكير رحبت بالفكرة، ربما لأنني وجدت فيها مخرجاً من الحال التي أعيشها، وخلاصاً من البطالة والملل، وفي الصباح الباكر التقيتها وقدمنا الأوراق المطلوبة للالتحاق بمعهد الكمبيوتر لنتدرب على البرامج المختلفة نظرياً وعملياً، استهوتني الدراسة، غير أنني وجدت في الدراسية بعض الصعوبات خاصة في المصطلحات، فقررت الاستعانة بأحد المتخصصين لمساعدتي على شرحها وتبسيطها حتى أتمكن من مواصلة الدراسة، وعندما أخبرت صديقتي بذلك أرشدتني إلى مهندس كمبيوتر متخصص حديث التخرج نسبياً لكنه بارع وموهوب ومتمكن من الناحية العملية ويستطيع مساعدتي وبعد أيام عدة استطاعت أن تحصل على رقم هاتفه وتقدمه لي. في أول اتصال به جذبني صوته ورقته في الحديث وتعبيراته المهذبة الرقيقة عرفته بنفسي ومطلبي فاستجاب وحددنا موعداً ومكاناً للقاء وبدأت أتلقى الدروس الخصوصية بطريقة ساحرة وكلما قدمت له أجره يتردد في الحصول عليه ويؤكد أنه ليس معلماً في مدرسة وأنه يقدم لي ذلك من قبيل الشهامة والإنسانية وأسباب اخرى لم يذكرها أو هكذا كان يقولها ولم أبحث عنها إلى أن انتهى العام الدراسي وحصلت على درجات ممتازة في المواد التي كان يساعدني فيها فدعوته إلى غداء في مكان عام تعبيراً عن شكري وامتناني له واعتباره حفلاً بتفوقي وفوجئت به قبل أن نتناول طعامنا يقدم لي وردة حمراء وهو يتحاشى تلاقي عيوننا واعترف لي بأنه يحبني وأنني الفتاة التي يبحث عنها ويجد فيها كل المواصفات التي يفضلها وقال لي: أنا لست من النوع المستهتر ولا من الذين يريدون قضاء أوقات مع الفتيات في المتنزهات والحدائق أو الأرصفة ولا أعرف غير الجدية في حياتي كلها فقد تحملت المسؤولية منذ كنت طفلاً، حيث توفى أبي وترك خمس بنات أكبر وأصغر مني واعتبروني رجل البيت فدخلت في تحدٍ مع نفسي والظروف بأن أقوم باحتياجات هذه الأسرة التي تعتبر كبيرة مهما كلفني ذلك من جهد مع الحفاظ على دراستي حتى التحقت بكلية الهندسة وحصلت على درجة البكالوريوس وأنا أعمل وأكد وأكدح من أجل هذه الأسرة وأجد سعادتي في التضحية من أجلها وأحرم نفسي لألبي مطالبهم لذلك لا أملك من حطام الدنيا شيئاً وإن جاز التعبير لم أبدأ بناء حياتي الخاصة، ولن أبدأ قريباً فهناك ثلاث من الاخوات مازلن في مراحل التعليم وأسافر كل أسبوع بانتظام لزيارتهن مع أمي ولست مستعداً الآن للزواج والإنفاق على أسرة مهما كانت صغيرة ولن يحدث ذلك إلا بعد أن تنهي اخواتي تعليمهن. وأكد لي أنه يصارحني بذلك كله حتى أعرف ظروفه بأدق تفاصيلها وكي لا يخدعني ويكون في حل من أي وعد لي وإن أردت أن تتوقف علاقتنا عند هذا الحد فالاختيار لي. كنت أسمع كلماته باهتمام شديد واتلقفها حرفاً حرفاً وأنا أنظر وأشم الوردة اليانعة التي أهداها لي وأحسست بأنني أمام بطل مكافح يستحق أن يقام له تمثال في ميدان عام وأفخر بأن اقترن به وأكون زوجة له وأماً لأولاده وأمدني حديثه بشحنة وطاقة تمكنني من الرد وقلت له إنه مهد لي الطريق لاعترف له بحبي فقد سبقني واتخذ الخطوة الأولى في المصارحة وقد ترددت كثيراً في ذلك وأن هذه الظروف التي يعيشها والتي يرى أنها سبب للفرقة بيننا، هي نفسها التي تجعلني أتمسك به أكثر فواجبي يحتم عليّ أن أضع يدي في يده وأعاهده على العون وخوض غمار الحياة ومواجهتها ولمعت دمعة في عينيه حاول أن يخفيها أو يتخلص منها فلم يستطع وغلبته وسالت على خده واستدار ليتخلص منها وحتى لا أشعره بالحرج حولت عيني عنه ونسينا الطعام الذي كان أمامنا ولم نتناول منه إلا القليل فقد سرقنا الكلام عن الحب والمشاعر. استمرت لقاءاتنا وتواصلت ووضعت له خطة إنقاذ عملية فقمت بجذب الطلاب والطالبات الراغبين في الدروس الخصوصية إليه فازداد دخله وتحسن وضعه بشكل ملموس حتى أنه خلال عام واحد استطاع أن يدخر مبلغاً معقولاً دفعه مقدماً لشقة تمليك في منطقة جيدة لتكون عش زواجنا وقدمت له بعض مجوهراتي وأموالي حتى استطاع أن يكمل ثمن الشقة ويؤثثها ولم يبق أمامه غير مصروفات الزواج والشبكة وبعض النفقات للعرس والاحتفالات وإن لم تكن قليلة لكنها أهون مما تم إنجازه ووجدتني قد تخطيت الخامسة والعشرين والشباب يتقدمون لخطبتي وأنا أرفضهم جميعاً بلا سبب مقنع ولا يريد أبى وأمي أن يفرضا عليَّ شريك حياتي وهما يؤكدان كل مرة أنني حرة في الاختيار، وفي الوقت نفسه يريدان أن يطمئنا على حياتي ومستقبلي وبحثت عن مخرج باستكمال دراستي العليا والحصول على الماجستير وكان السبب مقنعاً نسبياً لهما وفرصة له بأن يستعد لمطالب الزواج ونجحت الخطة حتى تم ما أردنا. تقدم لخطبتي وأنا أتوقع أن يكون ترحيب أسرتي مثلما فعلت وأنهم سيعجبون به مثلي ولكن كانت الصدمة أن أبى وأمي رفضاه، لأنه لن يستطيع ان يحقق لي الحياة الرغدة كما أعيش معهما ولا يمكنه أن يؤمن مستقبلي كما يحلمان وبعد مفاوضات مضنية ومناقشات معقدة مستفيضة ومطولة تمكنت من إقناعهما بأن هذه حياتي وأود أن أعيشها مع الإنسان الذي أحبه وهذا اختياري وأتحمل عواقبه وأنني واثقة بحسن تصرفاتي وانصاعا لرغبتي ووافقاً على هذه الزيجة في حفل بسيط لم يحضره إلا أمه واختاه الكبريان ونفر قليل من أقاربه وأنا غارقة في سعادة ليلة العمر بين الورود والأغاني ثم انتقلت إلى العش الذي ساهمت معه في بنائه طوبة طوبة وأنا أشعر كأنني أحلق في الفضاء الفسيح أكاد ألمس النجوم بيدي ووجدت في عيني زوجي كثيراً من الامتنان وهو يرد اليّ الفضل في هذا كله. مرت السنة الأولى على زواجنا مثل الحلم الجميل رزقنا خلالها بطفلة رقيقة ملأت حياتنا بهجة وشغلتني عن الاهتمام بأي شيء غيرها وتوقفت عن الدراسة فلم تكن هدفي الأساسي وتفرغت لبيتي وأسرتي الصغيرة ورأيت أن مهمتي في الحياة رعايتها والقيام بشؤونها وهذا هو الإنجاز الأهم وأحصل من أبي على الأموال لمساعدة زوجي وتحسين مستوى أسرتي والحفاظ على أن تحيا حياة كريمة، حتى العام الثاني ونحن في كامل الاستقرار إلى أن اخبرني زوجي على استحياء بأن أجهز إحدى الغرف لتقيم فيها أخته الصغرى التي التحقت بالجامعة في المدينة التي نقيم بها، فرحبت بمطلبه وأبديت كامل الاستعداد لمساعدتها على دراستها وتوفير كافة سبل الراحة، فطبع قبلة شكر وامتنان على رأسي وهو يعترف بأنه لا يوجد امرأة أخرى مثلي على وجه الارض، وبعد أيام جاءت شقيقة زوجي تحمل حقيبة ملابسها، لم أكن رأيتها من قبل ولم تحضر حفل عرسنا ولم تزرنا واحتفيت بها وطلبت منها ألا تفعل شيئاً في البيت وأن مهمتها الأولى والأخيرة الدراسة والتفوق. منذ اللحظات الاولى لمجيء شقيقة زوجي اكتشفت تصرفاتها الغريبة، وهي ترتدي ملابس لا تليق بأن تظهر بها أمام أخيها وتتصرف معه بشكل غير طبيعي ثم تطور الأمر لأجدهما يغلقان باب غرفتها منفردين وعندما اسأله عن السبب يؤكد أن اخته فتاة خجولة وتربت على أخلاق القرية ولا تستطيع أن تبوح بمشاكلها أمام أحد فتخبره بها على انفراد وهكذا في كل مرة يأتيني بحجج جديدة، أما المتغير الذي طرأ على زوجي فقد أصبح يطلب مني أن أزور أبي وأمي لأنني وحيدتهما ويجب أن أكون بارة بهما على الرغم من أنه في الماضي كان يرفض ذلك لانه لا يستطيع الاستغناء عني ولو لساعات معدودة. كل هذا وأنا افترض فيه حسن النية حتى طلب مني شراء بعض الأشياء غير الضرورية بعد منتصف الليل من الشارع فاستجبت ونفذت مطلبه ولكن عندما عدت كانت الطامة الكبرى زوجي وأخته في غرفة نومي في وضع حميم وصرخت في هيستريا وهرعت إلى الباب وتجمع الجيران ولم استطع أن انطق بكلمة واحدة وأنا أواصل الصراخ وعجزت عن الرد على استفساراتهم عما حدث وما رأيت بعيني من مصيبة وقبل أن ينطلق لساني وكي يقطع عليّ الطريق ويوقف الفضيحة أعلن الحقيقة المرة أن هذه الفتاة زوجته وليست أخته كما كنت أظن ومن حقه أن يتزوج مثنى وثلاثاً ورباعاً، فكانت هذه المطرقة الثانية على أم رأسي في اللحظة نفسها، أما الثالثة فقد دفع اليَّ الطفلة البريئة النائمة وألقاني أنا وهي في الشارع لأعود إلى بيت أبي. لقد اكتشفت بهذه الفعلة أنه إذا كان كيد النساء عظيماً فإن كيد الرجال أعظم ومكرهم أكبر، أحياناً أجدني نادمة على ما قدمت له، وأحياناً لا لأنه لا يستحق الندم وأبي وأمي لم يتدخلا واكتفيا بالصمت أشهر عدة حتى أرسل اليّ من يتوسط لأعود إليه ونربي أبنتنا ورفضت مجرد مناقشة الموضوع وعزمت على ألا أعود اليه، لا أريد المزيد من الخداع ولا احتمل وكفى ما كان. ميزان العدالة الهروب إلى الموت أحمد محمد (القاهرة) - فوجئ عامل جمع القمامة بمجموعة من الأكياس العادية المتوسطة، تبدو ثقيلة على عكس مثيلاتها، أحياناً تصادفه حالات كهذه على فترات متباعدة قد يتم فيها وضع قطع صلبة، أو مخلفات معدنية، ومن خلال الملمس الخارجي يتأكد أن ما بداخلها ليس كذلك وإنما تبدو لحوماً، خاصة أن بعضها تسيل منه قطرات دماء، ومن باب الفضول الدائم عنده، فقد اعتاد تمزيق الأكياس المغلقة لمعرفة ما بداخلها، عساه أن يعثر على شيء ذي قيمة، فقد تقع يداه على ما يفيد، وكل ما في هذه الأكياس مهما كان، يمكن الانتفاع به، لكن هذه العبوات غريبة ولم يصادف مثلها من قبل وهو يعمل في هذه الحرفة منذ سنوات، وأصبحت لديه خبرة كبيرة، حتى يمكنه أن يميز ما بداخلها دون أن يفتحها، وبخبرته أيضاًِ قطع الكيس الأول بحركة بهلوانية بأصابعه، فإذا بعينيه تقعان على ما لم يره من قبل، إنها لحوم، والغريب أنها ليست فاسدة، فتساءل في نفسه إذا لماذا ألقى بها أصحابها، فليس من الطبيعي أن يعثر من ذلك إلا على بقايا قليلة وفي معظم الأوقات لا تصلح للاستخدام الآدمي، فازداد فضوله وراح يقلبها، لكنها نوع لم يره من قبل وإن لم يكن خبيراً في أنواع اللحوم، إلا أنه يراها عند القصابين، وازدادت رغبته في اكتشاف المزيد واستجلاء الحقيقة، ففتح كيساً آخر، فوجد فيه النوعية نفسها من اللحوم، لكن رأى هذه المرة عجباً إنها لحوم أدمية، أجزاء من جسد بشري الأطراف من أيد وأرجل تدل على ذلك دون شك، تجمدت الدماء في عروقه، وارتعدت فرائصه، لم يستطع السيطرة على نفسه، وهو يرتعش غير قادر على أن يتفوه بكلمة واحدة، كأنه معقود اللسان، حتى سقط على الأرض مغشياً عليه، فالمشهد أقوى من احتماله، لم يره من قبل حتى في الأعمال السينمائية، وحتى لو شاهده، فإن الواقع مختلف، والمفاجأة مرعبة يمكن أن توقف قلبه وتقطع أنفاسه. شاهده زملاؤه القريبون منه، هرولوا إليه لإنقاذه، اهتمامهم منصب عليه، حملوه جانباً في محاولة لإفاقته وبمساعدة الآخرين استرد أنفاسه المقطوعة، وقد شحب وجهه بعد ما هربت منه الدماء، سألوه عما حدث له، لم يستطع أن يفتح فمه ولا أن ينطق بكلمة، أشار لهم بيده المرتعشة إلى الصندوق والأكياس، لم يفهموا شيئاً، فأعادوا السؤال، وأعاد الإجابة على طريقة الخرس بلغة الإشارة، تأكدوا أنه يقصد الأكياس وصندوق القمامة، اتجه بعضهم إليها، وأصابهم ما أصابه، آخرون استجمعوا قواهم واستحضروا جرأتهم، وواصلوا فتح الأكياس المتشابهة، إنها تحتوي كلها على لحوم بشرية، تكون في النهاية جسداً كاملاً من الأيدي والأرجل وبقية الجسم، ماعدا الرأس، فإنه غير موجود، وتم إبلاغ رجال الشرطة الذين حضروا سريعاً وراحوا يلملمون هذه القطع وهم أمام مهمة تبدو للوهلة الأولى شديدة الصعوبة، وما يزيد من صعوبتها أنهم يبحثون عن شخصية القتيل، فمن يكون؟ وأين رأسه؟ ومن يكون وراء الجريمة؟ ولماذا؟ تساؤلات كثيرة تحتاج إلى جهود جبارة، في البداية لا بد من العثور على الرأس، وبعلمهم وتجاربهم استطاعوا العثور عليه خلال لحظات، منذ تأكدوا أنه ألقي بالطريقة نفسها في مكان آخر لا يستبعد أن يكون قريباً من هنا، والبحث كان بطريقة بسيطة لا تصل إلى تفكيرنا، فقد طلبوا من كل جامعي القمامة في هذا اليوم فحص كل الأكياس لاكتشاف أي شيء غريب بها، وبذلك وصلوا إليه، فقد ألقي هو الآخر في كيس مماثل، لكن الذي ألقاه وضعه في مكان بعيد لمسافة تزيد على عشرة كيلومترات، وبالطبع فإن المقصد واضح، إنه يريد أن يشتت جهود رجال الشرطة فلا يستطيعون التوصل إلى شخصية القتيل في هذا الزحام الشديد والنتيجة الطبيعية بعد ذلك عدم التوصل إلى القاتل. وبدأت الخطوة الصعبة الثانية أمام رجال الشرطة، وهي تحديد صاحب هذه الجثة، وبالفعل كانت المهمة صعبة، إذ يبدو أن الجريمة وقعت منذ ساعات فقط وتم تجنيد كل العناصر والأفراد ونشر الرجال السريين والتفتيش في دفاتر المتغيبين، بحيث لا يمر الوقت من دون الوصول إلى معلومة حتى لو كانت بلا قيمة ويتبدد الأمل في الإنجاز السريع وعقارب الساعة تدور حتى بعد منتصف النهار عندما تقدمت امرأة شابة إلى قسم الشرطة تبلغ عن تأخر زوجها في العودة إلى المنزل، وكان يجب أن يعود مع منتصف الليل ويتم عرض الرأس عليها فتعرفه وتصرخ إنه رأس زوجي وراحت تولول وتضرب صدرها بكفيها وبعد أن تمت تهدئتها لم تتهم أحداً بقتله فهو رجل بسيط لا أعداء له ولا مال ويخرج جرياً وراء رزقه اليومي ويكد ويكدح من أجلها وأطفاله الثلاثة، وليس لديه ما يغري للسرقة، لا بد أن هناك خطأ في الموضوع، وكان تلك هي الخطوة الصعبة الأخرى أمام رجال المباحث، وقد كانت المرأة صادقة، فيما قالت فحال الرجل تدعو للشفقة، وترك مسكنه منذ أسبوعين فقط وجاء بأسرته الصغيرة الفقيرة إلى هذه المنطقة. لكن السؤال المهم: لماذا استبدل الرجل رغم فقره منطقة إقامته؟ قالت زوجته بحثاً عن لقمة العيش، لكن كانت هناك إجابة أخرى من خلال المعلومات التي جاءت من منطقة مسكنه القديم لقد اضطر للرحيل منها وتركها بسبب جاره الذي نغص عليه حياته ويتعرض لزوجته في كل حركاتها وسكناتها ويريد أن يحصل عليها بالقوة، فهو معروف عنه البلطجة والانحراف ويستغل ضعف من حوله في فرض سطوته ولا يجرؤ أحد منهم على الوقوف في وجهه أو معارضته أو حتى رفض مطالبه وكان أحدها طمعه في الزوجة التي بدأت تميل إليه فلم يجد الرجل حلاً ولا مفراً إلا الهروب، فليس له هنا ما يجبره على البقاء أنه يريد أن يحافظ على أسرته وكأنه يهرب إلى الموت بل هرب إلى الموت. ألقي القبض على العاشق المتغطرس وحاول في البداية أن يراوغ ونفى تماماً صلته بالجريمة، مؤكداً أنه لا خلاف بينه وبين القتيل وليست بينهما معاملات تدعو للشقاق فقط كانا جارين إلى أن همس الضابط بحنكته في أذن الزوجة يتهمها بقتل زوجها لتتزوج عشيقها فتصرخ، وتقول: لا هو الذي قتله ولا ذنب لي فقد جاءني منذ يومين بعدما تتبع خطواتنا وعرف سكننا الجديد وحاول أن يحرضني لأضع له السم في الطعام فرفضت وطلبت منه أن يتركنا ويخرج من حياتنا فألقى إليّ كلمات مقتضبة قال: سأتخلص منه بطريقتي! ولم أعرف أنه تأبط شراً وأنه جاد فيما يقول. فتمت مواجهة المتهم بهذه المعلومات المؤكدة فلم يجد منفذاً للإنكار واعترف بأنه عشق هذه المرأة، وهي الوحيدة التي سيطرت عليه ولم يشعر بالضعف يوماً أمام رجل أو سيدة غيرها واستعصت عليه فتحدى نفسه ووضع خطته وتوجه إلى الزوج بحجة زيارته في عمله واحتسيا الشاي معاً في مقهى بالشارع ثم اصطحبه إلى منزل مهجور وعاجله بضربة على رأسه أفقدته الوعي وبثانية أودت بحياته ثم قام بتقطيعه وإلقائه في صندوق القمامة ليخسر معشوقته وتخسر زوجها وينضم الأطفال الأبرياء إلى زمرة الأيتام بلا ذنب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©