الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قيمة العمل في الإسلام

قيمة العمل في الإسلام
29 ابريل 2010 21:12
من مزايا شريعة الإسلام، أنها فتحت أبواب العمل الصالح، ووسَّعت دائرته، وجعلته من القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى خالقه، من أجل إعلاء كلمة دينه، وإعزاز شأن شريعته. وصدق الله العظيم، إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}(سورة الانشقاق، الآية 6)، ويقول: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(سورة الملك، الآية 15). ويقول: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(سورة التوبة، الآية 105). ويقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَارَبُّكَ بِظَلامٍ لِّلْعَبِيدِ}(سورة فصلت، الآية 46). ويقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (سورة النور، الآية (55) ولقد بيَّن لنا النّبي، صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة، أن طرق العمل الذي أحله الله تعالى متعددة، وأن أنواعها لا تكاد تعد ولا تحصى، ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي أكدت ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده؛ لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله، أعطاه أو منعه) (أخرجه البخاري) ويقول أيضاً: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)(أخرجه البخاري). ومن الجدير بالذكر أنه يوجد في الإسلام عيدان فقط هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وما عدا ذلك، فإنها مناسبات وذكريات. أما ما يسمى بعيد العمال الذي يُحتفل به في الأول من مايو، فما هو إلا ذكرى لثورة عمال أميركا على الظلم عام 1887م، حيث كانوا مستعبدين، حقوقهم منقوصة ومهضومة، وظروف عملهم سيئة، وأجورهم زهيدة. أما في الإسلام، فلا نقص في الحقوق ولا هضم، حيث أعطى الإسلام كل ذي حق حقه، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(سورة التوبة، الآية 105) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}(سورة المائدة، الآية 1). وقال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا}(سورة الكهف، الآية 30). وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(سورة النحل، الآية 90) كما وبيَّن رسولنا، صلى الله عليه وسلم، حقوق العمال، وحقوق أرباب العمل في الحديث الذي يرويه أبو هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)( أخرجه البخاري) ويقول: (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه)( ذكره السيوطي في الجامع الصغير 1/46) ويقول: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)(ذكره السيوطي في الجامع الصغير 1/75) ويقول: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)(أخرجه أبو داود). فالعمل في الإسلام يجب أن يكون عملاً مشروعاً لا يتطرق إلى الضرر ولا يتطرق إليه الحرام، ولنا في قصة البنت الصالحة مثال رائع، حيث سمعها الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وهو يتفقد الرعية فجراً، ترفض طلب أمها أن تخلط الحليب ماء ليزداد كماً وحجماً، قائلة لها: يا أماه إن كان أمير المؤمنين بعيداً عنا، فإن رب أمير المؤمنين ليس عنا ببعيد، ولئن نجونا من عذاب الدنيا فما نحن بناجين من عذاب الله يوم القيامة. هذا هو الإسلام، عطاء صادق، وأجر غير منقوص، ومن هنا لم يكن العمال المسلمون بحاجة إلى ثورة على أرباب العمل؛ لأن الإسلام قد كفل لهم الحقوق، وأما إذا حدث شيء من ذلك، فإنَّما هو نتيجة لإخلال أحد الطرفين بمبدأ العدل الإسلامي، فإمَّا أن يهمل العامل في عمله، وإما أن يستغل رب العمل عماله، والإسلام بريء من ذلك الإخلال في الحالتين كلتيهما. إن الذين يقرأون سير الأنبياء والرسل الكرام يزدادون إيماناً بقيمة العمل وإدراكاً لمنزلة العاملين، ذلك أن الأنبياء والرسل كلهم كانوا يعملون، ومرة أخرى على سبيل المثال لا الحصر نذكر أن سيدنا داود عليه السلام كان حدّاداً، وسيدنا نوحاً عليه السلام كان نجّاراً، وكان سيدنا موسى عليه السلام راعي غنم، وكذلك كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. ولقد اقتدى الصحابة رضوان الله عليهم برسولهم الكريم، فلم يركنوا إلى الكسل أو يقعدوا عن طلب الرزق، بل كانوا جميعاً يعملون، لقد كان الصحابي الأول أبو بكر رضي الله عنه تاجر قماش، وكان الزبير بن العوام خيّاطاً، وكان عمرو بن العاص جزّاراً- رضي الله عنهم أجمعين-. وكيف لا يعملون؟! وفي دستور حياتهم القرآن الكريم أمر صريح بضرورة العمل... يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ?}?(سورة الملك ، الآية 15)، ويقول جل شأنه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ? تُفْلِحُونَ}(سورة الجمعة، الآية،10) ثم إنَّ رسولهم الكريم، الأسوة الحسنة لهم ولنا ولكل من يرجو الله واليوم الآخر يحذرهم من التسول أو الحياة بلا عمل.. فيقول صلوات الله وسلامه عليه: “لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه...”. ويقول كذلك: “من فتح على نفسه باباً من السؤال فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر”. إن العمل شرف مهما كان متواضعاً، فقد روي أن أحد الأمراء مرّ على عامل نظافة وهو يكنس الشوارع وينشد قائلاً: وأكرم نفسي إنني إن أهنتها وحقك لم تكرم على أحد بعدي فقال الأمير للعامل: وأي إكرام هذا الذي أكرمت به نفسك وأنت تعمل كناساً؟! فقال: إن عملي هذا أفضل من أن أقف على أبواب اللئام أمثالك يعطونني أم يمنعونني. إن الواجب علينا جميعاً تشجيع الإنتاج الوطني، لما يمثل ذلك من دعم للاقتصاد الوطني للدولة، كما ونناشد أصحاب المصانع بأن يحافظوا على جودة منتجاتهم كي تبقى دائماً في المقدمة، فنحن نعلم مدى المنافسة التي يتعّرض لها الإنتاج الوطني من الشركات والدول الأخرى. إن الله عز وجل لم يخلق الإنسان في هذه الحياة ليلهو أو يعبث، ولا ليغتر القوي بقوته ويطغى بجبروته، ولا ليستكين الضعيف إلى ضعفه، ويستقر الفقير على حاله، ولكنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان وركّب فيه طاقة العمل وأدواته، وسخر له ما في الكون ظاهراً وباطناً في السماء وفي الأرض، ليكون خليفة عن الله في الأرض، يعمل على عمرانها ويسعى في إصلاحها، ويبحث عن أسرار الله التي أودعها جميع ما خلق، ليجنى من وراء ذلك قوة الإيمان بالله، وعز الدنيا وسعادة الآخرة . ومن هنا، يتبين أن العمل فريضة من الله على عباده، وأن تمام العبادة يكون بالسعي إلى اكتساب الرزق، وليس الانقطاع عن الدنيا وتركها لغيره، حتى يصبح هو بحاجة، وغيره يعيشون في غنى. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©