الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«النقرس» يجتاح الأغنياء والفقراء ويتزايد بسبب نمط العيش الخاطئ

«النقرس» يجتاح الأغنياء والفقراء ويتزايد بسبب نمط العيش الخاطئ
14 مارس 2011 20:05
النقرس هو أحد أشكال مرض التهاب المفاصل. رُوي عنه الكثير في التراث الفني والشعبي والأدبي للشعوب والأمم. وصفه الشاعر والطبيب البريطاني ريتشارد بلاكمور سنة 1726 بأنه “مرض الملوك والعظماء والأغنياء والميسورين”. فهذا المرض اقتصر في سابق العهود والعصور على الطبقات الاجتماعية العليا الذين يحيون حياةً رغدةً ويأكلون كل ما لذ وطاب. هكذا صورتهم اللوحات الفنية والتشكيلية وحتى أعمال النحت والنقش التي كانت من بين المراجع التي أرخت لأنماط عيش المجتمعات السابقة وما اجتاح أفرادها من أوبئة وأمراض. هذا ما كان عليه مرض النقرس في الأيام الغابرة، أما اليوم، فقد تبنى مقاربة اشتراكية، وأضحى يجثم على مفاصل الميسورين والمعسرين، ولم يعد يفرق بين الفئتين. فما سبب ذلك وما علاجه؟ في عالمنا المعاصر، لم يعد شرطاً أن تكون أحد من تزينت لهم الدنيا وأغدقت عليهم من كل خيراتها حتى تُصاب بمرض النقرس، بل أصبح هذا الأخير يطال جميع الفئات دون تمييز، فاخشوشنت فُرُش العيادات بعد أن كانت مخمليةً، وباتت مآوي لعمال المصانع و”المياومين” بعد أن ظل سابقوهم في منأى عنها ردحاً من الزمان. منذ سنة 1970، زاد عدد المصابين بمرض النقرس بثلاثة أضعاف، ووصل العدد في الولايات المتحدة وحدها مايُناهز 8 ملايين مُصاب، من بينهم عدد من النساء، وهذا أيضاً عكس الاعتقاد الذي طالما ساد بأن النقرس هو مرض الرجال حصراً. المشروبات الغازية يلقي الأطباء باللائمة على تغير أنماط العيش والعادات الغذائية. أولاً، أصبح بإمكان الجميع تناوُل أغذية غنية بالبروتينات الحيوانية ومشروبات محلاة. وكانت النتيجة أن أصبح ثُلُثُ البالغين الأميركيين يُعانون السمنة، التي تُعتبر من أهم أعراض مرض النقرس، كما يقول عالم الأوبئة من جامعة هارفارد الدكتور جاري جورهان. فقد أبانت نتائج أبحاثه مع عالم الأمراض المفصلية هيون تشوي أن الاستهلاك اليومي لمشروبين أو أكثر من المشروبات الغازية التي تحتوي على كميات عالية من الفريكتوز هو من بين الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالسمنة فقط، بل بالنقرس أيضاً. ومن المفارقات أن طول أمد الحياة يُعد هو الآخر أحد أسباب هذا المرض. فصحيح أن بعض الأدوية أتاحت للكثير من المرضى التعايش مع عدد من الأمراض- مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض السكري والكلى واختلال نسب بعض البروتينات والفيتامينات - وجعلتهم يُعمرون لفترات أطول، غير أن هذه الأدوية تسببت لهم أيضاً في أعراض جانبية أبرزها رفع مستويات حمض اليوريك في الدم، ومن ثم رفع مخاطر الإصابة بالنقرس. علل الدواء يقول روبرت تيركيلتوب، رئيس المركز الطبي لأمراض المفاصل في سان دييجو، “كلما طالت فترة تناول الشخص للأدوية المدرة للبول وبعض الأدوية الأخرى ذات الصلة، زادت مستويات حمض اليوريك في دمه، وهو ما يعني ارتفاع مخاطر إصابته بالنقرس”. ومع اتساع رقعة المصابين بمرض النقرس، انخرط صُناع الدواء في إجراء البحوث تلو الأخرى بهدف تقليل الأعراض الجانبية للأدوية وإنتاج عقاقير تستهدف المرض بدقة ولا تجعل المريض بالموازاة عُرضةً لأمراض أخرى. وتقول بايشنس وايت، أستاذة الطب بجامعة جورج واشنطن ونائبة رئيس مؤسسة التهابات المفاصل “مع محاولات شركات ومصانع الأدوية تطوير عقارات جديدة، أصبح الناس أكثر وعياً من ذي قبل بأعراض مرض النقرس، وأنه يمكن أن ينتُج عن اتباع بعض العلاجات أو تناوُل أدوية معينة”. إبهام متقدة وبلورات ترتفع مخاطر الإصابة بالنقرس عند ارتفاع مستوى حمض اليوريك في الدم، ويحدُث ذلك عندما يقوم الجهاز الهضمي بتفكيك جزئيات البورين المتمثلة في الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين والحمض الريبي الموجودة بوفرة في بعض اللحوم ومحار البحر والجعة. ويتوقف مستوى حمض اليوريك في الدم على مدى سرعة تفكيك جزيئات البورين وعلى سرعة تدفق حمض اليوريك إلى الكليتين. وتختلف هذه العوامل تبعاً لجينات الشخص ومورثاته، وأيضاً تبعاً لطبيعة الأدوية التي يتناولها، وما إذا كان يعاني أمراضاً أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري أو أحد أمراض الكلى. وعندما يملأ حمض اليوريك بعض الأنسجة إلى حد الإشباع، تتكون بعض البلورات الشبيهة في شكلها بحبوب السكر ولا تتحلل بكاملها. وتحدث عملية التبلور وفق درجة حرارة معينة، وهو ما يُفسر كون أكثر من نصف حالات النقرس تُصيب منطقة المفصل المشطية السلامية لأصبع الرجل الأكبر “الإبهام”. ومن المعلوم أن درجة حرارة أقدامنا تقل بخمس درجات عن حرارة بقية أعضاء جسدنا، ودرجة حرارة مفصل الأصبع الأكبر أقل من حرارة القدم ذاتها نظراً لأنه الأكثر بروزاً ونتوءاً. ويقول تيركيلتوب إن الضغط الناتج عن المشي يجعل هذا المفصل أكثر حساسيةً وقابليةً للتبلور بفعل أملاح حامض اليوريك. وينتج عن بلورات النقرس في المفاصل استجابة مناعية تتجلى في التهاب يُصطلح عليه “التهاب المفاصل”، وهو ما يُسبب الآلام للشخص المصاب. وإذا تطور النقرس، فإن مثل هذه البلورات تتكون في كل مكان من الجسم، بدءاً من إبهام القدمين ومروراً بالمرفق والرسغ وأصابع اليد، وذلك على شكل أورام بيضاء طبشورية تُسمى “التوف”، وهي شبيهة بالحُصيات أو الحجيرات الدقيقة. لكن هذا لا يعني أن كل من يفرط في الأكل أو الشرب سيُصاب حتماً بالنقرس، لكن نسب الإصابة لديه تبقى مرتفعةً بالمقارنة مع الأشخاص الذين يأكلون باعتدال. ويخبرنا التاريخ أن النقرس أصاب أكثر الناس إفراطاً في التهام اللحوم، ومن أشهرهم شارل داروين وتوماس جيفرسون وإسحاق نيوتن والملك هنري الثامن وتشارلز الخامس الذي حكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة. مرض الطهاة ويقول جون فيلدينج، شريك لمالك مجموعة أسواق “بروود برانتش”، “تقريباً كل شيف (رئيس طُهاة) أعرفه مُصاب بالنقرس. وأذكر أنني تعشيت ذات ليلة بطبق من كبد الدجاج وأسرفت في شرب الجعة، ثم صحوت في منتصف الليل بسبب ألم إبهامي الأيسر الذي تحول إلى جمرة متقدة، واعتراني شعور أن ملاءة السرير الخفيفة التي أتغطى بها تحولت إلى بطانية حديدية تضغط بقوة على قدمي”. ويضيف فيلدينج أن جدته من أمه كانت مصابة بالنقرس، وهو ما يفسر أن أسبابه قد تكون وراثيةً أيضاً. نعمة الإستروجين من النادر جداً أن يصيب النقرس النساء ما قبل سن الأربعين أو الخمسين “فترة انقطاع الطمث”، ويبدو أن لذلك علاقةً بهورمون الإستروجين الذي يضطلع بدور وقائي ضد النقرس، غير أن الكثير من نساء ما بعد الخمسين والستين أصبحن عُرضةً له في الوقت الحاضر. وتقول بايشنس وايت “من المحتمل أن يصبح عدد النساء المصابات بالنقرس أكثر من الرجال بسبب تعمير النساء أطول من الرجال”. عن “واشنطن بوست” ترجمة: هشام أحناش علاج النقرس شهد مرض النقرس استخدام أدوية متشابهة منذ القدم، إذ إن غالبية الأدوية كانت لها علاقة بحامض اليوريك. وفي سنة 2006، ظهر عقار “كريستيكسا” الذي لم يكن جديداً، لكنه أكثر تطوراً من حيث قدرته على سرعة تفكيك حمض اليوريك، وقد أثبت نجاعةً لا بأس بها في علاج عدد من الحالات بعد أشهر وأحياناً سنوات. إلا أن هذا العقار لا يصلح إلا لـ3 بالمئة من مرضى النقرس بسبب أعراضه الجانبية. ويقول الأطباء المتخصصون في علاج النقرس إن اتباع الحمية أو التمارين الرياضية لا يكون فعالاً إلا إذا تمخض عن إنقاص كبير في الوزن. كما يشيرون إلى أنه لا يمكن لمريض النقرس أن يتعافى إذا استمر في تناول المشروبات الكحولية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©