الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يا أبناء قابيل.. هل إلى خروجٍ من سبيل؟

7 يونيو 2016 23:22
«ولكنه ضحك كالبكا» على رأي المتنبي.. فأنت تنظر يميناً وشمالاً في أمة العرب ولا تدري أتضحك أم تبكي؟ فهي أمة ثرية جداً بالملايين الذين يشخصون أدواءها، وفقيرة جداً حتى العدم فيمن يصفون لها دواءها. عندنا نحن العرب جيوش جرارة من (المشخصاتية) وليس عندنا من يعالجون. مواسير التشخيص تطفح علينا من الصحف والفضائيات والمواقع والندوات والمنتديات والمؤتمرات ولا يوجد معالج واحد، والأدهى أن هؤلاء (المشخصاتية) يتكسبون ويتربحون من التشخيص، وبالتالي يهمهم استمرار الداء بلا علاج، بل هم يقاومون من يتصدى للعلاج ويرون أن علاجه فاشل، وهكذا ينزوي وينعزل من يحاول التصدي للعلاج، وينهزم أمام جحافل (المشخصاتية) الذين سيفلسون تماماً إذا شفيت الأمة المريضة. وما أبرئ نفسي، فأنا أيضاً لا أجد علاجاً للحالة العربية الميؤوس من شفائها، ولا أرى أي ضوء في نهاية النفق منذ أبتليت الأمة بما يسمى «الربيع العربي، ، وهو في الحق أسوأ «تسونامي» تتعرض له الأمة عبر تاريخها. وهذا الخريف العربي الكئيب لابد من النظر إليه أبعد من عام 2011 وأبعد من بدايته في تونس ثم انتشار الورم السرطاني في مصر وليبيا واليمن وسوريا. فقد بدأ الغروب العربي عام 1979 مع انطلاق ثورة الخميني في إيران ثم امتد مع الحرب العراقية الإيرانية ثم غزو صدام حسين للكويت، ثم الإجهاز الجماعي على القضية الفلسطينية الذي تم في عاصمة الأندلس مدريد وكأنه رمز لسقوط عربي جديد في الأندلس، ثم الغزو الأميركي للعراق وإخراج العراق نهائياً من المعادلة العربية والدولية وتسليمه لقمة سائغة لإيران، مما يؤكد أن العلاقات الإيرانية- الغربية والإيرانية- الإسرائيلية كانت دائماً في أفضل حالاتها، وأن الخلافات والمعارك كانت وما زالت خدعة كبرى لإلهاء العرب، وأن هذه المعارك الإيرانية الغربية، والإيرانية- الإسرائيلية كانت مساجلات إعلامية وكذبة تم تسويقها في العالم العربي وانطلت علينا، وساهمت في تبييض وجه إيران وغسل سياستها القذرة في الشارع العربي الذي هضم الطبخة الغربية الإيرانية- الإسرائيلية، واستساغها بوصف طهران عدواً لإسرائيل. كما عملت الأذرع الإيرانية في العالم العربي على تسويق إيران التي ستقود الفتح الأكبر بتحرير القدس وإزالة إسرائيل من الوجود. وكانت جماعة «الإخوان» أنشط الأذرع الإيرانية في الأمة العربية عندما خدعت الجميع، ودغدغت مشاعر السذج، وما أكثرهم بشعار «الإسلام هو الحل»، وكان وما زال يعني أن «إيران هي الحل». والعرب دائماً يستيقظون متأخرين جداً، ويدركون الأمر بعد فوات الأوان. وحتى الآن، وربما حتى بعد غد لا يريد كثير من العرب إدراك الارتباط الوثيق بين جماعة «الإخوان» وإيران، وما زالوا يتوهمون أن «الإخوان» السُنة وإيران الشيعة لا يمكن أن يلتقيا أبداً، لأن لعبة الخلاف المذهبي انطلت على العرب رغم أنها غير موجودة أساساً في الحسابات السياسية الإيرانية و»الإخوانية» و»الداعشية» و»القاعدية» و»حزب الله» و»الحوثي»، وأن هؤلاء جميعاً يلتقون على هدف واحد، وهو إسقاط الدولة الوطنية في أمة العرب لتحل محلها الميليشيات المسلحة. وكل ذلك لحساب إسرائيل وإيران والغرب. وهي ليست مؤامرة لكنها الغفلة العربية التي تجعل قطوف الأمة دانية لكل لص وتجعل جدرانها منخفضة لكل متسلق. والعرب لا يكفون عن مطالبة الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم، بينما هؤلاء الآخرون لا يتدخلون، ولكن يتم استدعاؤهم للتدخل. والمفترض أن يطالب العرب الخونة من شعوبهم بالكف عن استدعاء الآخرين ومنهم إيران للتدخل في شؤون الأمة. نحن لا ننهزم بقوة الآخرين، ولكننا ننهزم بضعفنا، ولا ننهزم بذكاء الآخرين ولكننا ننهزم بغبائنا وغفلتنا وعندما كان الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخاطب قادة الجيوش المتجهة إلى الفتوحات كان يكرر جملة دائمة: «عليكم بالحذر من الليل، فإن العرب قوم فيهم غرة».. والغرة عند العرب هي الغفلة وهي صفة ملازمة للعرب في كل زمان ومكان، يتحمسون ويندفعون، ويتم استدراجهم ثم يؤخذون على غرة، وفي مأساة تدخل الآخرين بشؤوننا تحضر بقوة مقولة رئيس الوزراء البريطاني الأشهر «ونستون تشرشل»: لقد هزمني جيشي، جيش وجيوش الأعداء لا تهزمنا ولا تتدخل في شؤوننا، ولكن طابور العرب الخامس وجيش الخونة وأذرع الأعداء هي التي تهزمنا. نحن مشغولون بالبحث عن عيوب الآخرين ولا نلتفت لعيوبنا أبداً. وأننا قوم فينا غرة وتم تجنيد أبناء هذه الأمة في صفوف الأعداء تحت لافتات الإسلام وتحرير القدس وحقوق الإنسان والديمقراطية، فصار العرب كالنار التي تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله. وحتى صار الدم العربي هو الوقود الذي يدير مصانع السلاح في العالم كله. أفرز الخريف العربي منذ تسونامي الخميني، وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، حالة جهنمية، فصارت دول الخريف كأنها في جهنم الدنيا. لا تموت ولا تحيا ويأتيها الموت من كل جانب ولا تموت، ويتخاصم أهلها وشعوبها تخاصم أهل النار، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وكل فئة تلعن الفئة الأخرى، وكل فريق يحمل الآخر مسؤولية الحالة الجهنمية التي تعيشها تلك الدول، وكل فرقة تطلب ضعفاً من العذاب للأخرى، ولكلٍ ضعف، ولكن الجميع لا يشعرون، لا يخفف عنهم العذاب ولا يقضي عليهم فيموتون. إنها حالة الموت السريري التي يتحدث عنها الأطباء دوماً. دول «الخريف العربي» تعيش تحت الأجهزة، راقدة في الإنعاش إلى ما شاء الله، ولا أحد يدري أهي ميتة أم ما زالت على قيد الحياة. وكيف نحكم على موتها أو حياتها؟ هل بموت جذع المخ أم بتوقف القلب، وهذه الحالة سوف تستمر طويلاً جداً، لا حرب ولا سلام، لا حكومة ولا وفاق، لا معارضة ولا نظام. والنتيجة أن وجود دول مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق، بل ولبنان أيضاً، وربما تونس ومصر أصبح وجوداً نظرياً على الورق. فهذه الدول يحكمها ويديرها تخاصم أهل النار ومساحة الرسمي فيها تقلصت تماماً حتى الضمور لمصلحة الموازي وغير الرسمي. فهناك السياسة الموازية والدين الموازي والاقتصاد الموازي والتعليم الموازي والثقافة الموازية والإعلام الموازي. وغير الرسمي أو التحتي أقوى وأكثر تأثيراً ألف مرة من الرسمي والفوقي، وقبضة الدولة الوطنية تراخت تماماً ولم تعد مسيطرة على الأمور، ولا تكاد تعرف حقيقة واحدة في دول الخريف العربي، لكن الحقيقة المؤكدة أن هذه الدول تعيش الحالة الجهنمية التي أتحدث عنها، حالة اللاموت واللاحياة واللا حرب واللا سلام، حالة الفشل العقلي التام، والذي هو أخطر كثيراً من الفشل الكلوي والفشل الكبدي. الفشل العقلي والنفسي والوجداني أخطر من الفشل الجسدي، لأن الفاشل عقلياً ووجدانياً لا هو ميت ولا هو حي، لا هو واع ولا هو في غيبوبة. إنها الحالة الجهنمية العربية حيث الصراع والتخبط والضلال، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، فيا أبناء قابيل هل إلى خروج من سبيل؟! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©