الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حيدر حيدر: الأزمات تثور حول الأعمال الأدبية لأسباب ليست أدبية

حيدر حيدر: الأزمات تثور حول الأعمال الأدبية لأسباب ليست أدبية
29 يوليو 2009 01:47
36 عاماً تفصل الروائي السوري حيدر حيدر عن آخر زيارة قام به لمصر، ففي عام 1973 كان بالقاهرة وسط عدد من أصدقائه النقاد والكتاب، ومؤخراً كان بالإسكندرية مشاركاً في مؤتمر حرية التعبير وآليات الرقابة في العالم العربي. وبين الرحلتين جرت في النهر مياه كثيرة وتحولت مساراته وخلال تلك السنوات وقعت في مصر أزمة ثقافية وسياسية كبرى بطلها كان حيدر نفسه، ففي عام 2000 أصدرت هيئة الثقافة الجماهيرية في مصر طبعة شعبية من رواية «وليمة لأعشاب البحر» واحتج السلفيون عليها وقامت تظاهرات صاخبة في جامعة الأزهر، وانتقلت الأزمة إلى البرلمان المصري وإلى اليوم لم ينس حيدر هذا الموقف ويقول في حديث مع «الاتحاد»»لن أسامح أبداً المدعو محمد عباس لانه سب أبي في مقال له ضد الرواية، ولن أنسى أبداً الموقف النبيل الذي اتخذه المثقفون المصريون وقتها دفاعاً عن الرواية وعني». وبعد تلك الأزمة حرص الدكتور جابر عصفور وكان أميناً عاماً للمجلس الأعلى المصري للثقافة على دعوة حيدر حيدر للمشاركة في مؤتمر الرواية العربية، وطبع برنامج المؤتمر وبه اسم حيدر وموعد ندوته، لكن حيدر لم يحضر، وانطلقت وقتها شائعة رددها بعض المشاركين السوريين عن أن حيدر يتخوف من المجيء إلى مصر، وأنه نُصح من بعض أصدقائه بعدم المجيء. وفي زيارته الأخيرة يقول حيدر لـ»الاتحاد» عن هذه الواقعة «اتصل بي جابر عصفور ودعاني فعلاً للحضور، وكنت متردداً فسألني بصراحته المعهودة.. حيدر.. أنت خائف؟ لا تخف سوف أكون في استقبالك بنفسي في المطار. وقلت له: لو انك متأكد من أنهم ينتظرونني وسيقتلونني ما ترددت في المجيء إلى مصر، فلا شيء يمنعني من الحضور إلى مصر، أنا- فقط- لم اكن مرحباً بالمشاركة في مؤتمر به 130 روائياً من العالم العربي، هذا كثير جدا، ولا يتيح الاهتمام بالروائيين وأتصور أن يستضيف المؤتمر خمسة روائيين كبار ويتم الاحتفاء بهم نقدياً، أما هذا الحشد الضخم، فلا يؤدي إلى الهدف الأدبي المرجو من المؤتمر وأنشطته. وهذه المرة حين طلب مني الدكتور جابر المشاركة في مؤتمر حرية التعبير لم أتردد فقد كنت مشتاقاً إلى المجيء إلى مصر وأن التقي مثقفيها ونقادها، صحيح أنني لم امكث في القاهرة، لكنني التقيتهم هنا على شاطئ المتوسط، وكنت مشتاقاً كذلك لأن ازور وأرى مكتبة الإسكندرية، وفوق ذلك كله لدي تقدير خاص لجابر عصفور الناقد والمسؤول الثقافي، هذا الرجل إحساسه العروبي عالٍ جدا، لذا استجبت على الفور حين دعاني». وكان مؤتمر حرية التعبير عقد مؤخراً بمكتبة الإسكندرية ونظمه المركز القومي المصري للترجمة الذي يديره جابر عصفور وفي شهادته التي أدلى بها أمام المؤتمر تحدث حيدر عن تجربتين.. الأولى تعرض عمله الأول الصادر عام 1969 لاعتراض الرقابة في سوريا، وروايته «وليمة لأعشاب البحر» التي فشل في نشرها بسوريا فنشرت في بيروت أول مرة، وكان يقوم بتهريب نسخها من بيروت إلى دمشق، واشترك معه في تلك العملية نجله الدكتور مجد حيدر. ويقول «عملنا أنا وابني مهربي كتب» ثم وقعت الأزمة الكبرى في مصر حين نشرت الرواية عام 2000. وعن منجزه الأدبي بعد وليمة لأعشاب قال «صدرت روايتي «هجرة السنونو» عام 2008 بدمشق، ولم تعجب الرقابة فاعترضت عليها ولم انزعج كثيراً، صرت معتاداً على هذه المضايقات، ذات يوم كتب الدكتور يوسف إدريس يقول «إن الحرية الممنوحة في العالم العربي كله لا تكفي كاتباً واحداً» وهذا صحيح تماماً، والرقابة في كل بلد عربي، قد تختلف أشكالها وأدواتها وآلياتها لكن هناك رقابة من المحيط إلى الخليج وفي أي بقعة يعاني الكاتب وتعاني الكاتبة أيضاً». وحول إذا ما كان يتصور أن روايته وليمة لأعشاب البحر ما زالت تباع على أرصفة شوارع القاهرة قال «لست مندهشاً من ذلك ولعله يؤكد ما قلته في البداية، إن الأزمات تثور حول الأعمال الأدبية، لأسباب ليست أدبية، بل لأسباب سياسية في المقام الأول، وعلى سبيل المثال حين اعترض السلفيون على الوليمة في مصر، كان الهدف إحراج وزير الثقافة المصري فاروق حسني، وكان الهدف أيضاً أن يستعرض الأصوليون وجماعة الاخوان عضلاتهم أمام الحكم في مصر، وأنا متأكد أن أحداً من هؤلاء الذين هيجوا الدنيا ضد الوليمة لم يقرأها، وهم لا يعرفون ما فيها، واعتمدوا على جملة مقتطعة من سياقها، وفهمت على نحو يخالف طبيعة النص والرواية فالوليمة ليس بها أي مساس بالدين ولا بالذات الإلهية». وعن أزمة رواية الوليمة وما تبعها من أزمات حول أعمال إبداعية سواء في مصر أو الأردن والجزائر وبعض دول الخليج هناك من يتصور أن لدى بعض المبدعين العرب إصراراً على المساس بالمقدسات الدينية، قال حيدر» لا يمكن لمبدع أن يقدم على المساس بالمقدسات الدينية ولابد من القول إن الدين مقدس وعقائد الناس كذلك ومن الضروري احترام ومراعاة مشاعر الناس هذا كله لن تجد خلافاً عليه بين الكتاب، والخلاف يأتي من أن بعض التيارات تصر على ممارسة الرقابة على الكتاب والتفتيش في ضمائرهم أو أن بعضهم عاجز من فهم العمل الأدبي». ويضيف «روايتي (الوليمة) كانت تتحدث عن تناقض الثوار العرب وخيبة الأمل بعد التحرر من الاستعمار والعجز عن بناء ديمقراطية ونهضة حقيقية في البلاد الثورية وهكذا لم تكن عملاً دينياً من قريب أو بعيد، لكن أحدهم انتزع جملة واحدة وأقام الدنيا حولها، والأمر نفسه ينطبق على الأعمال الإبداعية الأخرى. ولنتذكر جميعاً رواية كبيرنا نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» لقد أقاموا الدنيا حولها وتعرض الرجل لمحاولة اغتيال بسببها وظلت الرواية ممنوعة في مصر لأكثر من أربعة عقود، ومع ذلك نشرت في القاهرة، وتباع في المكتبات، ماذا جرى وماذا حدث؟ هل اهتزت عقائد الناس؟ أبداً هم يصادرون أعمال الأدباء ويصادرون قدرة الناس على الفهم وتذوق العمل الإبداعي». ورداً على سؤال عن ماذا يكتب الآن، قال «حاليا لا أكتب، أنا مشغول بمراجعة بعض الأعمال المترجمة، والتي تنشرها «دار ورد» فأنا مستشار هذه الدار ويملكها ابني الدكتور مجد وهذه المسألة تستغرق مني وقتاً وجهداً، أنا الآن - مثلاً - أراجع عملا للروائي الأميركي هنري ميللر لكن لدي فكرة عمل روائي، تبلورت في ذهني، وحين أفرغ مما في يدي من أعمال، سوف أعكف على الكتابة».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©