الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

العام 33.. شهد أول أزمة مالية طاحنة في التاريخ

العام 33.. شهد أول أزمة مالية طاحنة في التاريخ
27 ابريل 2017 22:27
حسونة الطيب (أبوظبي) عندما ضربت الأزمة المالية العالم في 2008، أصبح من المناسب الرجوع بالذاكرة لأحداث وصفها العديد من المؤرخين بأول أزمة مالية في تاريخ البشرية. إبان حكم الإمبراطور الروماني الثاني تيبيريوس، هزت أزمة مالية عنيفة مختلف أرجاء الإمبراطورية، من مقاطعاتها في آسيا وأفريقيا، إلى مركزها المالي في روما. وكانت الإمبراطورية، تنعم وقتها باقتصاد عالمي يزخر بالتنوع من الحبوب وزيت الزيتون والأحجار الكريمة، التي يتم تداولها بصورة مستدامة بين روما وتلك المقاطعات. وكان المركز المالي، حيث فتحت البنوك والشركات أبوابها، يقع في منطقة فيا ساكرا في روما، التي تمثل الآن وول ستريت الإمبراطورية. وبما أن الإمبراطورية احتلت معظم أجزاء العالم المعروفة اليوم، فقد قامت ببناء طرق بطول 50 ألف ميل وفتحت القنوات وأعمال أخرى لا تزال قيد الاستخدام. كما أن الكثير من المستخدم اليوم من حروف أبجدية ولغات وتقاويم وآداب وفنون، مشتقة من الرومان. وحتى مفهوم العدالة الرومانية، لا يزال يقف شامخاً يعززه الاستمرار في استخدام الجملة الرومانية «المجرم بريء حتى تثبت إدانته». في العام 33، تعرضت مدينة روما، عاصمة الإمبراطورية الرومانية، لأزمة مالية طاحنة، خلفت انطباعاً هائلاً على العالم، سطره كبار المؤرخين في ذلك الوقت مثل، تاسيتوس وسوتونيوس وديو. وبينما لم يول المؤرخون الحديثون، اهتمامهم بالكتابة عن الفترة التي سبقت العهد الحديث، وجدت هذه الأزمة اهتماماً كبيراً من التوثيق، ما جعل إمكانية تحليلها في العصر الحديث، مهمة سهلة. وتضمنت الأزمة، نقصاً مفاجئاً في الأموال وتقلصاً في الائتمان، ما هدد بإفلاس رجال الأعمال المرموقين في روما. وفي تقييم هذه الأزمة، لجأ مؤرخو العصر الحديث إلى التركيز في عملهم على حساب التدفقات المالية في ذلك الوقت، منذ أن نقص المال كان السبب الرئيسي وراء تلك الأزمة. ونظراً لشح البيانات المالية المباشرة، اعتمد هؤلاء مباشرة على الأدلة المستقاة من علم العملات، المتوفرة عبر سجلات العملات التي أصدرتها الإمبراطورية. وكان نمط هذه الأزمة شبيهاً للغاية بنمط الأزمة المالية العالمية الماضية، حيث أدت سياسات التقشف إلى تقليص الإنفاق الحكومي واستدعت عمليات الإقراض تقليل الإمدادات المالية والسيولة والأرباح بالنسبة للأعمال التجارية. وتمثل رد فعل رجال الأعمال والمصرفيين، في سرعة تسديد ما عليهم من قروض، ما اضطرهم لبيع ممتلكاتهم العقارية بأسعار زهيدة. ونتج عن التقشف ونقص الإمدادات المالية وبيع العقارات بأسعار زهيدة، انكماش شديد للغاية. ودخل كبار رجال الأعمال في مصر ولبنان وتركيا، في مشاكل مالية كبيرة، نتج عنها إغلاق مصرفهم في فيا ساكرا، المنطقة المالية في روما. ولحل هذه المشاكل، ترتب على الإمبراطور تيبيريوس اللجوء لعدد من الخيارات من بينها توفير قدر كبير من القروض للمصارف بأسعار فائدة 0%، مقابل ضمانات رهونات عقارية قيمة، بالإضافة لزيادة الميزانية والتيسير الكمي. ولا تطالب هذه القروض الإمبراطورية، بأي أسعار فائدة قبل مضي ثلاث سنوات. ويوفر الذعر المالي، الذي انتشر في الإمبراطورية في سنة 33، واحداً من سجلات الأحداث القليلة، التي سجلها المؤرخ القديم تاسيتوس، الذي اقتصر تركيزه على الإقراض المالي. واشتهر الإمبراطور تيبيريوس، الذي حكم الإمبراطورية في الفترة بين «14 إلى 37»، بالاقتصاد في نفقاته، حيث عمد لصك عملات قليلة. كما عُرف عنه عدم رفعه للضرائب طيلة فترة حكمه، بل عمد لخفض الضرائب الرومانية عندما أصبحت كابادوسيا، الواقعة في تركيا حالياً، ضمن المقاطعات التابعة للإمبراطورية. ومهدت المؤامرة السياسية على الإمبراطور في سنة 31، الطريق لبروز هذا الانهيار الاقتصادي. وبعد أن عم الفساد أركان روما، اتجه الإمبراطور، الذي امتدت فترة حكمه لنحو اثنين وعشرين عاماً، للقضاء على كل المتآمرين من الأثرياء الذين تضامنوا مع سيجانوس الباحث عن انتزاع العرش من الإمبراطور. وبعد مصادرة أموال وعقارات هؤلاء الأثرياء، امتلأت الخزائن بالأموال وشحت السيولة في الأسواق، الشيء الذي أطلق العنان لتفشي الانكماش. وأخذ أعضاء مجلس الشيوخ بعد ذلك، في البحث عن سبل لحماية مصالحهم، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي طال نشاطاتهم التجارية. وعمدت الحكومة، لفرض قيود على القروض والمطالبة باستثمار ثلثي كل قرض داخل إيطاليا لتقليل المضاربات في المقاطعات، خاصةً في ظل تراجع الإنتاج الزراعي لسنوات عدة متتالية. علاوة على ذلك، صدر قرار يلزم بتسديد ثلثي كل قرض، ما حد من نمو الاقتصاد. ونتج عن ذلك، نسخة من أزمة الادخار والقروض التي حدثت في أميركا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وبفرض القيود على القروض للأراضي الإيطالية، ومن ثم ضرورة تسديد ثلثي هذه القروض، أصيب القطاع العقاري بالانهيار التام. ولجأت الحكومة في ذلك الوقت، للمطالبة بتسديد القروض كاملة، ليُرغم المدينين على البيع وتفيض السوق بالعقارات المعروضة وتنهار الأسعار. وبرزت بعد ذلك، أزمة نقص حادة في الأموال، ما أدى لظهور جملة من النقود الرمزية التي يتم إنتاجها على أصعدة خاصة للتعويض عن النقص في العملات المعدنية، السيناريو نفسه الذي تكرر خلال الكساد الكبير في أميركا في ثلاثينيات القرن الماضي. ودفع نقص النقود المتداولة، مئات المدن لصك نقودها الخاصة، حتى تكون قادرة على تسيير أمورها الحياتية اليومية. وانتشر الفساد من أعضاء مجلس الشيوخ المناوئين للإمبراطور تيبيريوس، ليشل حركة النظام المصرفي. وأعقب الصعوبات التي واجهتها مؤسسة سيوثيز آند سن في الإسكندرية، نتيجة لفقدان ثلاث سفن محملة ببضائع ثمينة إثر عاصفة هبت في مياه البحر الأحمر، تراجعاً في قيمة ريش النعام والعاج. وفي ذات الوقت، أعلنت شركة مالكوس، إفلاسها نتيجة إضراب عمالها الفينيقيين. وأثرت الحادثتان أيضاً على دار روما المصرفية كوينتوس ماكسيموس. وتلا ذلك، إغلاق العديد من المصارف والدور المصرفية أبوابها مثل بالبوس أوليوس، التي أغلقت أبوابها بعد فشلها في الإيفاء بطلب أحد الأثرياء لمبلغ 30 مليون سيسترسيس «العملة الرومانية القديمة». وأعقب ذلك أيضاً، إغلاق العديد من البنوك في مدن شملت، كورينث وكارثيج وليونز، لينتشر ذعر مالي في أوساط المركز المالي فيا ساكرا في روما. ونجم عن ذلك، مطالبة البنوك المدينين بتسديد ما عليهم من قروض حتى تتمكن من إنشاء احتياطي مالي في خزائنها. وعندما فشل هؤلاء في تسديد القروض، لجؤوا لبيع ممتلكاتهم في ظل عدم توفر السيولة حتى عند الحد القانوني لسعر الفائدة بنحو 12%، ليعم الكساد كل أرجاء الإمبراطورية. ورغم إطراء الكثيرين لسياسة بن برنانكي غير التقليدية لحل الأزمة المالية العالمية الماضية لتفادي انهيار النظام المالي العالمي، فإنه في حقيقة الأمر، سبقه الإمبراطور تيبيريوس قبل 2000 سنة تقريباً، في استخدام سياسات مشابهة خلال الأزمة المالية سنة 33. وفي حين، اتجه برنانكي، لزيادة ميزانية الاحتياطي الفيدرالي، عمد تيبيريوس لزيادة السيولة بقدر كبير كنسخة مبكرة من برنامج مساعدة الأصول المتعثرة، الذي انتهجته الخزينة الأميركية لتعزيز قوتها الشرائية المقدرة بنحو 700 مليار دولار لشراء سندات مسيلة مدعومة بالرهن العقاري. وعندما خفض الإمبراطور سعر الفائدة لصفر بغرض تخفيف أي أثر إضافي، فإن هذه السياسة لا تختلف كثيراً عن سياسة التيسير الكمي الهادفة للمحافظة على أسعار الفائدة منخفضة على المديين القصير والطويل. ولمعالجة المشكلة، استخدم الإمبراطور، ما نطلق عليه اليوم اسم «سياسة التيسير الكمي»، حيث تم أخذ 100 مليون سيسترسيس «2 مليار دولار» من الخزينة الإمبراطورية وتوزيعها على المصارف الموثوق منها لتوزيعها كقروض على أكثر المدينين حاجة. ينبغي أن تكون القروض خالية من سعر الفائدة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، شريطة تقديم الدائن ضمان للدولة في شكل أراض مقابل مضاعفة القرض. وساعد ذلك، الكثيرين على عدم بيع عقاراتهم بأسعار متدنية والاحتفاظ بها وكبح جماح موجة الكساد والتأكيد على التصدي لمشكلة السيولة النقدية. كما تعافت القروض أيضاً مصحوبة بالعودة التدريجية للمقرضين من القطاع الخاص. وأظهرت أزمة سنة 33، مدى الترابط الذي كانت عليه أجزاء الإمبراطورية الرومية، حيث إنها لم تقتصر على روما فقط، بل طالت كلاً من مصر واليونان وفرنسا. ولم يستغرق بروز الذعر المالي، سوى أسابيع قليلة، حيث يعجل كل انهيار بآخر يليه، تماماً كما هو الحال في مشاكل ليمان براذرس وإيه آي جي ومورجان ستانلي، التي قادت لمشاكل أخرى في القطاع المالي والاقتصاد الحقيقي. وعند موت الإمبراطور في سنة 37، خلف وراءه ثروة قدرها 2.7 مليار سيسترسيس «50 مليار دولار»، ورثها ابنه كاليجيولا الذي لم تكن أحكامه دقيقة كسلفه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©