الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من أجلهم نحترق

11 مارس 2013 20:06
قررت أن تحتمي من ضعفها، فخبأت دموعها المتدفقة بكفها، وكتمت فيض قلبها من مشاعر سلبية، سقطت قوتها وسلطتها في حفرة الشيخوخة والوحدة، فكانت هناك تنتظر من يغدق عليها من حبه القليل، وتستجدي التفاتة في يوم يمر كما باقي الأيام، باردا لا طعم فيه إلا ما تخلفه الأدوية من مرارة في حلقها. وهناك منزوية تنتظر من يطرق باب قلبها، هامت صور حياتها أمامها، ولاح شريط ذكرياتها كأنها اليوم، سمعت صرخة الحياة لوليدها الأول الذي يبلغ من العمر عتيا الآن، المنشغل في متاهات أماسيه وصباحاته ساعيا وراء تحقيق ما تبقى من أحلامه، واخترقت شفتاها اليابستان ابتسامة وهي تجدل ضفائر بناتها بعد تجهيز فطورهن وجمع كتبهن المبعثرة على طاولة المذاكرة لتصحبهن للمدرسة، واهتزت حين تذكرت مرض ابنها الرابع، غسلت الدموع وجنتيها وهي تسافر من جديد في رحلة علاج طويلة ليستعيد عافيته، تاركة إخوته في عهدة أمها. تعيش يوميا على استحضار أولادها الذين انسحبوا نحو الحياة، متشاغلين عنها بأحزانهم وأفراحهم التي باتوا يقتسمونها مع أبنائهم وأناسهم، تأتي بهم ليل نهار تروي لهم الحكايات وقصصها التي توقفت عند خروجهم من بيتها في اتجاه تشكيل أسر جديدة، توقف زمانها عند هذه اللحظة، أصبحت أيامها متشابهة لا تعرف إلا الانتظار. تتحسس هاتفها، هذا الاختراع الذي أصبح ينوب عن الحضور الشخصي للمتصل، وقلل بذلك من التواصل الاجتماعي، حين تصمت رناته، تقلبه بين أصابعها الطرية، تتفحصه بعيون ضعف نظرها وخفت بريقها، تضعه في الشاحن في انتظار من يقول لها افتحي بابك، ومع ذلك يستمر في صمته، تخيم عليها ملامح الأسى والحزن، فتستسلم للنوم الذي عاف جفونها وهجرها. تفننت في اختلاق الأعذار لأبنائها الذين ألهتم الدنيا ومتاهاتها، تبرر لكل منهم سبب غيابه الطويل، ينفطر قلبها حين يقفز إلى مشاعرها أن مكروها قد أصابهم، وتبكي مخافة أن يغيبهم الموت عنها، إن غابوا تكتفي بحضور أصواتهم، وإن حضروا فذلك عيدها، تقبل عيونهم، تدس رأسها في صدورهم، تعانقهم وتلتصق بأجسادهم تشتم رائحتهم. تلتحف البياض، ترفع كفيها وتغيب في الصلاة خشوعا وطمعا في رحمته الواسعة بأن يصون ذريتها ويحفظهم من كل مكروه، تلهج بالدعاء إلى أن يجف ريقها تختمه بقولها: «اللهم اجعلني قبلهم» في إشارة إلى الموت. هكذا هي تضحية كل أم تسهر وتربي وتقطع أشواط الحياة متعبة مرهقة، هكذا الحب المطلق دون مقابل، هكذا هن كل الأمهات وكل السيدات وكل النساء، اللواتي يحترقن يوميا من أجل أبنائهم، إن كانت ربة بيت فهي تقدم أجل عمل، وإن كانت عاملة، فهي تعاني من وخز الضمير وتعذيبه يوميا على عدم تواجدها في كل وقت إلى جانبهم، وإن كانت صاحبة عمل خاص يتطلب حضورها كل حين فالحسرة تأكل قلبها على غيابها الشبه تام من بين أبنائها، لذلك لا عيب إن تم تخصيص يوم للمرأة، لأن كل الأيام لها ومنها وعليها. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©