الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حديث الأصدقاء

14 مارس 2011 21:17
إذا جاءك صديق ليجلس معك، فانتظر، لا تدخل مباشرة في الحديث عن نفسك. ربما زارك ليتحدث عن نفسه هو. ربما هو اختارك أنت بالذات لأنه متعب ومنهك من اضطراره للاستماع للآخرين وتحامله على ذاته. ربما لذلك جاءك في هذه المرة، لتكون واحته، بقعته الخضراء في وسط صحراء قاحلة يحسها تحيط حياته في تلك اللحظة. تتكون حياة كل الناس من صحراء ومروج خضراء، تتفاوت نسب هذه المساحات من شخص لآخر، وهي مساحات قابلة للانكماش أو التمدد بقياسات مختلفة في كل مرة، بناءً على معطيات كثيرة منها القدرة على التحمل، واتساع الأفق، والمخزون المتبقي من الأمل في جعبة النفس. لذلك يحتاج الناس دائما للأصدقاء. ولو لصديق واحد فقط. المهم أن يوجد في حياة كل إنسان شخص آخر يجعل منه واحة وتكون له واحة، فيتبادلان الأدوار في كل مرة حسب نسبة التصحر في نفس كل منهما، ويحصل أحيانا أن تكون النسب متساوية فيكتفيان بالضحك معا أو البكاء في حضرة الصمت. يتطور لدى الأصدقاء مع الوقت قرون استشعار تتحسس نبض بعضهم البعض، وتحس بالأمواج في النفس ومتى تكون في حالة هيجان عاصف ومتى تكون رائقة هادئة. وربما لم تتطور عندك هذه الحساسية الخاصة بعد، لكنها ستأتي مع الوقت لو تدربت على الإنصات أكثر والصمت أكثر والكشف أقل عن صحرائك الخاصة قبل التيقن من منسوب الأخضر في نفس صديقك. فقط انتظر، لا تندفع فرحا بقدومه لتنطلق أنت متحدثا عن نفسك متخذاً منه واحتك الخضراء، ستكسره بذلك، لأنه سينصت إليك حتما لكن بآخر ما تبقى له من رمق، سيظللك بآخر ما يمتلكه من عود أخضر.. ستجهز عليه، مثل الراعي الجائر لمراعي تنقرض. وحين ستراه في المرة القادمة فلن تعرفه، ستجده قد اختلف، ليس عليك، ولكن على نفسه، سيكون قد صار أشبه بدمية قش لا تقوى على النهوض فرحا برؤيتك، وستبحث عنه، ولن تجده، وحين تدرك أنك من أجهز عليه، ستتحول مثله لدمية قش، ولن تجيدا العودة مرة أخرى إلى الكينونة الإنسانية الحميمة التي يخلقها طهر المشاركة الوجدانية لصديق يوشك أن يفقد نفسه. التجربة الإنسانية في روعتها تكمن في حمل البشر بعضهم بعضا نحو خط النهاية، مثل جندي يعود لساحة معركة مشتعلة ويخرج حاملا جنديا جريحا على ظهره. الحياة ميدان معركة، وكلنا فيها جنود محاربون نحتاج أن نعرف أن هناك من سيعود إلينا إذا سقطنا مثخنين بالجراح. إذا زارك صديق تمعن جيدا في هيئته ربما جاءك متصحرا يبحث معك عن مطره. وعندما تهطل عليه ستنتشي مروجه وتتمدد لتسعك لمدة طويلة بعد ذلك. كل شيء في هذا العالم هو مخزون استراتيجي لاستمرار الحياة، ومن المهم لك أن لا تستنفذ مخزونك الاستراتيجي من نفسك والأصدقاء. Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©