الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبيد سرور.. تسييل الحسرة!

عبيد سرور.. تسييل الحسرة!
11 مارس 2015 21:25
إذا بحثنا عن التعبيرية الصادقة في الفن التشكيلي الإماراتي فنحن لا نبعد إذا ما اتخذنا أعمال الفنان الإماراتي عبيد سرور مثالاً رئيساً في هذا السياق، فالفنان عبيد سرور - من وجهة نظري - هو الذي قدّمَ التراث الإماراتي من خلال تعبيريّة التشكيل في لوحاته التي اشتهرت في الساحة الفنية المحلية. ينطلق الفنان عبيد سرور من الفكرة الأساسية للاتجاه التعبيري في الفن، وهي: أن الفن ينبغي ألا يتقيّد بتسجيل الانطباعات المرئية، بل عليه أن يُعبّر عن التجارب العاطفية والقيم الروحية، وهو بذلك يطبّق على نحوٍ ما قول الفنان الكبير هنري ماتيس: «التعبير هو ما أهدف إليه قبل كل شيء، فأنا لا يمكنني الفصل بين الإحساس، الذي أكنّه للحياة وبين طريقتي في التعبير عنه. التعبير وفق طراز تفكيري لا يتضمن العاطفة المرتسمة على وجه الإنسان، أو تلك التي تفضحها حركة عنيفة، بل إن ترتيب لوحتي بأجمعه تعبيري. المكان الذي تشغله الأشياء أو الأشكال، المساحات الفارغة حولها، النِّسَب، لكلٍ أثرُه. التكوين هو فن ترتيب العناصر المختلفة التي هي رهن يدي الرسام بطريقة زخرفية للتعبير عن أحاسيسه». التعبير في لوحات الفنان الإماراتي عبيد سرور ينتقل برشاقة من الشخصيات والموضوعات الرئيسة في اللوحة إلى الفضاء وخلفية المشهد حيث الحياة في عمومها لا تنفصل عن التعبير، فإذا كان الناس في الواقع والأشخاص في لوحة عبيد سرور لهم تعبيرات مختلفة بحسب التطورات اليومية للحياة، فالحياة ذاتها وبظواهرها المختلفة لها تعبيرات مختلفة كذلك، ونحن كثيراً ما «نعبّر» عن ذلك بصيغةٍ أدبية فنقول: «تجهّمت السماءُ في الشتاء»، و»ابتهج الربيعُ بزهوره»، وهكذا. وفيما يخص التراث الإماراتي في لوحات عبيد سرور، والتعبيرية التي يحاول تقديم التراث بواسطتها، يلاحظ المتابع أن لوحات عبيد سرور التي تصور موضوعات التراث الإماراتي تعتمد على رصد لحظات حميمة جداً من مظاهر ماضي الحياة في الإمارات، ثم إحاطة تلك اللحظات بالتعبير والتحوير في الشكل واللون، وسواءٌ ذلك في تفاصيل الشخصيات والأشياء أم في عموم المشهد، بل إنه في بعض الأحيان يدمج الخطوط الخارجية للشخصيات المرسومة بالخطوط المحدِّدة للفضاء الخلفي للوحة وما يضم من تكوينات حيث الحياة بمجملها «تُعبِّر» كما ذكرنا سابقاً. هكذا يُعبِّر الفنان عبيد سرور عن الوحدة الواقعية والانفعالية والعاطفية بين الناس وتراثهم، إنه يتغنّى بانسيابيّة وسلاسة في التراث وحوله، حيث التراث في الإمارات ليس قالباً جامداً بل متنوّعاً ومتكيّفاً وغنياً. وبالنسبة للوحدة الجَمالية في «تعبيريّات» الفنان عبيد سرور فإنها تصدر عن تكرار الاستدارات والتحويرات والخطوط الانسيابية، فهذا ما يُكوّن الوحدة الجَمالية في أعماله من حيث الشكل، وهي ضرورية للتعبير، إلا أنها كانت في الماضي، وأقصد حين كانت تُعرَض في المعارض الفنية قبل 25 سنة، كانت طريقةً ذات جَماليةٍ غامضة نوعاً ما بالنسبة إلى عموم مُشاهدي الأعمال الفنية وزوّار معارض الفنون في الإمارات، إذ لم يعتد الناسُ في تلك الأيام قراءة التحوير في الشكل في صورةٍ متكررة، كان الناس يرون ذلك لا واقعياً، لكن كان وما زال على الفنان أن يُقدّم ما يراه مناسباً من الاقتراح الجَمالي. أما اليوم فقد عمّت الثقافة الفنيّة، وأصبحت مختلف المدارس الفنية مفهومة. ثمة نوع آخر من الوحدة الجَمالية التي تعتمد على التكرار في لوحات عبيد سرور، لكنها نادرة وتأتي لسببٍ محدد، وهي تلك الخطوط من الألوان السائلة إلى الأسفل التي نجدها في بعض لوحاته، والتي تبدو كأنها تذوب وتتقاطر من الموضوعات المرسومة في اللوحة كالنوافذ القديمة، والسراج الصناعي المسمّى بالعامية «فَنَر»، وواضحٌ من هذه الطريقة التعبيرية بإسالَة الألوان أن المقصود منها إظهارُ التحسّر وجمع العاطفة نحو ماضي الحياة الجميل ببساطته. فهذا هو التعبير من حيث الشكل لدى الفنان عبيد سرور، إنه يعتمد على التحوير، ولكن ماذا عن اللون عنده وفي لوحاته؟ من هذا الجانب قيل سابقاً إنه انطباعيٌ في ألوانه، وعندي أن هذا خطأٌ في الفهم والنقد، فلا علاقة لألوان عبيد سرور بالضوء وتأثيراته كي تكون ألوانه انطباعية في وظيفتها، كما أن ألوانه ليست نتيجة دراسة أو اكتشاف بذاتها ولذاتها، بل هي ألوانٌ «تعبيريّة» في وظيفتها، ولذلك فهي مقصودة بالتعيين، وليس نتيجة تأثيرات خارجة عن إرادة التعبير، ووظيفتها إضفاء الحيوية والحياة على موضوعات اللوحات، وكأنه يقول إن الماضي وقِيَمَه ما زالت حية في النفوس على الأقل. لهذا قلتُ إن ألوانه هي تعبيريةٌ أيضاً. لقد أهّلت هذه الطريقة التعبيرية ذات الخصوصية الكبيرة الفنان عبيد سرور لإنتاجٍ فنّيّ متميّز في الساحة الإماراتية والخليجية كذلك، وقد فاز الفنان عبيد سرور بجائزة السعفة البرونزية في معرض مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي استضافته دولة الكويت في السابع عشر من شهر ديسمبر عام 2003. بقي أن يعمل الفنان الإماراتي عبيد سرور على تطوير هذه الطريقة التعبيرية التي تميّز بها في حركة الفن في الإمارات، والتي حافظ بها على كثيرٍ من قصص الموروث الإماراتي، وكما قال الفنان عبيد سرور نفسه في لقاء صحفي مع (الاتحاد الثقافي) بتاريخ 10/2/2000: «ذاكرة الوطن تحتاج لمن يحميها».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©