الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن ودواعي الحوار مع بيونج يانج

واشنطن ودواعي الحوار مع بيونج يانج
30 يوليو 2009 03:19
تبرز أمام الولايات المتحدة وكوريا الشمالية فرصة نادرة للانخراط في حوار دبلوماسي مباشر، وهو ما يفرض على إدارة أوباما انتهازها بسرعة وعدم إضاعتها، ففي يوم الاثنين الماضي أصدرت وزارة الخارجية في كوريا الشمالية بياناً تقول فيه «إن هناك شكلاً محدداً من الحوار مع الولايات المتحدة يمكنه معالجة الملف النووي». وجاء البيان عقب تصريحات أخرى أدلى بها نهاية الأسبوع الماضي، «سين سون - هو»، سفير كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة قال فيها إن حكومته «ليست ضد الحوار مع واشنطن»، بحيث يبدو أن تلك التصريحات جاءت رداً على دعوة وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، لكوريا الشمالية بالرجوع إلى طاولة المفاوضات واستئناف الحوار الثنائي بين البلدين. فقد أكدت الوزيرة كلينتون الأسبوع الماضي في تايلاند أنه إذا وافقت كوريا الشمالية على نزع سلاحها النووي بصورة لا رجعة فيها، فإن الولايات المتحدة ستتحرك قدماً لتطرح حزمة جديدة من الحوافز بما تشمل تطبيع العلاقات مع بيونج يانج، لكن كلينتون أوضحت أيضاً في برنامج «ميت دي بريس» على محطة «إن. بي. سي» أن كوريا الشمالية «لن تُكافأ نظير إجراءات ناقصة» لإنهاء برنامجها النووي. غير أن الرغبة التي يبديها الطرفان حتى الآن لاستئناف الحوار دونها العديد من العقبات، فبصراحة لم يعد من الواقعي مطالبة واشنطن لكوريا الشمالية بالتخلي عن التكنولوجيا النووية، والسبب بسيط يتمثل في كون الملف النووي يعد الورقة الوحيدة التي تملكها بيونج يانج؛ لذا لن يكون من السهل التفريط فيها. وفي هذا السياق، يتعين على الولايات المتحدة التخلي عن سياسة النعامة التي تصر بموجبها على رفض القبول بكوريا الشمالية كدولة نووية، ذلك أن أي حل لمعضلة بيونج يانج يبدأ أولًا بالاعتراف بحقيقة أن كوريا الشمالية تملك القدرة على إنتاج أسلحة نووية وستبقى كذلك. وفيما انتهت الحرب الباردة في جميع أنحاء العالم، إلا أنها ظلت مستمرة في شبه الجزيرة الكورية، حيث يبقى ضمان استقرار النظام أوْلى أولويات بيونج يانج، وعندما يتم تصوير النظام على أنه عدواني ويشكل تهديداً للدول المجاورة، ترد كوريا الشمالية بأن أميركا هي من تناصبها العداء وتسعى إلى استفزازها. والحقيقة أن كوريا الشمالية في حاجة إلى البرنامج النووي كورقة للمقايضة، كما أنها في حاجة إلى الطاقة التي توفرها التكنولوجيا النووية، ومن المستبعد أيضاً أن تلجأ بيونج يانج إلى استخدام الأسلحة النووية ضد جيرانها، أو الولايات المتحدة لإدراك القادة الشيوعيين الذين يحكمون البلاد الطابع الانتحاري لمثل هذا التصرف. وبالرجوع إلى المبادرات الدبلوماسية التي أطلقتها أميركا تجاه كوريا الشمالية، سنجد أنها بدأت في التسعينات مع الرئيس بيل كلينتون الذي اعتمد الليونة في سياسته تجاه بيونج يانج، حيث تعهد بتقديم ملايين الدولارات على شكل مساعدات غذائية ونفطية، بل والمساعدة في بناء مفاعليْن نوويين مقابل نزع سلاحها النووي، كما أوفد الرئيس كلينتون وزيرته للخارجية، «مادلين أولبرايت»، للاجتماع بكيم يونج إيل. لكن المشكلة كانت مع الكونجرس الذي لم يصدق أبداً على بناء المفاعليْن النوويين بعدما تبين انتهاك كوريا الشمالية لبعض التزاماتها في الصفقة فغادر بيل كلينتون الرئاسة دون أن يتمكن من حل المعضلة. وعندما جاء جورج بوش سارع إلى إدراج كوريا الشمالية في قائمة دول «محور الشر» وتبنى مقاربة متشددة تجاهها جاءت بنتائج عكسية، إذ معروف أن العقوبات لا تؤثر على حياة النخبة الحاكمة، بل فقط تتسبب في المزيد من المعاناة لأفراد الشعب العاديين، ناهيك عن أن الخطاب المتشدد نادراً ما يساهم في حل مشكلة ما. لكن ذلك لا يعني بالطبع انتفاء الحل، فمن الواضح اليوم أن كيم يونج إيل منشغل باختيار خليفة من بعده، ويبدو أن «كيم يونج أون»، نجله الأصغر والمفضل لديه، هو أوفر المرشحين حظاً لخلافة أبيه، ولو تأكدت صحة ذلك، فإن الأمل سيبقى قائماً في التعامل مع كوريا الشمالية. فكيم الصغير تلقى تعليمه بإحدى مدارس النخبة في سويسرا، ومع أنه كان منغلقاً، إلا أن الجميع يشهدون بعلاقاته الودية مع أقرانه، وخلافاً لأبيه وجده، يملك كيم الصغير تجربة مباشرة في التعامل مع المجتمع الغربي؛ لذا سيكون من الخطأ استبعاد إمكانية إدخال «كيم يونج أون» إصلاحات سياسية واقتصادية إلى كوريا الشمالية بعد تسلمه السلطة. ولنا في الزعيم الصيني «ماو تسي تونج» خير مثال إذ لم يقضِ سوى بضعة أشهر في موسكو ولم يزر الغرب قط ففرض عزلة على الصين وأبعدها عن القوى الغربية في حين أن «دينج كزياوبينج»، الذي درس وعاش في فرنسا عندما كان يافعاً أدخل تعديلات جوهرية على الصين عقب «ماو». وبعد تولي «دينج» السلطة كزعيم للصين في أعقاب الثورة الثقافية رحبت به الولايات المتحدة والدول الغربية، كما استضافه الرئيس جيمي كارتر في البيت الأبيض، وأشاد بمبادراته الاقتصادية الجريئة. وبعد مرور عقدين تقريباً على إقامة الصين وروسيا لعلاقات دبلوماسية مع كوريا الشمالية لم تقم الولايات المتحدة ولا اليابان بتحرك في هذا الاتجاه، فلماذا إذن لا يعمل الرئيس أوباما على مد يده إلى «كيم يونج أون» والسعي في أقرب وقت إلى إقامة علاقة دبلوماسية معه؟ ومن الضروري هنا الإشارة إلى أن ما تحتاجه كوريا الشمالية، المصرة على الاحتفاظ بورقة التكنولوجيا النووية كورقة للتفاوض، ليس بناء مفاعليْن نوويين كما تعهدت أميركا بذلك، بل تريد ضمانات أمنية تُطمئن النظام على مستقبله واعترافاً دولياً من خلال إقامة علاقات دبلوماسية. زيكون زو أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة بوكنيل الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©