الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«زايد والإمارات».. قراءة في شخصية باني الدولة وفلسفة البناء

«زايد والإمارات».. قراءة في شخصية باني الدولة وفلسفة البناء
30 يوليو 2009 03:40
اختلفت المصادر حول ولادة المغفور له الشيخ الرمز زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله»، فمن المؤرخين من قال إنه ولد عام 1918 في قلعة الحصن بمدينة أبوظبي، ونشأ نشأة بدوية أصيلة في كنف قبيلة بني ياس، وكان مقرهم منطقة الظفرة، وبعد طرد البرتغاليين من عمان عام 1924 بنى بنو ياس وحلفاؤهم قوة برية تحت زعامة آل نهيان، أسرة الشيخ زايد. وفي كنف قيّم وأصالة وتحت سقف تاريخ كامل من الإباء والإيمان والعدل ولد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومع ولادته أوقفت النزاعات التي وقعت بين القبائل آنذاك، وعقدت فيما بينها اتفاقيات سلام. ينتمي الشيخ زايد إلى أسرة آل نهيان التي أسست دعائم الحكم في أبوظبي منذ أواخر القرن الثامن عشر، وقد سمي على اسم جده زايد بن خليفة الملقب بـ «زايد الكبير» إجلالاً وتقديراً له وكذلك تيامناً به، وصحَّت رؤية المسمّين حين جدد الشيخ زايد الحفيد أفعال الشيخ زايد الكبير، كما جاء في كتاب «زايد والإمارات.. بناء دولة الاتحاد» للدكتور يوسف محمد المدفعي الصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. لاحظ بعض الدارسين أن الشيخ زايد بن سلطان يشبه جده كثيرا، وفي هذا الصدد يقول سالم بن مسلم بن حم الذي ألف كتاب «رحلتي مع زايد.. حديث الذاكرة»: «إن زايد في كثير من سلوكه وأفعاله يوحي للمقربين إليه أنه على شبه كبير من جده زايد بن خليفة الملقب بـ «زايد الكبير». وفي أساس مبدأ التشابه نجد مجموعة من الخصال التي إذا ما وجدناها متجلية عند الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بفعل معاصرتنا لتاريخ عهده وحكمه، فإننا نجدها بالضرورة في جذوره الأولى التي كونته وزرعت فيه تلك القيم وهي قيم جده «زايد الكبير» حيث يتشابه الشيخان في صفاتهما وطباعهما الشخصية والإنسانية المستمدة من مبادئ الإسلام ومن القيم الإنسانية النبيلة ومن صفات البدوي الأصيل من شجاعة وصبر وتواضع وحلم وحكمة. كيف نظر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للموروث والفلسفة والفكر والدين ولبنية الشخصية المحلية والرياضة التراثية؟ وكيف نظر إلى بنية الخطاب - أخص بذلك الخطاب العربي الملفوظ - الذي تميز بمجموعة من الصفات أهمها، الإقناع والاستشهاد بالنص القرآني والحديث بوصف هذه العناصر ما يهمنا أن نرصدها ثقافياً من خلال الكتاب. من جانب آخر كان الشيخ سلطان والد الشيخ زايد «حكم إمارة أبوظبي من 1922 حتى 1926» قد «وهب نفسه من أجل الإصلاح والخير والعدل بين الجميع» كما قال عنه وجيه أبوذكري في كتابه «زايد عن قرب». لقد ذكر حب الشيخ سلطان لإنعاش الزراعة وأبدى اهتماماً واسعاً بأمور الري وأمر بحفر فلج المويجعي واستغرق العمل به سنتين، أما الحكمة والشجاعة فهما مطبوعان في دمه فأورث أولاده القيم الأصيلة من حكمة وصبر ومبادئ أخلاقية كريمة. الدروس الأولى كانت مجالس قصر الحصن دروساً في شؤون الحياة والأدب والقيم، كما كانت الأم مدرسة في الأصالة، وهذا ما اضطلعت به الشيخة سلامة بنت الشيخ بطي والدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بعد مقتل والده وهو في الثامنة من عمره حيث أدت دوراً كبيراً في هذه الفترة العصيبة. «من صفاتها أنها إذا علمت أن أي إنسان يعيش في ضائقة وحالته غير مرضية كانت تستدعيه وتقدم له كل ما تستطيع من مساعدة، بل وتطلب منه إذا بدت له حاجة أن يبلغها حتى تساعده. وكانت إذا سمعت عن إنسان مريض اهتمت وأرسلت إليه أحداً من الخدم أو الحاشية ليطمئن عليه ويعرف ما يحتاجه من علاج لكي تعده له. ثم أنها كانت تحيطني برعايتها في ذهابي وإيابي»، كما قال عنها الشيخ زايد في حديثه مع وجيه أبو ذكري الذي ورد في كتاب أصول الريادة الحضارية، دراسة في فكر الشيخ زايد لنبيل راغب. نظرته للشعر قبل النصف الثاني من القرن العشرين لم تكن الإمارات العربية تعرف التعليم النظامي وكغيره من أبناء الشعب تعلم الشيخ زايد تعليماً دينياً على يد المطاوعة. وكان دور المعلم في تنشئة أبناء الأسرة الحاكمة لا يقتصر على التعليم المعرفي بل يتعداه إلى التربية والتوجيه.. فكان لعبدالله بن غانم المعلم الأول الذي بث في الشيخ زايد منذ عمر السابعة حتى التاسعة ولمدة سنتين متواصلتين روح الفكر والتفكر وتنمية المدارك. قرأ الشيخ زايد القرآن الكريم وحفظ ما تيسر منه، وتعلم قواعد الشريعة الإسلامية وتفرس في سيرة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) فكانت شخصية محمد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» هي المؤثرة فيه والتي طبعت بصماتها في كيانه وفي سلوكه. ولم يكن الشيخ زايد بعيداً عن التاريخ، إذ اطلع على وقائع تاريخ العرب وأمجادهم، وكان ما يسمعه في مجالس كبار السن في قصر الحصن يعتبر مدرسة في التعلم والمعرفة حيث كان الشعر والأدب نبراسه الثقافي حين شكلا رؤيته فحفظ الأشعار القديمة لأبي تمام والمتنبي، وكان يؤمن بأهمية الشعر وبدوره في الارتقاء بالنفس. أولى الشعراء مكانة كبيرة فيما بعد في مجالسه وحرص على تشجيعهم، إذ لا تمر مناسبة من المناسبات الدينية أو الوطنية إلا ويحتفى بها عبر الشعر، وقد نظم الشيخ زايد أيضاً الشعر النبطي، وكانت أفعاله في تشجيع القول مدعاة لفخر واعتزاز كبيرين، وهو أول من أطلق الجوائز تقديراً للشعر ولقائليه وتحفيزاً للشباب على تذوق التراث الأدبي. ويرى الدكتور يوسف محمد المدفعي أن قدرات الشيخ زايد الإبداعية وامتلاكه ناصية الشعر النبطي على غرار أجداده قد حفزت الكثيرين على البحث عن مواطن التراث فهو «شاعر مكثر وكثيراً ما تصدرت قصائده الجرائد والمجلات، وكثيراً ما دارت بينه وبين شعراء من أرجاء الدولة مساجلات شعرية ومخاطبات وردود، وهو علاوة على ذلك محب للشعر والشعراء، يستمع إليهم ويتذوق أشعارهم ويوجههم ويبذل لهم تشجيعاً واعجاباً» كما يقول غسان الحسن في كتابه الشعر النبطي في منطقة الخليج والجزيرة العربية. الخزين التراثي نظر الشيخ زايد إلى القبيلة كونها مستودع التراث، وإلى الثقافة والأدب والسلوك والحكم والسياسة كونها حاملة للتراث. كان مناخ المجالس التي يحضرها الشيخ زايد المحفز لتبادل الأفكار والتشاور وبذلك آمن بالرأي الآخر، وبالحوار المثمر مع الأخوة، وبالصراحة التي هي جوهر الحوار مع الآخر وأساس الانفتاح عليه. وحرص الشيخ زايد على استمرار التراث ورعايته والحفاظ عليه، ومن أهم إنجازات قيادته حملة تنقيب، تابعها شخصياً منذ عام 1959 من موقع جزيرة أم النار التي تم فيها اكتشاف حضارة مجهولة من العصر البرونزي. وفي سنة 1992 بعد أن أسس جمعية المسح الأثري لجزر أبوظبي «أدياس» تم اكتشاف معبد يعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام، وذلك في جزيرة صير بني ياس، كما يقول المدفعي. واتخذ اهتمام الشيخ زايد بكل الحقول التراثية مستوى متوازناً فلم يهتم بحقل موروثي دون آخر، إذ كان لترميم الشواهد والمباني التراثية من قلاع وحصون جانب مهم من اهتماماته، وظل قصر الحصن بوصفه رمزاً تاريخياً وليس مقراً لحكم آل نهيان موضع اهتمامه حيث وجد في الحصن رمزاً وتجسيداً لفن العمارة القديمة المتفردة في أبوظبي. فلسفة الجوار بعد أن أعلنت بريطانيا انسحابها من المنطقة ازدادت أطماع إيران، واستغل الشاه محمد رضا الفرصة ليعلن عن طموحاته وتهديداته لحكام الإمارات. بدأ الشاه بتوسيع النفوذ تجارياً واقتصادياً، محاولاً امتلاك شط العرب على حساب الحق العراقي. وقد نسفت إيران بذلك الاتفاقيات السابقة في هذا الشأن من معاهدة 1847 إلى غاية معاهدة 1937. في البدء طالبت بالبحرين ففشلت تلك الدعوة ثم طالبت بالجزر العربية الثلاث (أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) وجميعها تعود إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. فقد أرادت أميركا وبريطانيا تقوية الشاه - بحسب المدفعي - لمحاصرة المد السوفياتي، فاستغل الفرصة التي كانت مبيتة منذ زمن والده للاستحواذ على الجزر الثلاث. يناقش المدفعي وبموضوعية عالية مكامن الانسحاب البريطاني والقوى الإقليمية التي كانت تريد الاستحواذ على المناطق الجديدة الغنية في الخليج، ومن هذا المنطلق يتوجه المدفعي لقراءة فلسفة الشيخ زايد في حوار الآخر والجوار ومحاولته الدؤوبة في بناء الشخصية الإماراتية بأسرع ما يمكن لكي تأخذ مكانتها كقوة جديدة تضارع القوى الإقليمية بل تحاورها بشكل خلاق، وبالفعل تغلب الشيخ زايد على هذه المحن عبر بناء المنظومة الداخلية للدولة بعيداً عن التفكك والتفرقة من خلال التشبث بالتراث والموروث لتحصين الشخصية الإماراتية التي بدأت تمتلك فلسفتها القائمة على العدل والمساواة واحترام الآخر. صاحب الحجج كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد عرف ملياً أن الحجج أصبحت ضرورة في الخطاب السياسي والاجتماعي وأن أعلى مراتب الحجج ما يؤتى به من القرآن الكريم حيث وظف الآيات القرآنية ليوضح من خلالها قيمة الاتحاد الذي دعا إليه واستطاع أن ينشئه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وكذلك من الحديث النبوي: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). ( إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً). فلسفة البناء لا يقصد الشيخ زايد عبر منهجه الفلسفي بمفهوم البناء بناء الحجر بل كان ما يريده بناء الإنسان وهو البناء الأصعب والأمثل والأروع باعتباره كائناً واعياً بوجوده وعاملاً في المجتمع حيث قال: «إن الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال، وليس المال والنفط.. ولا فائدة في المال إذ لم يسخر لخدمة الشعب». كان الشيخ زايد قد أقدم على خطوة بناء الإنسان وفق مبادئ الإسلام حيث تعلم من الإسلام احترام الإنسان كقيمة في حد ذاته. واعتبر «رحمه الله» السيرة النبوية عطراً وقدوة تنير منهجه الفلسفي في قيادة الإنسان نحو التحضر والتمدن، فحين كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يلتقي بالناس ويزورهم ويستطلع أحوالهم ويتكلم معهم أصبح هذا النهج طريقاً اقتدى به الشيخ زايد الذي قال: «... ونحن لسنا ملائكة ولسنا بأنبياء، فلماذا لا نفتح للجميع الأبواب ونلتقي بالجميع». ولأنه يبني الإنسان فإن عاطفة الأبوة - كما يقول المدفعي في كتابه - عند الشيخ زايد واحدة لا تتجزأ، فما كان يكنه لأولاده في أسرته الخاصة كان يكنه لأبناء شعبه كافة، وما وفره لأولاده وفره لأبناء الإمارات، وليس بغريب أن يطلق عليه شعبه صفة «الوالد» وقد عبر عن ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عندما بدأ رثاءه للشيخ زايد بقوله «إلى والدي وقائدي ومعلمي». فلسفة التعليم عرض على الشيخ زايد تخصيص مدرسة لأبنائه وأبناء الشيوخ وكبار الشخصيات فسأل الشيخ زايد صاحب العرض: لماذا؟ فجاء جوابه تعداداً لمزايا هذه المدرسة وما توفره لأبنائه من مستوى علمي مجهز بأحدث الأجهزة والأساليب وبأساتذة أكفاء، فكان رد الشيخ زايد: «هل تريد أن تعزل أبنائي وأبناء المسؤولين عن أبناء الشعب؟ ولماذا لا يتجه تفكيرنا لكي تكون جميع المدارس مزودة بأفضل الإمكانيات وأحسن الخبرات، إنني أريد أن يتعلم أولادي في نفس المدارس العامة التي يتعلم فيها جميع الصغار». أولى الشيخ زايد المرأة اهتماماً خاصا لإيمانه بأن التغيرات الاجتماعية لا يمكن أن تحدث دون مواكبة المرأة للنهضة الشاملة، وقد شبه الشيخ زايد الرجل بالشجرة والمرأة بالماء. فبدون ماء لا يمكن للشجرة أن تنمو كذلك الرجل لا يمكن أن يبني حياته بمعزل عن المرأة، إنها الأم، والأخت والمربية وركيزة المجتمع. كان الشيخ زايد مقتنعاً بأهمية تعليم الفتاة ليزداد وعيها وتعرف حقوقها، وقد بينت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك حرم الشيخ زايد «رحمه الله» أهمية تعليم المرأة في فلسفة الشيخ زايد ومما تعلمته من أفكار القائد والمؤسس لنهضة الإمارات الحديثة بقولها: «إن التعليم هو النافذة التي تطل منها المرأة على حضارة الأمم وهو وسيلتنا لمواكبة مسيرة التطور والتقدم، واستمرار النهوض بمجتمعنا، هكذا تعلمنا من زايد الخير طيب الله ثراه». لم تكن بدولة الإمارات قبل 1955 أية مدرسة للبنات، حيث افتتحت أول مدرسة في 1956، وكانت تضم ثلاثين تلميذة في فصل واحد تتولى تعليمهن معلمة واحدة، وفي 1970 بلغ عدد هذه المدارس 26 تضم 8564 تلميذة و430 معلمة. وما أن تم الإعلان عن الاتحاد حتى تزايد عدد مدارس البنات وعدد التلميذات بشكل مطرد، وذلك بحرص من الشيخ زايد إلى أن تجاوز عدد التلميذات عدد التلاميذ الذكور، حيث وصل عدد التلميذات إلى 141467 عام 2006، موزعة على 329 مدرسة، بينما بلغ عدد التلاميذ الذكور في نفس السنة 133273 في 309 مدارس. وبلغت نسبة البنات الملتحقات بالتعليم الأساسي في 1998، 81 في المئة. وتعد الإمارات العربية المتحدة من الدول القلائل التي فاقت نسبة النساء غير الأميات نسبة الذكور غير الأميين، وذلك في الفئة العمرية المتراوحة بين 15 و24 سنة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©