الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشعر والخسّة

الشعر والخسّة
30 يوليو 2009 03:42
كان في أول أمره فقيرا مدقعا وهو من الشعراء الذين حطّوا من قدر الشعر، إذ كثيرا ما اضطرّته الحاجة وندرة القوت إلى مدح «أصحاب البصل والباذنجان» بالقرب من الجامع الأموي هكذا يحدث ابن خلكان عن البحتري في كتاب «وفيات الأعيان وأنباء أهل الزمان». والناظر في المتون التي حدّثت عن سلوك البحتري وطبعه وأخلاقه سرعان ما يلاحظ أنها ترسم له صورة محاطة بالمعرّات والصفات المشينة، إذ يجمع المؤرّخون على أن البحتري كان شاعرا متكسّبا غلب عليه حبّ المال فأفقده الخصال الحميدة كلّها. يذكر الأصبهاني في «الأغاني» وعبد الرحيم العباسي في كتاب «معاهد التنصيص على شواهد التلخيص» أن البحتري كان «من أوسخ خلق الله ثوبا وآلة وأبخلهم على كلّ شيء وكان له أخٌ وغلامٌ معه في داره فكان يقتلهما جوعا فإذا بلغ منهما الجوع أتياهُ يبكيان فيرمي إليهما بثمن أقواتهما مُضيِّقا مُقتّرا ويقول كُلا أجاع الله أكبادكما وأطال إجهادكما». ويتوسع الأصبهاني في الإلحاح على أن الحرص على المال دفع بالبحتري إلى إعمال الحيلة والاتجار بغلام رومي كان يعشقه «وكان قد جعله باباً من أبواب الحيل على الناس، فكان يبيعه ويعتمد أن يصيره إلى ملك بعض أهل المروءات ومن ينفق عنده الأدب، فإذا حصل في ملكه شبّب به، وتشوّقه، ومدح مولاه، حتى يهبه له، فلم يزل ذلك دأبه حتى مات نسيم، فكفي الناس أمره.» تجمع المتون القديمة أيضا على أن البحتري كان أنموذجا للشاعر المتكسّب الذي غلب عليه حبّ المال وجرّأ عليه ممدوحيه فكانوا كثيرا ما يعدّونه مهرّجا يعبثون به ويعابثونه على مرأى ومسمع من الناس. يذكر كلّ من الأصبهاني وياقوت الحموي وصلاح الدين الصفدي وعبد الرحيم العباسي أن الخليفة المتوكّل كثيرا ما كان يعابث البحتري ويتّخذ منه موضوعا للتفكّه والتندّر. وهم يجمعون أيضا على أن البحتري كان «من أبغض الناس إنشادا يتشادق ويتزاور في مشيه مرّة جانبا، ومرّة القهقرى، ويهزّ رأسه مرة، ومنكبيه أخرى، ويشير بكمّه ويقف عند كلّ بيت ويقول أحسنت والله، ثم يقبل على المستمعين فيقول مالكم لا تقولون أحسنت هذا والله ما لا يحسن أحد أن يقول مثله.» لقد تعدّدت الأخبار التي تشير إلى أن البحتري شاعر عُدِم الفضائلَ كلّها. وقع الإلحاح مثلا على أنه كان حسودا لا يتورّع حتى من إحراق نصوص غيره كي يخمد ذكرهم ويجعلهم نسيا منسيا. يكتب يوسف البديعي في «الصبح المنبي عن حيثيّة المتنبّي»: «وذكر القاضي أبو الحسن الجرجاني أن البحتري على ما بلغه أحرق خمسمائة ديوان للشعراء في أيّامه حسدا لهم لئلاّ تشتهر أشعارهم، وتنشر محاسنهم وأخبارهم.» كل هذه المعرات لم تمنع النقاد العرب القدامى من تصنيف البحتري شاعرا مجيدا. حتى لكأنهم تلفتوا إلى الشعر فمجدوه وحدثوا عن خسة قائله فأدانوه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©