الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
30 يوليو 2009 03:44
من أفظع النظريات في نشوء الأمم، واحدة تنتمي إلى شرقنا، شرق المتوسط. تمنح تلك النظرية المناخ (الطقس) دوراً حاسماً في تشكيل الرابطة القومية. فالمناخ، بحسب النظرية العتيدة يشبه المفاعل النووي الذي ينصهر بداخله مزاج البشر، وتتوحد أطباعهم، وتتماثل غاياتهم، وتتشابه أنماطهم النفسية وأشكالهم الفيزيولوجية. وكان المؤمنون بتلك النظرية ينافحون عنها بضراوة ضد أي مثال يقدم اليهم، كأن يقال مثلاً: هل يجعل التشابه المناخي بين جزر هاواي وبعض أقاليم حوض البحر الأبيض المتوسط منها أمة واحدة؟ وهل المناخ الجاف في صحراء الجزيرة العربية يدخله في وحدة قومية مع صحراء نيفادا الأميركية؟ وقد يكون من حسن الطالع أن أصحاب تلك النظرية قد تخلوا عن إيمانهم العقائدي بها، قبل حدوث ثقب الأوزون، وما سببه من اضطراب في مناخ الكرة الأرضية، وارتفاع درجات حرارة الأرض، وازدياد مساحات التصحر.. وإلا فإنهم كانوا مطالبين بمهمة قومية عاجلة، تتمثل في سدّ ذلك الثقب الأرعن، قبل أن يتسع الخرق على الراتق، وحتى لا تتلاشى العقيدة القومية على مذبح شهوات الطبيعة. متأخراً أكثر من ربع قرن، كدت أؤمن بمفاعيل تلك النظرية. فالقادم من صيف أبوظبي إلى ما يشبه صيف لندن، لا بد أن يقع أسيراً لإغواء المناخ المتقلب. أربعة فصول في يوم واحد. تتسلح بكل المعلومات والمعدات الطقسية قبل أن تغادر لبعض شؤونك. فهل يعني ذلك أن «الأمة البريطانية» تحتوي بين ضلوعها على أمم متنوعة بحسب التنوع المناخي في ربوعها؟ تختلف الجزيرة الإنجليزية عن بقية أقطار أوروبا في التعامل مع الأقوام والجاليات التي تعيش بين ظهرانيها. اكتسب البريطانيون من تاريخهم الاستعماري القديم دراية فائقة في التعامل مع الشعوب. بدلاً من عملية السلخ والاستلاب التي يمارسها الفرنسيون أو الألمان أو الإيطاليون، لجأوا هم إلى مبدأ الامتصاص. كل ثقافة أجنبية، كل نوع من الموسيقى، كل لون من الطعام، هو إضافة إلى ثقافتهم.. ولكن بشروطهم. هكذا فعلت ملكتهم فيكتوريا مع مئات الألوف من العمال الهنود الذين استقدموا لشق أنفاق المترو وإقامة البنية التحتية للندن والمدن البريطانية. كان أولئك المتعبون يلجأون في وقت راحتهم الى احتساء مشروب ساخن، أسود، مرّ، يساعدهم على تحمل مزيد من العناء. تذوقت الملكة المشروب، فلم تستسغ طعمه ولا لونه. أضافت إليه قليلاً من الحليب، وقليلاً من السكر، فأصبح لونه وطعمه جديراً بحمل الهوية الإنجليزية. وبتحميله بطقوس من العادات الأرستقراطية، سيصبح رمزاً وطنياً: إنه شاي الساعة الخامسة الشهير. وفي الوقت الذي كان فيه المهاتما غاندي يقاوم الاستعمار البريطاني في بلاده بسلاح جبار: الصيام والاعتصام، كان بنو جلدته يصيغون حياتهم في ربوع صاحبة الجلالة وفق معاييرهم الثقافية، ولكن لكي يكونوا بريطانيين ناجزين. وستفعل مثلهم، فيما بعد، عشرات الجاليات الأخرى، خصوصاً من المستعمرات السابقة ودول العالم الثالث. مئات الألوف من الباحثين عن العلم والعمل والحالمين واللاجئين، سيكونون رعايا مخلصين لتاج ويندسور، دون أن ينبتّ حبل جذورهم. لكن اشتراطات الاتحاد الأوروبي ستورث، مع مطلع الألفية الثالثة، وهناً لشروط الامتصاص الإنجليزي. عشرات الألوف من أوروبا الشرقية، بولنديون وجيرانهم، سوف يأتون إلى الجزيرة البريطانية حاملين تمردهم ونزقهم وفوضاهم وأعباءهم، وأكاد أقول، مناخهم الذي يجعلهم أمة داخل الأمة. عادل علي adelk58@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©