الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بورخيس يكشف عورات الترجمة في «مترجمو ألف ليلة وليلة»

بورخيس يكشف عورات الترجمة في «مترجمو ألف ليلة وليلة»
30 يوليو 2009 03:44
ألف ليلة وليلة كتابٌ ذو شجُون.. وسمرّ شعبيّ فيه أسماء يتناقلها الروّاة وتستمع إليها الآذان بلغة عربية قريبة من اللهجة الشعبيّة..»يتخللها شعرٌ مصنُوع في نحو 1420 مقطوعة». وكتابُ ألف ليلة وليلة المعروف هو: سِفْرٌ تاريخيّ وفلسفي يعكس بصدقٍ وأمانة، الملامح الاجتماعية والسياسيّة والاقتصادية والثقافيّة والعسكريّة للمجتمع الشرقيّ ولمجتمعنا العربيّ والإسلاميّ بخاصّة خلال القرون الوسيطة. وبنفس ذلكُم التحديد نجدُ أنّ للحكايات هذهِ «صوراً تاريخيّة صادقة لحياة المجتمع الشرقيّ في القرون الوسطى، وما كان عليه أصلُ هذا المجتمع مِن طبائع وعادات وأخيلة وأفكار». وحكايات الليالي العربيّة تُصوِّرُ للقارئ «حياة البَلاط والطبقّات الحاكِمَة.. والتجّار المُترَفِيْنَ، وما هم عليهِ مِن أُبَهّةٍ وبَذْخٍ وَرَفَاهٍ.. يغُوص في أعماقها وكيف يحكُمُون؟». وقارئ هذه الحكايات الساحرة بلياليها سيجدُها «بعيدةً في لُغتها ومضامينِِ حكاياتِها عن القصص الأرستقراطيّ المُتَرْجَم والمُؤلَف بلغةٍ أدبيّةٍ راقيّة وهذا سِرُّ جَمَالٍ وخُلُودِ ألفِ ليلةٍ وليلةٍ..». إذن قصص ألف ليلة تُمثِّل لدارسها ومُطالِعها بيئاتٍ شتّى خياليّة وواقعيّة، وأكثر البيئات الواقعيّة بروزاً مِصْرَ ثم العراق وسوريّة، وقد عاشت حكاياتنا العربيّة هذه قُروناً مُتتاليّة يتحكّم فيها ذوقُ السّامعينَ فلا يجِدُ هذا التحكُّم مِنَ القّاصِ أقلّ حَرجٍ مِن التلاعُبِ بالأصلِ بأقصى ما يُمكن أن يَكون التَلاعب. ولقد ساعدت على هذا طبيعة الأثَرِ نفسهِ.. كان القَصدُ مِن كِتابتِها تَسليّة العّامة شِفَاهاً وتَسْمِيعاً. 3 ترجمان في العدد الصادر خلال يوليو الجاري، نقرأ كتيب المجلة العربيّة الشهريّ الموسوم «مترجمو ألف ليلة وليلة» لمؤلفه الكاتب الأرجنتيني الشهير خورخي لويس بورخيس، وترجمته الناقدة والمترجمة اللبنانيّة سيلفانا الخوري. وفيه تناول المؤلف ثلاثة مُترجمين حاولوا ترجمة كتاب السمر العربيّّ الأول ألف ليلة وليلة، وأولهم» القنصل الإنجليزي الكابتن ريتشارد فرانسيس برتون،صاحب الترجمة الشهيرة لـ«كتاب ألف ليلة وليلة». وكان أحد الأهداف غير المُعلنة كما يقول بورخيس هو اعتزامه تدمير نبيل آخر مثله، ذي لحية مغربيّة قاتمة، ومثله مُسمرّ البشرة ملوّحها، كان في الأثناء ذاتها يقوم في إنجلترا بإعداد قاموس ضخم. إلاّ أنّه سيموت قبل أن يقضي عليه برتون.. إنّه أدوارد لاين صاحب ترجمة بالغة الدقة لـ«ألف ليلة وليلة» تمكّنت من الاستئثار بالمكانة التي تحظى بها الترجمة الفرنسيّة لأنطوان غالان. وكان لاين يترجم ضدّ غالان، وبرتون ضدّ لاين، ولفهم برتون، ينبغي فهم سلالة الأعداء هذه. ترجمة غالان.. الأسوأ! سرد المؤلف جوانب من سير الكتّاب - المترجمين - بعدها أوضح بورخيس بأنّ ترجمة غالان هي الأسوأ كتابة والأقل أمانة والأكثر ضعفاً بين كلّ ترجمات الليالي العربيّة، ومع ذلك فقد كانت هي التي قُرِئَت أكثر!. وبعد مرور تسعين عاماً على وفاة غالان وُلِدَ مُترجمٌ لـ» ألف ليلة وليلة» مُختلف تماماً عن سابقيه: إنّه أدوارد لاين،الذي تعلم لاين اللغة العربية، وأمضى خمس سنوات دراسيّة في القاهرة، مختلطاً بالمسلمين دون سواهم تقريباً يتكلم لغتهم ويفهمها ويتمثل عاداتهم بالكامل، واستقبلوه هُم كما لو كان واحداً منهم. ومع ذلك فلا الليالي المصريّة الباذخة، ولا القهوة السوداء الكثيفة بحبوب الهيل، ولا النقاشات الأدبيّة المتواترة مع رجال الدين، ولا العمامة الوقورة من القماش المَوْصِليِّ، ولا تناول الطعام بالأصابع، لا شيء من هذا كان سيُنسيه خفره البريطانيّ، تلك العُزلة المُرهفة الضروريّة لأسياد العالم. وهذا ما يفسِّر أنّ صيغته المُتبحرّة لـ» الليالي» هي مجرد موسوعة للهروب الخياليّ، أو على الأقل تبدو كذلك. أما عن نصّ ترجمة غالان لألف ليلة وليلة وأسلوبه في ترجمتها فيحكي عنها المؤلف: «إنّ النصّ الأصلي ليس فاحشاً بصورة منتظمة. وبالمناسبة كان غالان يُصحح الفاحش لاعتقاده بأنّه ينمُّ عن ذوقٍ سيئ، في حين كان يبحثُ عن هذا النوع من الألفاظ والتعابير ويلاحقها بلا هوادة، وإن لم تكن نزاهته تسمحُ لهُ بالسكوت عنها تماماً، آثر المترجم أن يدخل بحروف صغيرة مُتراصّة جمهرة قِلقة من الحواشي التي تهمسُ باعترافات من هذا النوع». بعدها اختار بورخيس نماذج من ترجمات غالان ليدلل عليها بأسلوب نقديّ ما كان يفعله بترجمة الليالي العربيّة. وتحدث بورخيس عن الشاعر والناقد والمترجم الإسبانيّ رافاييل كانسينوس أسينس، بأنّه كان قادراً على إلقاء التحيّة على النجوم بأربع عشرة لغة قديمة وحديثة. بينما كان برتون يروي أحلامه بسبع عشرة لغة، ويُقال إنّهُ كان يتحدثُ بطلاقة خمساً وثلاثين لُغة ساميّة وهنديّة قديمة وهنديّة- أوروبيّة وإثيوبيّة... ولا تتوقف مقدراته عند هذا الحدّ. ويعترف المترجم الأخير ليتمان، بأنّه أضاف كلمات مثل: سأل، استفسرَ، أجابَ، على امتداد الصفحات الخمسة آلاف التي لا تعرف فعلاً آخر إلاّ قال «المستخدم دوماً». ويجزلُ برتون بحبّ هذا النوع من البدائل، ومفرداته لا تقلّ تنوعاً عن ملاحظاته، حيث يتجاوز التراكيب القديمة مع المحكيّة، ورطانة البحّارة والمساجين مع التعابير التقنيّة. ويشير المؤلف بأنّ برتون قد دسّ هذه العيوب المُرحب بها، إذ تأتي هذه الكلمات أو الجُمل الغربيّة غير الإنجليزيّة لتزيِّن إيقاع الليالي الرتيب أحياناً. ماردروس.. الأكثر أمانة إثر الكابتن برتون أولاً أشار خورخي بورخيس للدكتور ماردروس، الذي يرى أنّ قدره لمفارق حقاً. فقد مُنِح اللقب المعنويّ، لقب المُترجم الأكثر أمانة لـ» الف ليلة وليلة»، هذا الكتاب الذي يمتاز بإيروسيّة مُذهلة حُرِم منها مُشتروه بسبب تهذيب غالان وطهرانيّة لاين الجَهِمَة. ولطالما أُجِلّت دقته العبقريّة والمُتناهية التي يدلّ عليها هذا العنوان الثانويّ الحاسم: طبعة حرفيّة وكاملة للنصّ العربيّّّّّّّّّّّّّّّّّّ». يقول المؤلف: يصفّ المسعودي في «مروج الذهب ومعادن الجوهر» مجموعة قصصية بعنوان «هزار أفسانه» وهي كلمات فارسيّة تعني تحديداً «ألف مغامرة» إلاّ أنّ الناس حولوها إلى «ألف ليلة»، ثم يُعرّج لذكر نماذج مختارة من الليالي العربية، ومنها قوله عن ترجمة الدكتور ماردروس: لم يكن ماردروس يكفّ عن الاندهاش من فقر «اللون المحليّّّّّ» لـ «ألف ليلة وليلة». وفي أسلوب مثابر جدير بالمُخرج السينمائيّ سيسيل ب. دو ميل كان يجزل توزيع الوزراء والقُبلات وأشجار النخيل وأشعة القمر. ختم خورخي بورخيس حديثه عن مترجمي ألف ليلة وليلة بالمُترجم الثالث «إنّو ليتمان» الذي فكّ رموز الكتابات الإثيوبيّة المحفورة في قلعة «أكسوم». ولعلّ الترجمة الأولى بأجزائها الأربعة» 1839-1842م لكتاب ألف ليلة وليلة هي الأكثر إمتاعاً: يحرصُ واضعُها الذي غادر أفريقيّا وروسيّا هرباً من مرض الزُّحّار على احترام الأسلوب الشرقيّ وحتى على إغنائه: إنّ استطرادات فايل لجديرة بكامل احترامي على حدّ قول المؤلف. فهو يضعُ على لسان أشخاص يصِلُون غرّة إلى اجتماع عبارة من نوع: «لا نريد أن نبدو مثل المصباح الذي يُفرّق الأفراح». كما تناول خوريس بالنقد والتحليل ترجمات الألمان الآخرين مُبيناً نماذج من نصوص ترجماتهم لألف ليلة وليلة، حيث قال عن المُترجم إنّو ليتمان الذي قام بترجمة الليالي العربيّة خلال الأعوام من 1923-1928م، والتي تتألف من ستة أجزاء: «سار ليتمان على غرار المُترجمين برتون وجون لاين، في ترجمة الأبيات العربيّة مُستخدماً الأبيات الغربيّة، مُشيراً بسذاجة إلى أنّ القارئ سيربكه أن يقرأ مقطعاً نثرياً بعد التنبيه المُعتاد: «فلان قال هذه الأبيات». ومن جهة أخرى يُقدّم المترجم في ترجمته لليالي العربيّة الحواشي الضروريّة لحُسن فهم النصّ: حوالى عشرين حاشيّة في كلّ جزء وكلّها مُقتضبة. وإنّ ترجمة إنّو ليتمان هي على الدوام واعيّة وقابلة للقراءة وعاديّة. ويُقال لنا إنّه يتبع في ذلك إيقاعُ العربيّة نفسها، وإذا صَحّ رأيّ «الموسوعة البريطانيّة» فإنّ ترجمته هي الأفضل بين كلّ الترجمات المُتداولة، وهذا على رأيّ المُستعربين. ? الكتاب: مترجمو ألف ليلة وليلة ? المؤلف: خورخي لويس بورخيس ? الترجمة: سيلفانا الخوري ? الناشر: المجلة العربية - السعودية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©