الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الفرح».. واقع فقير وصورة ثرية محمولة على سويَّة فنية عالية

«الفرح».. واقع فقير وصورة ثرية محمولة على سويَّة فنية عالية
30 يوليو 2009 03:45
سجل السيناريست احمد عبدالله والمخرج سامح عبدالعزيز والمنتج احمد السبكي هدفهم السينمائي الثاني ببراعة من خلال تجربتهم الجديدة في فيلم «الفرح»، بطولة خالد الصاوي وجومانة مراد وياسر جلال ودنيا سمير غانم وحسن حسني ومي كساب وكريمة مختار وروجينا وسوسن بدر وماجد الكدواني ومحمود الجندي وسليمان عيد وصلاح عبدالله ومحمد متولي. ويطرح الفيلم صورة سينمائية واقعية لمجتمع عشوائي فقد افراده توازنهم تحت سطوة الفقر وجبروته.. فقد صبغ الفقر الملامح والنفوس ولم يترك لهذه النماذج لحظة فرح حقيقية أو مصطنعة واغتال حتى الرغبات المشروعة في الحزن. تبدأ الاحداث من فضاء القاهرة الواسع وتهبط بنا الكاميرا على صورة كبيرة لاحد الاحياء العشوائية وتغوص في الدروب والحارات لندخل منزل المعلم «زينهم» (الفنان خالد الصاوي) ونرى الترتيبات التي تتم استعداداً للفرح الكبير الذي يشارك فيه اهالي الحي. النساء يتجمعن ويشاركن في صنع الكعك والبسكويت ووالدة «زينهم» (كريمة مختار) تتابع عملهن بينما الزوجة «روجينا» مشغولة باعداد الافطار لزوجها، ثم يتضح أن «الفرح» ما هو الا خدعة لجأ اليها «زينهم» للحصول على «النقطة» من اهالي الحي بعد أن شاركهم في أفراحهم. وقد دفعه إلى هذه الحيلة رغبته في شراء سيارة «ميكروباص» يتجاوز بها ظروفه وقسوة الأيام. لذلك اتفق مع المعلم «حبشي» (محمود الجندي) على الترتيب للفرح وجمع أموال «النقوط» ولكي يكون الفرح كبيراً لابد من راقصة ودعوة كل المعارف. اتفق «زينهم» مع احد مساعديه «هلهول» (سليمان عيد) على استئجار عريس وعروس ليجلسا في الكوشة امام الناس. وأبلغ الجميع بأن العروس هي شقيقته. كما اتفق مع احدى محال «الموبيليا» على تأجير بعض قطع الاثاث ليتم وضعها في سيارة نقل مكشوفة تدخل الحي ليعرف الجميع انه جهاز العروس. على الجانب الآخر نرى «جميلة» (جومانة مراد) في حي عشوائي آخر وقد بدأ اهالي الحي يسخرون منها بألفاظ تجرح كرامة والدها واسرتها لأن خطبتها استمرت 7 سنوات. وبعد مشاجرة بين والدتها وبعض نساء الحي يتدخل خطيبها «عبد الله» (ياسر جلال) ويفاجأ بإصرار والدها «سعيد طرابيك» على ان يكون الزفاف في اليوم التالي ليرفع رأسه امام الجميع، وذلك بعد ان يسأله عدة مرات هل لمس ابنته ويقسم «عبدالله» بأن ذلك لم يحدث، ويعلن الأب أن الفرح غداً. تصاب «جميلة» بانهيار وتبكي وتسأل «عبد الله» عن كيفية الخروج من تلك الورطة فيقول لها انه سيدبر الأمر. ويقوم هو الآخر بالاتفاق مع أحد معارفه على الحصول على مبلغ مقابل تمثيل دور عريس وعروس في احد الافراح وبهذا المبلغ يمكنه التخلص من المشكلة وإصلاح كل شي. وبالفعل ترتدي «جميلة» فستان الزفاف وتذهب مع «عبد الله» الى الفرح ويجلسان أمام الجميع. اما المعلم «زينهم» فقد اتفق مع احد المصورين «علاء مرسي» على ان يهتم فقط بتصوير «نوبتجي» الفرح الفنان ماجد الكدواني والذي يتولى جمع «النقوط» واستدعاء الضيوف واحداً تلو الآخر لتكون الصورة مستنداً رسمياً للمبالغ التي يتم جمعها. ومن الشخصيات الجميلة والمثيرة التي تشارك في الفرح «سميرة بيرة» (دنيا سمير غانم) التي تتولى توزيع زجاجات البيرة والمشروبات الغازية على المدعوين. وهي فتاة اختارت ان تخفي انوثتها في ملابس ومظهر رجالي، وتحيط شعرها بعمامة وتحمل المطواة لتهدد بها من يحاول مضايقتها، لكنها سرعان ما تضعف امام كلمات المعلم «حسن» (باسم سمرة) والذي يشعرها بأنوثتها لأول مرة وتبادله نظرات الاعجاب بينما هو يراهن اصدقاءه على استسلامها له، وبالفعل يقرر مطاردتها والاعتداء عليها لكنها ترفض وأمام أسلوبه الوحشي لا تجد سوى المطواة لتدافع بها عن نفسها في مشهد مليء بالمشاعر المتناقضة. ويشارك في الفرح المنولوجست «ابراهيم وردة» (صلاح عبدالله) الذي كان مطرباً مشهوراً ثم تغير الحال ولم يعد يجد من يطلبه في الافراح ، وعندما بدأ يغني في الحقل سخر منه الجميع وطالبه «زينهم» بأن ينهي فقرته مؤكداً له حصوله على أجره كاملاً. وعندما تصعد الراقصة لتستبدل ملابسها في منزل المعلم «زينهم» تنشب بينها وبين والدة «زينهم» الفنانة كريمة مختار مشاجرة خاصة ان الأم ترفض من البداية ان تكون في الفرح راقصة، وتطرد الراقصة «شمس» وبسرعة يضطر مساعد «زينهم» لاحضار راقصة بديلة ولا يجد سوى سوسن بدر التي تبدو عليها ملامح الزمن ومرة أخرى. تنصحها «أم زينهم» بعدم الرقص وتمنحها نفس المبلغ الذي اتفقت على تقاضيه. فجأة تموت «أم زينهم» وتسرع الزوجة لابلاغه، ويجد نفسه أمام جثمان والدته بينما أصوات الفرح تصدح في الخارج، ويقف الجميع ضد اعلان خبر الوفاة حتى ينتهي «الفرح» ويحصل «زينهم» على ما يريده من أموال. ويضطر لمواصلة الدور الذي يؤديه ولكن أحد المحتالين يقرر الاستيلاء على الحقيبة التي جمع فيها صبيان المعلم «زينهم» النقود بعد ان قاموا باعطاء المصور كميات كبيرة من المخدرات. وهكذا ينتهي «الفرح» بلا أي فائدة ويجلس «زينهم» يبكي والدته وخسارته لأمواله وأحلامه، متمنياً لو أنه لم يستمع لمن حوله بحجب خبر وفاة والدته. كذلك يقرر «عبدالله» و»جميلة» الهرب والزواج بعيداً عن الأهل بعد أن حاول الطبيب استغلال الموقف. وهكذا وضع صناع الفيلم نهايتين مختلفتين للفيلم الأولى واقعية فرضتها قسوة الظروف والفقر الذي يحرك الجميع، والثانية مثالية تسمح للانسان ان يعبر عن آلامه ومشاعره بحرية وكأن هؤلاء البشر حرموا من الفرح أو حتى الحزن. قدم السيناريو صورة شديدة الصدق والثراء لعالم المهمشين والمقهورين ورغم براعة السيناريست احمد عبدالله في رسم ملامح الشخصيات فإنه اقحم قصصا لم تخدم رسالة الفيلم مثل قصة والد النوبتجي «حسن حسني» وكذلك «حورية» مي كساب الزوجة الشابة وزوجها الرجل المسن. وطرح المخرج سامح عبدالعزيز رؤية غير تقليدية للاحياء العشوائية، واختار نماذج غنائية من نجوم الطرب الاوائل في دنيا الميكروباص واستطاع ان يقود فريق الممثلين ليؤدي كل منهم افضل ما لديه، وتغلب على الميلودراما التي صبغت الاحداث بالنقلات السريعة. وعكست الصورة السينمائية التي رسمها جلال الذكي بعدا مؤثرا للصراع النفسي الذي يعيشه الجميع بين اجواء الفرح المصطنع والحزن العميق المقيم داخلهم. وشاركت الموسيقى التصويرية والديكور في تقديم حالة فنية منسجمة. وحقق «المونتير» عمرو عاصم توازناً في الايقاع رغم ان الاحداث تدور في يوم واحد فقط. وجاء أداء خالد الصاوي وسوسن بدر وكريمة مختار متميزاً بينما كشفت دنيا سمير غانم عن نضج في الاداء وتألقت في شخصية البنت المسترجلة. ويحسب للسورية جومانة مراد اجتهادها في تجسيد دور الفتاة التي تنتمي لبيئة شعبية. وقدم ياسر جلال دور الشاب المطحون بلا مبالغة. وقدم ماجد الكدواني شخصية نوبتجي الافراح بمذاق مختلف. ورغم المساحة المحدودة سجلت روجينا حضوراً مميزاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©