العبدولي مائة عام و18 زوجة و 32 ابناً و 120 حفيداً

من حق شوابنا علينا أن نجلس معهم، ونستمع إلى تجاربهم، نستفيد من محطاتهم المليئة بالحكمة والعبر، لتسليط الضوء على أهم تجاربهم في الحياة وذكرياتهم بهدف استخلاص الدروس، ونقل قيمهم الأصيلة، في مكابدة شظف الحياة خلال السنين الخوالي لينهل منها جيل اليوم. قبل الولوج في حوار الذكريات مع الوالد سالم بن سعيد بن علي العبدولي من أهالي الطيبة، لا بد من الإشارة إلى أنه يتمتع بصحة جيدة، وهو مولع بالزواج حيث تزوج 18 مرة، على ذمته اليوم 4 نساء، ورزقه الله 32 ولدا أكبرهم انتقل إلى رحمة الله عام 2004 عن عمر يناهز 70 سنة، أصغرهم عمره سنة كان يلاطفه في حجره أثناء الحوار، كما أن لديه أكثر من 120 حفيدا. وقد حفظ بعض السور من استماعه لأئمة المساجد وعمل مؤذنا وإماما في مسجد الطيبة لمدة 20 سنة . والتقى العبدولي بالشيخ زايد – رحمه الله – في بداية السبعينيات مرتين، وعلى الرغم أنه بلغ من العمر 100 عام، فلا يزال ولله الحمد يتمتع بالنشاط، وكعادة أهل هذه المناطق، استقبلنا عن باب بيته بنفسه قائلاً: أهلا وسهلاً حياكم الله تفضلوا، وبعد أن سألنا عن أحوالنا ومن أي المناطق نحن، أمر بتحضير الفوالة، وفي سرده للماضي، يقول الوالد سالم إنه عاش في زمان صعب للغاية ويتذكر حقبة من تلك الفترة حيث يقول: كنا نحمل الماء في القرب والسعون، نتنقل ما بين المناطق الجبلية بشق الأنفس، وقد نعود دون الحصول على قطرة ماء، وتستمر هذه المعاناة في البحث عن الحطب، وعندما تتوفر كمية تزيد عن حاجتنا نقوم ببيعه بأبخس الأثمان، أما التنقل بين المناطق فكان صعبا للغاية نظرا لوعورة الطريق وبعد المسافات وعدم توفر المواصلات، باستثناء بعض الذين يمتلكون الدواب مثل الإبل والحمير، والأغلب يقطع المسافات سيرا على الأقدام، وتستغرق الرحلة بين مناطق مثل الطيبة ومسافي ودبا ما بين 3 إلى 4 ساعات، أما مناطق الدولة البعيدة مثل الشارقة ودبي فتستغرق ما بين 6 إلى 7 أيام. وكنا نعتمد في معيشتنا على التمر والعسل والبر، ولم يكن الجميع يمتلك هذا الغذاء، بل قد يبحث بعض الناس عن ( فردة ) تمرة فلا يجدها. وعلى الرغم من هذه المعيشة القاسية عاش الناس متمسكين بأرضهم وسط أجواء الألفة والتعاون والتراحم. أهم المحطات يتابع العبدولي «في أول محطات سفري سافرت للدمام في المملكة العربية السعودية أواخر الخمسينات، عن طريق البحر من ميناء راشد في دبي، واشتغلت هناك لمدة 4 أشهر، أتقاضى 5 روبيات عن كل يوم، وكانت رحلة طويلة شاقة، وبعد أن تولى الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله مقاليد الحكم في أبوظبي عام 1966 التقيت معه أول مرة هناك، وقدم لي 200 روبية كمكرمة منه رحمه الله لأبناء الإمارات الأخرى الذين قدموا للتهنئة». والمرة الثانية، يضيف، كانت بعد قيام الدولة، حيث يصف مجلس زايد بأنه مجلس مفتوح للجميع يلقى فيه أبناء شعبه بالفرح والترحاب ويصف الوالد سالم فرحة شعب الإمارات لقيام الدولة عام 1971 بقيادة زايد الذي يصفه بأبو الخير والعطاء فيقول: عم الفرح كافة مناطق الإمارات من السواحل للسهول والوديان الجبال، فزايد خلص الناس من الخلافات الصراعات وقاد الشعب لبر الأمان. أما المحطة الثانية فكانت في بداية السبعينات عندما سافرت للهند للمرة الأولى للزواج، وبعدها بعشر سنوات سافرت إلى مصر للزواج أيضا. وعن طربه للزواج يقول الوالد سالم: إنه من العشرين عاما كان لديه الرغبة بالزواج بأكثر من امرأة وأصبح ذلك ديدنه حتى في هذا العمر، حيث كان يسأل عن المرأة الأرملة أو المطلقة أو الشابة التي لديها رغبة في الزواج ويتم النصيب ويتزوج، كما أن الزواج لدى الوالد سالم يعتبر هدوءا وراحة بال وفرحة بالأولاد، لذلك قام ببناء مسكن بسيط لكل زوجة من زوجاته على تلال منطقة الطيبة الجبلية. وعلى الرغم من اعتلال صحته وبالأخص ضعف النظر خلال السنوات الماضية، إلا أنه لا يزال يقاوم من أجل كسر حاجز السن ليشعل في نفسه روح الشباب. أما الطيبة فتعني للوالد سالم الكثير، وعندما سألناه عن ذكرياته فيها شرد بفكره وكأنه عاد إلى أيام الصبا، حيث يقول: كم تنقلت بين سفوح وصخور هذه المنطقة، وحملت بكفي هذه أجود أنواع الرطب التمر، فالطيبة كما اسمها يطيب فيها المقام وتحمل من الخيرات حتى شاع اسمها في كل ربوع المنطقة فهي تشتهر منذ القدم بأشجارها الفارعة التي تتناثر على طول سفوح الوادي، وتفوح فيها روائح الزهور الندية من بساتينها، أما ماء الطيبة فيصفه الوالد بالماء الزلال الذي يسقي الطيبة والمناطق المحيطة بها، فالطيبة التي تقع بين منطقتي دبا ومسافي كان لها صيت كبير، وهي طريق القوافل القديم الذي لا تنقطع عنه المياه معظم أيام السنة. وختم الوالد سالم الذي كان يردد باستمرار دعاءه: (يا رب عيني على الدنيا) حواره مع الاتحاد بحكمته التي لقنها أقرب الناس إليه وهو ابنه علي رفيق دربه وأحد المقربين إليه: «لا تكن ظالما، فأن تنام مظلوما خير لك ألف مرة من أن تنام ظالما».