الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الصحافة ومحمد علي كلاي .. من تلاعب بالآخر؟!

الصحافة ومحمد علي كلاي .. من تلاعب بالآخر؟!
9 يونيو 2016 11:10
أحمد مصطفى العملة من دون أسباب واضحة أو حاسمة، تقع الصحافة في هوى بعض النجوم دون آخرين من الشخصيات العامة. فيشغلون مساحات لا يستهان بها من صفحات الجرائد على مدار سنوات، بل يحتلون الصفحات الأولى بعناوين عريضة وصور مذهلة تكشف دوماً عن أحدث أخبارهم .. ماذا فعلوا، أو قالوا، من التقوا وأين، ماذا جرى لهم؟! وبالتدريج وبالتكرار وبالإلحاح المستمر في التغطية يتحول هؤلاء النجوم بالنسبة للجمهور إلى ما يشبه أحد أفراد العائلة (الطيبين أو الأشرار، على حسب). تفعل الصحافة ذلك وعينها بالطبع على مزيد من الإعلانات وكثير من القراء، حتى صارت «صناعة النجوم» جزء أساسياً من طبيعة المهنة لا يمكن أبداً التخلي عنه. إنه ما يشبه الإدمان.. والكل مستفيد. الجمهور مهووس بمتابعة نجمه المحبوب، وإيرادات الإعلانات في ارتفاع، والنجم مسحور بالشهرة وحب الناس. من هذا الصنف مر على الصحافة العالمية كثيرون، شغلوا وانشغل بهم الناس، لكن محمد علي كلاي يحتل من بينهم مكانة بارزة ومميزة للغاية. يكفي أنه تمكن بذكاء من أن يفتح هذه الدائرة الجهنمية على آفاق جديدة تماماً، وقلب الطاولة على رأس الجميع، واستطاع أن يتغلب على الصحافة ويتلاعب بها، هي التي أرادت أن تتلاعب به وتحوله كزملائه السابقين واللاحقين إلى دمية (كما فعلت مثلاً مع نجوم من طراز مارلين مونرو والأميرة ديانا) لتسلية الجمهور المتعطش للبطل بمعناه السلبي أو الإيجابي الذي يمكن تبني مواقفه بحماس أو رفضها بغضب. والمزاج العام دوماً في أي مجتمع يحتاج إلى شخصيات من هذا النوع يقوم معها بتفريغ شحنة كبيرة من طاقته الشعورية، وليس أفضل من نجوم الرياضة للقيام بهذا الدور. لكن محمد علي قام بالدور على طريقته فقبله، لم يكن في الأغلب مكان مهم لأخبار الرياضة سوى الصفحات الداخلية. ولو عظم شأن الخبر، فإشارة صغيرة بسطور قليلة تكفي جداً في الصفحة الأولى، والاستثناءات قليلة، غير أنه مع ظهوره كإعصار كاسح على حلبات الملاكمة وبأسلوبه المذهل في الأداء، بدأت الصحف تفتح صفحاتها الأولى على مصراعيها أمام النجم الأسمر القادم من المجهول من مدينة صغيرة جداً بولاية كنتاكي. وبعدما كانت تتعامل مع نجوم الرياضة خاصة من السود، باعتبارهم مجرد آلات صماء بلا عقل لتحقيق أفضل أداء بشري، فوجئت الصحافة الأميركية بأن الرجل ليس فقط ملاكماً بارعاً، بل هو متحدث مفوه وصاحب قضية، بل لنقل قضايا ومواقف، وهي مواقف مضادة لـ«المؤسسة» والعرف والتقاليد في المجتمع الأميركي، وكان ذلك جديداً تماماً عليها، فإذا هي نفسها يأسرها سحر النجم الذي صنعته، بعدما خرج على قواعد اللعبة «الصغيرة»، و«الكبيرة». وهنا تحديداً، تكمن أحد نجاحات محمد علي البارزة الماكرة التي حققها بنفس أسلوبه المذهل في حلبة الملاكمة، فقد نجح في أن يستغل الصحافة لتسليط الضوء على أفكاره وآرائه وتحولاته ومواقفه الدينية والسياسية، لكنه لم يسمح لها بأن تلهو به بطريقة تنطوي على تبسيط مخل وإساءة ولو ضمنية لشخصيته وأفكاره وقضاياه، ومن ثم تمكن من أن يضع بصمته على فترة مهمة جديدة في تاريخ الحداثة البشرية، وكذلك على الصحافة الحديثة من خلال تسليط الأخيرة الأضواء على مسيرته والقضايا التي تبناها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©