السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سـودان ما بعد الانتخابات

30 ابريل 2010 23:13
أبدأ من حيث انتهيت في مقالي السابق من أن الانتخابات العامة التي أجريت مؤخراً كانت هي الأمل الأكبر الذي تعلق به السودانيون على اعتبار أنها مدخل للتحول الديمقراطي والابتعاد عن الحكم الأحادي، والعودة إلى تداول السلطة. ولكن ذلك الأمل انقلب إلى العكس تماماً لأنه زاد من أسباب التوتر السياسي، وفي الوقت نفسه تراجعت احتمالات الوصول إلى حلول لأزمات السودان المتلاحقة. الملامح الخاصة بالانتخابات السودانية يمكن تلخيصها في أن عمر البشير فاز بالرئاسة بنسبة تصل إلى قرابة 70 في المئة من الأصوات، وأن الحزب الحاكم فاز بكل مقاعد حكام الولايات الشمالية، إلا ولاية النيل الأزرق، التي كانت من نصيب "الحركة الشعبية". أما الدوائر الأخرى، وهي مقاعد البرلمان ومقاعد مجالس الولايات التشريعية، فقد كانت كلها ما عدا قلة قليلة جداً من نصيب الحزب الحاكم. إنها النتيجة التي أدت إلى رفض كل الأحزاب السياسية المعارضة في الشمال، الاعتراف بها، والاتفاق على أنها كانت غير سليمة. وبالتالي فإن تلك الأحزاب لن تشارك في الحكومة القادمة إنْ عُرض عليها ذلك. إذا فالمتوقع أن يُشكل مجلس الوزراء القادم من فريقين أساسيين هما: الحزب الحاكم (الإنقاذ) وبنسبة عالية و"الحركة الشعبية" وبنسبة أقل كثيراً. أما تلك الأحزاب الديكورية، والتي لا تمثل في الواقع إلا أفراداً انسلخوا عن أحزابهم، فقد يبقى بعضهم أو كلهم في الحكم، حتى يواصل (الإنقاذ) الادعاء بأنه يحكم بحكومة قومية. وبعد ثمانية أشهر من يومنا هذا، أو نحو ذلك، سيتغير الوضع عندما تقرر أغلبية الجنوبيين الانفصال، وهو الاحتمال الأقوى. سيصبح الحكم بعد ذلك بأكمله في يد الجماعة، التي جاءت بانقلاب عسكري، ثم أصبحت الآن حكومة منتخبة من الشعب، وعند ذاك سيصل التوتر في السودان الشمالي مداه. ولا دليل على أن أزمة دارفور في طريقها إلى الحل، وقد زاد من تفاقمها أن الحزب الحاكم سمح لنفسه أن يجعل الفوز لمرشحيه دون غيره في الولايات الثلاث لدارفور، ابتداء من ولاتها إلى أعضاء مجالسها التشريعية، وممثليها في البرلمان المركزي. وقطاع كبير من أهل دارفور لا يصدق أن تلك هي نتيجة الاقتراع في أرض تعيش الحرب ضد الحزب الحاكم لأكثر من سبع سنوات. إن انفراد "الإنقاذ" بالحكم في الشمال، يحمل كثيرين إلى تقدير أنها لن تتخلى عن أسلوبها ومنهجها في الحكم. ويغلب كثيرون أن هذا الحزب سيعود مرة أخرى إلى أسلوبه في الحكم، الذي عرف خلال انفراده به في الفترة التي سبقت اتفاقية السلام، وأهم سمات تلك الفترة حجب الحريات وإغلاق منافذ الحراك للقوى السياسية الأخرى. ولهذا كله فإن السؤال الأكبر المطروح أمام قيادات الأحزاب السياسية المعارضة هو ماذا هم فاعلون لمواجهة ذلك المستقبل؟ التشاور وتبادل الرأي بين أولئك القادة قد بدأ بالفعل، وهو يشمل بصورة ما قيادات المنظمات، التي ما زالت تحمل السلاح ضد الحكومة المركزية في دارفور، لا سيما وأنها أعلنت رفضه للانتخابات ونتائجها. كانت الخطوة الأولى لأهم زعيمين في تجمع أحزاب المعارضة، وهما حزب "الأمة القومي" والحزب "الاتحادي الديمقراطي". وكانت الخطوة الأولى للسيدين الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني، هي أن توجه كل واحد منهما على حدة إلى القاهرة ليبلغا قيادة الدولة الشقيقة مصر بحقيقة الأحوال، وأهمها تزوير الانتخابات بصورة لم تعهد من قبل، حتى أن عدداً من قادة (الإنقاذ)، وإنْ كان صغيراً، قد استنكرها وقدر أنها كان مبالغا فيها. ولكن لا أحد يتوقع أن تقف مصر مع المعارضين وتتخلى عن علاقتها بالنظام الحاكم في السودان كيفما كان حاله. كذلك لا يتوقع أحد أن يعود الزعيمان المعارضان لبناء النشاط المعارض خارج السودان، كما كان الحال في التسعينيات. ولهذا فلا بد من دراسة الأمر في الداخل والإعداد لمواجهة الوضع المقبل. محجوب عثمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©