الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أبوظبي للكوميديا» يجعل من الضحك هاجساً جماعياً

«أبوظبي للكوميديا» يجعل من الضحك هاجساً جماعياً
12 مارس 2012
أبوظبي (الاتحاد) - شهدت أمسيتا الخميس والجمعة الفائتتان مهرجان أبوظبي الدولي للكوميديا، في قاعة مسرح أبوظبي الوطني، تواجداً إماراتياً في عالم الكوميديا، وسط حضور واسع من محبي الكوميديا والذي كان على موعد مع جرعات استثنائية من الضحك النقي.. طيلة سهرتين تجاوزتا الوقت المقرر لهما بدا الضحك سيد الموقف، وحضر جمع غفير من المشاهدين المتنوعي الانتماء والمتوحدين عند الرغبة في تلقف الموقف الضاحك، والانغماس في أعماق ما تتيحه الأجواء الساحرة من فرح وتسام عن منغصات اللحظة. حيث الإفراط في الجدية يكاد يكون آفة من آفات العصر. والمهرجان انطلق برعايــة وحضـور الشيخ محمد بن أحمد بن حمدان آل نهيان. تجمع الناس حول كوميديين من بلدان شتى، ومن مدارس مختلفة، لكن الرغبة في الضحك كانت هاجساً مشتركاً عندهم جميعاً، وبسهولة فاجأت أكثر المتابعين تفاؤلاً اندمج الحاضرون في القاعة الفسيحة مع الواقفين على خشبة مسرحها لينخرط الكل في موجة عاصفة من الحوار المفعم بالفرح، كل الدروب كانت تؤدي إلى الضحك، وكل الكلام كان لابد له أن ينتهي به، وكل حكاية كانت تعد بأخرى أشد طرافة منها، وبدا كما لو أن كل شيء في هذه الحياة التي تدعي التعقيد والترصين قابلاً لأن يتحول مصدراً للمتعة، وأن الحياة نفسها يسعها أن تعد بملامح أكثر بشاشة وحبوراً إن هي اتكأت على رؤى وقناعات لا تأخذ تفاصيلها على محمل يتجاوز حاجتها من الجدية والرصانة. مغامرة محسوبة نظراً لكونها الأولى في أبوظبي فقد كان يمكن للخطوة أن تحسب في خانة المغامرة، إذ قد لا يبدو مألوفاً أن تسند قاعة مكتظة بالحضور إلى فرد واحد ليضخ في أجوائها جرعات متتالية من الانسجام والحبور، لكن هذا ما حصل حقيقة، ومنذ اللحظات الأولى بدا أن الجهات التي خططت ونفذت كانت محقة في رهانها، حيث سرعان ما تحول الإندماج سمة للموقف، وكانت القفشة التي يطلقها الكوميديان من على الخشبة كافية لاستدرار سلسلة من التعليقات الموازية من القاعة، وتدريجياً كان المشهد يخرج عن سياقه المقرر كصلة منسقة بين خشبة مرسلة وقاعة متلقية، ليتحول نحو إطار من التفاعل الجماعي الموشى بفوضى محببة، الكل كان مرسلاً ومتلقياً في آن، والكل كان بوسعه أن يقول وأن يصغي دون حاجة إلى من ينظم السير الكلامي المزدحم، وكان على الكل أن يضحك من أعماق تقاربت حتى كادت أن تتوحد بالرغم من تعدد منابتها.. مواهب إماراتية وفي إطلالة لموهبة إماراتية واعدة هي شيماء السيد،التي أطلت بلباس إماراتي، وبثقة مطلقة بالنفس أيضاً، تحدثت بانسيابية مميزة عن الكثير من المفارقات التي تزخر بها الحياة في دولة الإمارات، تناولت أسلوب قيادة السيارات وما يتخلله من سلوكيات تثير الدهشة، وقاربت أيضاً ظاهرة الغموض التي تلف رؤى بعض الوافدين إلى الإمارات خاصة، والخليج عامة، حول بعض العادات السائدة في المجتمعات المحلية، منها بعض الطرق الغريبة في تحليل ظاهرة الشيلة والعباءة.. احترام الحدود تقول شيماء في دردشة مع “الاتحاد”: هذا النوع من الكوميديا جديد في المنطقة، وفي الإمارات خاصة، بالرغم من بعض التجارب السابقة، لكنني أرى أنه سيشق طريقه بوجود مواهب حقيقية، ووعي راسخ لدى العاملين عليه بالحدود المطلوب التزامها في سياقه، نحن نريد أن نثبت إمكانية اطلاق حركة كوميدية ناشطة، تسير على قاعدة احترام الذات والمجتمع، ناهيك عن القيم الأخلاقية التي يعتز بها شعب الإمارات، وقد اثبتنا إمكانية ذلك حيث بوسعنا مقاربة مختلف الظواهر التي نرى أنها تستحق التوقف عندها بقالب من الكوميديا الجريئة والمهذبة في آن. محطة انطلاق بعد شيماء كان الدور للكوميديان الإماراتي علي السيد، وهو أبدى تميزاً ملحوظاً في وقفته الواثقة، وسهولة تحوله بين موضوع وآخر دون أن يقطع التواصل بينه وبين الجمهور الذي أبدى متابعة دقيقة لكل ما تناوله من انتقاد ساخر لمواقف حياتية متعددة.. تراوحت قفشات علي السيد بين المفارقات التي يعكسها أسلوب الاستخدام المتنوع للغة الانجليزية، حيث يسقط عليها كل فريق تداعيات لغته الأصلية، وبين السمات السلوكية المرصودة عند مختلف التجمعات البشرية، حيث الفرصة متاحة لرصد الكثير من المفارقات قد لا يتنبه لها المرء إلا إذا نظر نحوها من خارج الوعي الجمعي السائد، وهي ميزة أساسية من ميزات الفنان الحقيقي. السيد بدوره أعرب لـ”الاتحاد” عن ارتياحه إلى مستوى العرض، معتبراً أنه يشي بطاقات احترافية واعدة، وبأنه يمثل محطة انطلاق نحو آفاق جديدة في المعترك الفني، واقتحام مناطق جديدة في مجال التواصل بين الفنان والجمهور، حيث للأخير دوره الفاعل على هذا الصعيد، إذ لا يمكن لعرض كوميدي من هذا الطراز أن ينجح بدون جمهور متيقظ، متحمس للمشاركة، وقادر على تزخيم نص الكوميديا بإضافات شيقة وغير متنبه لها. لاحقاً كانت للفنان الإماراتي عمر إسماعيل مساهمته المميزة أيضاً، وهو قدم فقرته في إطار من السهل الممتنع، وفي ظل حرص على عدم المبالغة، والحفاظ على حضور هادئ.. دون أن يبدو معنياً بإثارة ولو قدر ضئيل من الحماس المفتعل، تناول إسماعيل ظواهر متعددة يمر بها الإنسان العادي دون أن يتوقف عندها، في حين تشكل بالنسبة للفنان محط تساؤلات جوهرية، هكذا أمكن للكثير من التفاصيل اليومية أن تتحول عبر مقاربة عمر اسماعيل الساخرة لها إلى منصة تهكم شاهقة يمر عبرها الكثير من تعليقات الجمهور وتصفيقه الحماسي. الحماة والكنة الأميركية مينا ليسيون تولت افتتاح الفعالية، واهتمت بربط فقراتها المتعددة، لم تكن تحتاج إلى كثير من الجهد لتظهر مقدار الاحتراف والموهبة التي تنطوي عليهما شخصيتها الفنية المميزة، ولا يعد مبالغة القول إن كل ما تجلت مينا من خلاله كان يؤشر إلى سمات كوميدية مميزة: الوقفة المسرحية، حركات الجسد المدروسة، وإن انطوت على عفوية صارخة، الأداء اللفظي، وكذلك المحتوى المضموني، كل هذه المكونات المتآلفة ساهمت بتوازن في نقل الحضور نحو حالة استعداد لتلقي الفكاهة بأعمق تجلياتها، تحدثت مينا، وهي متزوجة من عربي، عن التنوع الحضاري الذي يميز بين الثقافات المختلفة، والذي بوسعه أن يؤول نحو حالة من التندر المثري للمخيلة بدلاً من أن يكون مدعاة للاختلاف، لم تتورع عن اقتحام الخصوصيات العائلية عندما أشارت إلى الانسجام المثير للدهشة بينها وبين والدة زوجها، الصراع بين الحماة والكنة تقليد متوارث في مختلف المجتمعات، كونه ينطوي على أبعاد نفسية أكثر مما هو يعكس سلوكيات اجتماعية، أما سر الود الملقي بظلاله على مينا وحماتها فيعود إلى انعدام وسيلة التفاهم اللغوي بينهما، حيث يمكن لهز الرأس المتبادل أن يمنح المرأتين شعوراً بالرضا المتبادل، مع أنه في الحقيقة تقاطع عند حالة من غياب التواصل.. أسئلة مضحكة بعد تقديم مينا اعتلى الخشبة الكوميديان الأميركي اندريه رينولدز، وهو نوع في قفشاته الساخرة بين المواقف التي تعترض الناس في يومياتهم، وبين المفاهيم التي يعتمدون عليها في خياراتهم الحياتية المتعددة، كان التوازن في طرح سمة مميزة لأندريه الذي حافظ في كل ما أورده من فكاهات على حدود اللياقة، طارحاً مع كل موقف ساخر مزيداً من الأسئلة عن أمور اعتيادية يقبلها المرء كبعض البديهيات المكونة لنمطه الحياتي، لكن التمعن بدلالاتها يتيح الاستنتاج أنها بحاجة لإعادة النظر. تجربة مميزة بأبوظبي كان الختام مع الفنان الأميركي، من أصل لبناني، نمر بونصار، وتمكن من أن يشد اهتمام الجمهور حتى اللحظات الأخيرة، وبرع في إثارة الكثير من التعليقات التي لم تقف عند حدود ما، كما لو أن الكوميديان الذي امتلك حضوراً آسراً في العديد من الأماكن، يقصر انجازاته الإبداعية على إعادة تدوير العادي من شؤون الحياة ليحيله إلى خامة أولية للتهكم والسخرية. في نهاية عرضه الذي طال بأكثر مما هو مقدر له بناء على انسجام الجمهور، أوضح بونصار أنه يعتبر تجربته في أبوظبي مميزة مقارنة بتجارب كثيرة مماثلة خاضها في غير مكان من العالم، حيث كان تفاعل الجمهور في ذروته، والتواصل كان مثيراً للدهشة بالرغم من تعدد الجنسيات واختلاف الأمزجة، كذلك بالنسبة لوفرة عدد المشاركين من الفنانين الذين ساهم كل منهم على طريقته في إثراء الأمسية الضاحكة بالكثير من عناصر التمايز والتنوع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©