الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مذبحة الخيانة

مذبحة الخيانة
20 مارس 2014 21:38
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة مساء، عندما شبَّت النيران في شقة “نخلة”، والتي تقع في منطقة فاخرة ومؤثثة بأفخم أنواع الأثاث، حيث إن الرجل يعمل في مجال السياحة، ودخله كبير ولديه شركة ويعيش في رغد. اندلاع النيران البناية ليست مسكونة بالكامل فهي حديثة وكبيرة، لذلك لا يعرف السكان بعضهم، أو لم يتعارفوا بعد، لكن رغم ذلك هرع الجميع للمشاركة في الإطفاء، وقد قام بعضهم بإبلاغ شرطة الدفاع المدني والحريق، وتم كسر الباب والدخول، لأنه لم يكن أحد يجيب من السكان أو يستغيث فيبدو أن الشقة كانت خالية وقت اندلاع النيران، وعندما دخل السكان ورجال الشرطة فوجئوا بوجود دماء في مدخل الشقة والأدخنة تتصاعد من المطبخ والنيران تمسك بمحتوياته، لكنها لم تخرج منه بعد ولم تمتد إلى باقي محتويات وأثاث الشقة ولم تستغرق عملية الإطفاء أكثر من عشر دقائق وتم إخماد النيران. ولم يكن هذا هو الحدث المهم، وإنما كانت المفاجأة التي لم تصدقها العيون أن هناك مذبحة عائلية بالداخل جثة “نخلة” صاحب الشقة لا تكاد تظهر معالمها من كثرة الطعنات ملقاة على السرير في غرفة نومه، ثم جثة شقيقته في الحمام وبها أيضا عدد لا يحصى من الطعنات وملابسها تحولت إلى اللون الأحمر كأنها مغسولة بالدماء، بل في غرفة النوم الثانية جثتان زوجته “عبير” مذبوحة ويكاد الرأس ينفصل عن الجسد، والمشهد البشع ابنه الصغير، الذي لم يكمل السادسة من عمره مطعون هو الآخر في بطنه عدة طعنات، وملقى بجوار جثة أمه. وفي لحظات امتلأت الشقة برجال الأدلة الجنائية، الذين قاموا بمعاينة الجريمة، ورفع البصمات من الشقة، بينما قام آخرون بجمع المعلومات عن الأسرة المذبوحة، وكذلك عن السفاح الذي ارتكب هذه المذبحة، ويبدو أنه على دراية بالمكان، وأنه دخل بشكل طبيعي، حيث لا توجد كسور في الأبواب أو النوافذ، وهذا يشير إلى أن القاتل من الأقارب أو المعارف أو الأصدقاء، الذين تربطهم بالأسرة علاقة جيدة، والوجه الآخر أن جميع محتويات الشقة في وضعها الطبيعي والأموال والمجوهرات في أماكنها لم تتم سرقتها، وهذا يعني أن المتهم لم يكن لصا ولو كانت الجريمة بهدف السرقة ما تم إشعال النيران في الشقة، ويرجح رجال المباحث مبدئيا أن الجريمة وقعت بدافع الانتقام، وسارت أجهزة الشرطة للبحث وراء هذا التوقع. علامة مميزة لم تكشف المعلومات السريعة عن وجود خلافات بين القتلى، وأي شخص آخر والرجل في عمله لم يكن له أي خلافات مالية أو غيرها مع العملاء أو المتعاملين معه، ورغم أن الأمر أصبح غامضاً والجريمة تبدو لغزاً جاء أحد الجيران، ليؤكد أنه شاهد القاتل أثناء خروجه من البناية خلال اندلاع النيران، وقال إنه يدعى “ريمون”، وهو ابن شقيقة القتيل، التي قتلت هي الأخرى في الحادث، وأدلى بعلامة مميزة فيه، حيث إنه يترك شاربه ومقدمة ذقنه بلا تهذيب أو حلاقة، وعندما توجه رجال المباحث للقبض عليه لم يجدوا صعوبة في التحقيق معه لكي يعترف بجريمته، وبدأ يهذي بكلمات غير مفهومة، وتأكد رجال المباحث من سوء سلوكه، وأنه لا يتورع عن ارتكاب الجريمة لأنه مدمن مخدرات. جيران “المتهم” أكدوا أنه تشاجر مع أمه وقام بالاعتداء عليها منذ ثلاثة أيام بسبب رفضها إعطاءه المال لشراء المخدرات، لكنها فشلت في السيطرة عليه بعد أن قام بضربها، واستولى على مبلغ كان معها وخرج غاضباً، وبالأمس تكرر الموقف نفسه، وتجدد الشجار بينهما فهو عاطل لا يعمل، وكل يوم يريد مبلغاً كبيراً لينفقه في سهراته مع شلة من أصدقاء السوء الذين على شاكلته من مدمني المخدرات، ولأنها كانت تتحسب لهذا فلم تكن تحتفظ بأي مبالغ أو مجوهرات أو أي شيء ذي قيمة في المنزل، لأنه اعتاد تفتيش كل شيء، ولذلك في مشاجرة الأمس استشاط غضباً، لأنه لم يجد مالاً ليستولي عليه فاعتدى عليها بالضرب المبرح، وأصابها في وجهها، مما جعلها تترك البيت، وتذهب غاضبة إلى بيت شقيقها. ألقوا القبض عليه، وواجهوه بهذه المعلومات فلم ينكرها واعترف بها تفصيلياً، وبارتكاب الجريمة. قال: إنه فعل فعلته انتقاماً من أمه التي لم تعطه المال، ومن أسرة خاله الثرية، لأنه لم يحصل على نصيب أمه من الميراث، واستولى خاله عليه ويمتلك شركة للسياحة. وتم نقل الجثث إلى المشرحة وأمرت النيابة بتشريحها، وتبين أن جثة الرجل بها خمس وعشرون طعنة وبجثة شقيقته خمس عشرة طعنة، وفي جثة ابنه ست طعنات، بينما الزوجة مذبوحة من رقبتها. هلوسة إجرامية تم اصطحاب القاتل إلى مسرح الجريمة، وبدأ يدلي باعترافاته بطريقة عملية ويقوم بتمثيل كيفية ارتكابها، وهو مازال يهذي، والجميع يؤكدون أن ذلك بسبب إدمان المخدرات فهو منذ فترة فقد التركيز، وأصيب بحالة نفسية ويتخيل أشياء لا أساس لها، وقال: إنه بعد أن تركت أمه المنزل وعلم أنها توجهت إلى بيت خاله ذهب إليها لمصالحتها وإعادتها إلى المنزل، وهناك وجد أسرة خاله التي استقبلته بشكل جيد، وقام الجميع بتناول طعام العشاء، ثم عاتبوه على تصرفاته مع أمه، وتحول العتاب إلى خلاف، وتبادل الشتائم، وقام خاله بطرده من المنزل، واشتبكا بالأيدي فاتجه نحو المطبخ وأحضر سكينا وطعنه عدة طعنات وسقط قتيلاً، ولم يشعر بنفسه إلا وهو يقتل أمه عندما حاولت الإمساك به، ومنعه من ارتكاب جريمته، وفعل ذلك أيضا مع زوجة خاله وذبحها حينما حاولت أن تهرب، ولم يبق إلا الطفل الصغير، الذي فر إلى الداخل هرباً من الموت، وخشي أن يكشف جريمته فقتله كي لا يبقي وراءه دليلاً ضده، وإمعاناً في إخفاء الجريمة كي لا يترك أي أثر أشعل النيران في الشقة بعد فتح أسطوانة الغاز، حتى يبدو كأنهم قضوا في الحريق وبذلك ينجو بفعلته. أمرت النيابة بحبس المتهم أربعة أيام احتياطياً على ذمة التحقيقات، بعد أن وجهت له تهم القتل والحريق العمد، وكلفت رجال المباحث بجمع المعلومات، وطلبت نتيجة التشريح للضحايا، والغريب أنه بعد الفحص والتحري لم يعثر على أي بصمة لريمون في الشقة، ولا على السكين المستخدمة في الحادث، بل البصمات التي عليها لا تخصه، وكذلك تبين أن الشقة بها غاز طبيعي وليست أسطوانة كما ذكر في اعترافاته، ولا توجد أي آثار لمشاجرة وعملية القتل لم تقع في الأماكن التي حددها، مما يؤكد أنه ليس وراء الجريمة، وأن اعترافاته غير صحيحة، وإن كانت مقدماتها تدل على صدق أقواله لذلك تم الاتجاه للبحث عن المتهم الحقيقي الذي ارتكب الجريمة البشعة. نقطة الصفر عاد رجال المباحث إلى نقطة الصفر لا توجد الآن أي معلومات تذكر يمكن التعويل عليها أو السير وراءها، لكن هناك معطيات يمكن الانطلاق منها فقد اعتادوا العمل في مثل هذه الظروف كثيرا، ولا يصيبهم الإحباط، واستطاعوا خلال أربع وعشرين ساعة كشف الحقيقة بعد حصر المترددين على أفراد الأسرة وأقاربهم، فقد كان “يوسف” ابن الخادمة يزورهم في معظم الأيام بحجة قضاء احتياجاتهم لأن رب الأسرة في سفر دائم، وقد نشأت علاقة عاطفية بينه وبين الزوجة “عبير” رغم أنه هو الآخر متزوج وله طفلان، لكن غياب الزوج واللقاءات المتكررة بينهما أتاحت لهما الحديث عن المشاعر وأخيراً اتفقا على التخلص من الزوج ليتزوجا ويستمتعا بأمواله. وألقي القبض على المتهم، ولم يكن الشاهد الذي قال إن “ريمون” وراء الجريمة مخطئاً كلياً، لأن هناك تشابهاً كبيراً بينهما، وهذا ما أحدث اللبس وجاءت اعترافات المتهم الحقيقي ليؤكد أنه كان فعلاً على علاقة بالقتيلة، وأنه اتفق معها على التخلص من الزوج وتوجه إليها وكانت هي والطفل وحدهما، ومن المتوقع ألا يحضر الزوج في هذه الليلة، ولكن وقعت المفاجأة الأولى عندما دق جرس الباب، وكانت القادمة هي أخت الزوج ولم يكن هناك مفر من التخلص منها حتى يتم ما خططا له، فقاما بكتم أنفاسها وطعنها وإلقاء الجثة في الحمام بينما كان الطفل يغط في نوم عميق، وانتظرا إلى أن جاء الزوج من سفره قبيل منتصف الليل، وألقى بحقيبته الصغيرة ودخل نحو غرفة نومه ليبدل ملابسه ويلقي نظرة على صغيره النائم، لكن هناك عاجله القاتل بطعنات متتالية لم يستطع معها أن يتعرف على ما يحدث ولفظ آخر أنفاسه. جلس العاشقان لحظات للتفكير في كيفية التخلص من الجثتين، وقررا أن يقوما بتقطيعهما وإلقائهما في مقالب القمامة، وبعد تناول العشاء وقد انتصف الليل وأرادت الزوجة أن تأخذ قسطاً من الراحة استعداداً للمهمة الصعبة، نظر يوسف إليها وفكر بسرعة في التخلص منها، لأنها كما خانت زوجها فقد تخونه، وربما تفيق من الصدمة وتبلغ عنه فغافلها وقام بذبحها وكي لا يترك الصغير الذي يمكن أن يدلي بأي معلومات قد تؤدي إلى التوصل إليه قام بطعنه وأشعل النار وهرب. وأمرت النيابة بحبسه وأحالت القاتل البريء إلى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية لعلاجه. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©