السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القيم الآسيوية وتجربة التدخل الإنساني في بورما

القيم الآسيوية وتجربة التدخل الإنساني في بورما
8 يونيو 2008 02:28
لماذا كان الفرنسيون والبريطانيون والألمان، وليس الهنود والصينيون، من دعا إلى إرسال المساعدات إلى ضحايا إعصار ''نارجيس'' الذي ضرب بورما؟ فقد كانت وزيرة حقوق الإنسان الفرنسية ''راما ييل'' من أعلن أن مبدأ ''مسؤولية الحماية'' الأممي يجب أن يطبق على بورما، حتى لو اقتضى الأمر استخدام القوة، ولماذا أُرسلت السفن الأميركية والفرنسية والبريطانية لتحوم بالقرب من السواحل البورمية محملة بالغذاء والمواد الضرورية للضحايا، وليس السفن الصينية، أو الماليزية؟ ولماذا أيضا أبطأت مجموعة دول جنوب شرق آسيا ''آسيان''، في التعامل مع الكارثة الطبيعية التي دمرت إحدى أعضائها؟ ما جعل زعيم المعارضة الماليزية، ''ليم كيت سينج'' ينتبه إلى الاستجابة غير الملائمة قائلا: ''إن ذلك ينعكس سلباً على دول ''آسيان'' لأنه كان في استطاعتهم القيام بالمزيد ومساعدة بورما''· فهل يعني ذلك أن الأوروبيين والأميركيين أكثر تعاطفاً من الآسيويين؟ الواقع أن ذلك يبدو مستبعداً في ظل السجل الغربي الرهيب في مجال الحروب الوحشية والإمبريالية، كما أن الطريقة التي هب بها المواطنون الصينيون لمساعدة ضحايا زلزال ''سيشوان'' كانت رائعة حقاً، رغم تقصير الجيش، ولا ننسى أيضا أن البوذية تشدد على مشاعر التعاطف بين الناس وقيم الرحمة والمودة بنفس الدرجة التي تؤكد عليها المسيحية، ذلك أن عدم الاهتمام بمعاناة الآخرين ليس من القيم الآسيوية الراسخة، ومع ذلك هناك بعض الاختلاف فيما يتعلق بطريقة التعبير عن هذا التعاطف وتطبيقه على أرض الواقع· لا يمكن سوى الاعتراف بارتباط حقوق الإنسان والمساواة بين البشر بالحضارة والتاريخ الغربيين منذ كتاب سقراط ''العدل الطبيعي''، إلى المبدأ المسيحي بأن جميع البشر سواسية أمام الله، ووصولا إلى الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان، وبرغم التجاوزات التي حصلت على مر التاريخ لهذه المثل والمبادئ من قبل الغربيين أنفسهم وانتهاكهم لقيم الحرية وحقوق الإنسان التي ينادون بها، إلا أنهم نجحوا في بناء مؤسسات تحمي تلك المثل وتحرص على تطبيقها سواء في الغرب أو خارجه، هذه المؤسسات المتخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على كرامته تظل غائبة في الدول الآسيوية، والعديد من دول العالم خارج النطاق الغربي، والحقيقة أن الصينيين وباقي الآسيويين كثيراً ما انتقدوا الغرب لتوظيفه قضايا حقوق الإنسان كذريعة لفرض ''القيم الغربية'' على مستعمراتهم السابقة، وفي الكثير من الأحيان يُنظر إلى حقوق الإنسان والديمقراطية على أنهما الأدوات المعاصرة للإمبريالية، وهي الاتهامات الرائجة على وجه خاص بين الأنظمة الشمولية في الدول الآسيوية وكل من يلتمس لها الأعذار، الذين يعتبرون حقوق الإنسان بمثابة تهديد لسلطتهم وقبضتهم على الحكم· ويمتد انعدام الثقة في القيم العالمية إلى قطاعات أخرى غير الحكام، فالعديد من الدول الآسيوية يسود فيها اعتقاد بأن تقديم المساعدات وإسداء المعروف يجعل الشخص مرتهناً للآخر ومدينا له بالجميل، وهو ربما السبب الذي لا يشجع الناس على التدخل في مشاكل الغير، ومع أن الإنسان مطالب بالاعتناء بعائلته والاهتمام بأصدقائه، بل وحتى بمواطنيه، إلا أن فكرة المنظمات الخيرية العالمية تفوح منها رائحة غير مقبولة تحيل إلى التدخل الخارجي وبعثات التبشير الغربية التي سهلت مهام القوى الإمبريالية· وما فكرة ''القيم الآسيوية'' التي رَوج لها في العقود الأخيرة مثقفون مقربون من حكومة سنغافورة سوى انتقاد للادعاءات الغربية القائلة بشمولية القيم وكونيتها، وحسب هذه النظرية يملك الآسيويون قيمهم الخاصة بهم مثل الادخار والطاعة، والتضحية بالمصلحة الفردية من أجل المصلحة المشتركة، بالإضافة إلى الامتناع عن تدخل الدول في شؤون الغير، وهو ما يفسر الاستجابة المترددة لحكومات جنوب شرق آسيا، ومعهم الرأي العام، لكارثة بورما· ولا يقتصر المدافعون عن نظرية القيم الآسيوية على الاعتقاد بأن الديمقراطية، وإلى جانبها حقوق الإنسان العالمية، هي فكرة غربية بالأساس، بل يرون أن الشمولية الآسيوية، كما تمارس في الصين، هي أكثر ملاءمة للآسيويين والأنجع بالنسبة لهم، فالحكومات الديمقراطية تعيقها المصالح الخاصة، والرأي العام، والسياسات الحزبية الضيقة، وغيرها من الصراعات الداخلية، بينما تستطيع الشمولية الآسيوية اتخاذ قرارات ضرورية، حتى لو كانت غير شعبية· ومن بين الانتقادات الموجهة لهذا النهج من التفكير القول بتفوق القيم الغربية، وأن وجود قيم آسيوية لا يعني أنها الأفضل، فيما يرى البعض الآخر أنه لا تعارض بين القيم الغربية وتلك الآسيوية، لأن مفهوم الحقوق الفردية والحرية ليس غريبا عن الحضارات الآسيوية، غير أن الكارثتين الطبيعيتين اللتين ضربتا آسيا مؤخراً وضعتا القيم الآسيوية على المحك، حيث كان الأداء الصيني جيدا في الاستجابة لزلزال ''سيشوان'' لعدة أسباب، منها الرغبة في تفادي تجربة بورما الفاشلة، وتجاوز مشكلة التبت، وضمان نجاح الألعاب الأولمبية، ولكن من جهة أخرى فشلت بورما في التعامل مع كارثة الإعصار، رغم الجهود المتأخرة لإنقاذ الموقف، وفي الأخير ليس مهما إن كان الفشل في التدخل لصالح الناس ناتجا عن القيم الآسيوية، أو غيرها، بل المهم أن عدم تقديم المساعدة للمنكوبين هو أمر مُدان مهما كانت الأسباب والتبريرات· آيان بوروما محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©