تشكيلة «جاليانو» تنافس لوحات «بيكاسو» وتعزف ألوان الحياة

توجهت أنظار العالم نحو العاصمة الفرنسية وهي تترقب بدهشة عرض مجموعة المصمم الإنجليزي “جون جاليانو” خلال أسبوع موضة باريس الأخير لموسمي خريف وشتاء 2012/2011، لتظهر بشكل مقتضب ومختصر لأضيق الحدود، ودون حتى وجود المصمم نفسه، إثر تورطه في تصريحات وصفها البعض بمعاداتها للسامية قبل أيام قليلة من الحدث، أدت إلى تحويله إلى متهم يواجه المحاكمة، بعد أن كان الفتى المدلل في عالم الموضة والأزياء ولعدة سنوات. أقامت المعرض دار”كرستيان ديور” للأزياء في قلب عاصمة الأناقة باريس، لتعلن من خلاله أيضاً تعليقها لدور “جاليانو” كمدير إبداعي وفني لها ولأجل غير مسمى، وتكتفي باستعراض 19 قطعة فقط تحمل توقيعه في إشارة واضحة للعالم بأنها لا تتحمل أبداً وزر سقطة المصمم المشاغب المثير للجدل على الدوام. كلاسيكيات مترفة وفي صالون باريسي أنيق وراق ظهرت عارضات “جاليانو” بأسلوب فخم ومتكلف، لتستعرضن معاً مجموعة رومانسية، كلاسيكية ومترفة لأقصى درجة، حيث سادت بين الحاضرين أجواء من الفضول والدهشة المصحوبة بالإعجاب بما يقدمه المصمم المبدع من تصميمات سريالية غنية بالفن والجمال، تتسم بذوقٍ راقٍ وحرفية عالية لناحية الشكل والتنفيذ. وطراز مبتكر يحمل نفحات أثيرية مستوحاة من زمن العشرينيات من القرن الماضي، حيث لمسات الفخامة والبذخ كانت تطبع كل شيء بدءاً من الملابس، المجوهرات، وانتهاءً بأسلوب الحياة، لينفعل “جاليانو” وبشكل أكبر بموضوع مجموعته الجميلة، وينغمس بشكل أعمق بالاهتمام بكل تفاصيلها الصغيرة، مصمما قطعا منتقاة من خلاصة أفكاره المتطرفة والمنحازة دوما لمواطن الإبداع والفنون، وليترجمها بشفافية طاغية وأنوثة منقطعة النظير. لمسات الثراء في تشكيلة الملابس الجاهزة الجديدة للموسمين المقبلين، قدم المصمم باقة ملونة من القطع والموديلات، اختلفت وتنوعت ما بين التايورات الأنيقة، فساتين السهرة الطويلة، الجاكيتات الرسمية، والتنانير المستقيمة، وشيئاً من الكيمونو الياباني المبتكر، بخطوط تتأرجح بين الكلاسيكية التقليدية والحداثة المعاصرة، مستخدماً خامات وأقمشة تخدم بنات أفكاره، وتدعم شطحات خياله، مفضلاً الشيفونات الناعمة والدانتيلات الشفافة للسهرات والمناسبات، وقماشة التويد والكريب والبروكار للأطقم والتايورات العملية، مع بعضاً من المعاطف المزينة بالفراء، ولمسات هفهافة من الريش المتطاير على الذيل والأطراف، لتخرج معظم قصّاته بضربات كثيفة ومعقدة من مقصه الماكر، وتتضمن الكثير من التفاصيل غير المألوفة، والتي تفنن بها “جون” كعادته بحرفية شديدة ومهارة عالية، مؤلفاً بين الأملس والخشن، ومدمجا المعرق بالمرقط، وموصلاً المطرز بالسادة، ليؤلف منها وبها أزياء ترفل بروح الأناقة الفرنسية وتذكرنا بكلاسيكيات مميزة من زمن الماضي الجميل في المسارح الباريسية القديمة. ألوان من الحياة لم يرغب “جاليانو” أن يؤطر تشكيلته ويحصرها ضمن الألوان الشتوية التقليدية، بل خرج عليها وأضاف لها مزيداً من البهرجة ونبض الطبيعة، مدخلا تدرجات عاجية من البيج، وظلال أرجوانية من البنفسجي، مع فواتح باستيلية من الأخضر الباهت، الرمادي المطفي، الزهري الضبابي، والمشمشي الشاحب، والعديد من الظلال السوداوية القاتمة، وبعضا من الأبيض المشّرب، والأزرق الكحلي، مازجاً ألواناً بأخرى ومنسقا بين أشكال وطبعات، مستخدما في كل ذلك فنونا جميلة من الأسلوب التجريدي الذي يذكرنا ببعض من لوحات بيكاسو التشكيلية. وغير غافل في زحمة كل هذه التفاصيل، أن يضيف لمسات إبداعية متكلفة ليثري بها عناصر مجموعته اللافتة، كوضعه شيئاً من الريش هنا وبعض من “البليسية” هناك، ودانتيلات وفيونكات، كشكشة وزركشة، والكثير من الإضافات الصغيرة التي حركت المجموعة وأغنتها، وحولت من كل عارضة إلى نجمة ساطعة تلمع على منصة العرض، وسط لوحة فنية زاخرة بأريج الفخامة وألوان الحياة. براعة وحرفية في المحصلة النهائية، نجد أن تشكيلة “جون جاليانو” المختزلة “عمداً” لخط الملابس الجاهزة والتي عرضت من قبل “ديور” على مضض واستحياء خلال أسبوع باريس للموضة الأخير، قد أكدت مرة أخرى مدى البراعة والحرفية التي يتمتع بها هذا المصمم الفنان، وبغض النظر عن كل ما يثيره من دهشة واستغراب قد تصدم العالم.