الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد محمود يلعب بالضوء

محمد محمود يلعب بالضوء
8 يونيو 2008 03:34
ظهر الفنان محمد محمود في مشاهد محدودة على الشريط السينمائي، أولها مع المخرج الراحل فطين عبدالوهاب الذي أصر على مشاركته في فيلم ''عائلة زيزي''، لكنه كان ينسحب سريعاً ليقف في الظل ويواصل عمله بهدوء وراء الكاميرا· رصيده الفني أكثر من 300 فيلم على مدى رحلة اقتربت من نصف قرن، جعلته أحد أهم الأسماء في صناعة السينما المصرية، حيث أحبه الجميع لمهارته وقدرته المميزة في التأثير على الصورة، وأطلق عليه مديرو التصوير والمخرجون ''الملك''، و''عبقري الإضاءة''· ومؤخراً تم تكريم الحاج محمد محمود في ختام مهرجان جمعية الفيلم الرابع والثلاثين للسينما المصرية تقديراً لعطائه ودوره الريادي كمشرف إضاءة· بداية الرحلة يرويها قائلاً: مثل كل الأطفال، صاحبت والدي الى عمله في استوديو الأهرام لمصافحة النجوم والفنانين والحصول على صورهم، كنت أتصور السينما مجرد لعبة مسلية، وقفت أتابع ما يدور حولي، وتعجبت مما تلعبه الإضاءة في الفيلم من دور خاصة أفلام الابيض والاسود، وتحول اللعب بالضوء الى هواية، وبمرور الوقت صارت لديّ قدرة هائلة على خلق ما يريده المخرج ومدير التصوير من تأثير· مع العمالقة ويضيف: كنت محظوظاً بالعمل في بداية حياتي مع العمالقة، وكان أول فيلم شاركت فيه ''المرأة المجهولة'' بطولة شادية وكمال الشناوي وعماد حمدي، وإخراج عز الدين ذوالفقار، وكان مدير التصوير عبدالحليم نصر الذي يطلق عليه امبراطور الصورة، بهرني أسلوبه في توظيف الإضاءة، فقد حرص على أن يكون للضوء والظل تأثير مباشر في الدراما، ولذلك وجدته يطلب تسليط الضوء من أعلى ليسقط من فوق رأس البطل كمال الشناوي الذي تحول امام الكاميرا الى شكل مخيف، وهو أول من أطلق عليًّ لقب ''عبقري الإضاءة''، وبعدها أصبحت أصغر مشرف إضاءة في مصر بأجر قدره ثلاثون جنيهاً في الشهر، وبدأ المخرجون يطلبونني بالاسم· وحول ما تعلمه من كبار مديري التصوير يقول: أول من تعلمت منه كيفية توظيف الإضاءة لتعطي تأثيرات درامية على الصورة السينمائية كان محمد عبدالعظيم رائد التصوير في مصر، ومحمد عز العرب والحاج مصطفى حسن، ثم ظهر احمد خورشيد وكان من علامات التصوير السينمائي، وأضاف الكثير من خلال احساسه ودراسته للتصوير في فرنسا، وعملت معه في أفلام ''البوسطجي''، و''شيء من الخوف''، و''الشيماء''، وكلها أفلام حصدت الجوائز· ويوضح خبير الإضاءة التطور الذي لحق بعمله قائلاً: في البداية كانت السينما تعتمد على أجهزة بدائية، ولذلك كان مدير التصوير يبذل جهداً كبيراً لتخرج الصورة متوازنة، ويستعين بغصن شجرة أو أي شيء ليضيف ظلالاً تقلل مساحة اللون الأبيض على الشاشة· وهناك أفلام ومشاهد كثيرة كانت الإضاءة فيها هي البطل، وما زلت أذكر أزمة فيلم ''شيء من الخوف''، وكيف يمكن أن تلعب الإضاءة دوراً مؤثراً على الشاشة وفي تخفيض التكلفة الانتاجية، فقد اعد المخرج الراحل حسين كمال مشهداً يضم 2000 من الكومبارس ليظهروا في حالة ثورة ضد الطاغية ''عتريس''، لكن الإنتاج لم يتمكن من توفير هذا العدد الضخم، وبهدوء اقترح احمد خورشيد مدير التصوير مضاعفة عدد المشاعل التي تحملها المجاميع على أن تقوم الإضاءة بدور في الإيحاء بمضاعفة العدد، ونجحت في تنفيذ الفكرة وأصبح ذلك المشهد من أجمل المشاهد· علامات وحول علاقته بالمخرجين يقول: في الكواليس المخرج هو سيد العمل، هكذا تعلمنا، أما الآن فقد تبدلت الأحوال، وأصبح كثير من المخرجين يتنازلون عن دورهم لصالح البطل أو النجم الذي يتدخل في كل شيء· لقد عشقت السينما من خلال العمالقة الذين عملوا بحب وتفان وكأنهم في معزوفة موسيقية، لكل منهم دوره الذي يجيده ورؤيته، وكل واحد يشعر أنه نجم في مجاله، لذلك تظل أسماؤهم علامات مثل: محسن نصر وحسن التلمساني ملك الأفلام التسجيلية، ومحمود عبدالسميع الذي يتعامل مع الصورة السينمائية برؤية تشكيلية ويرسم السيناريو بالضوء والظل، وعبدالعزيز فهمي ورمسيس مرزوق وماهر راضي· وعن اجمل الذكريات في كواليس السينما يقول: ربطتني علاقات صداقة وحب مع عدد كبير من النجوم، منهم الراحل فريد شوقي الذي كان ملك البساطة والمرح وكواليس أفلامه مليئة بالذكريات السعيدة، والفنان محمود ياسين الذي عملت معه منذ بداية ظهوره، وهو فنان شديد الرقي، ويتعامل بأناقة حتى في مداعباته وقفشاته، ورغم خبرته في المجال فإنه لا يحب التدخل في عمل الآخرين، بينما نجد نور الشريف مثلاً يراقب ويشارك في رؤيته للإضاءة بحكم هوايته للتصوير، وكذلك كمال الشناوي، لأنه فنان تشكيلي له رؤية، ويعرف كيف يختار الزاوية، ويدرك تأثير الضوء والظل على الصورة· ولا يمكن أن أنسى الفنان رشدي أباظة، فقد كان رقيقاً حريصاً على الاطمئنان على جميع الفنيين قبل التصوير، ويسألهم عن أحوالهم وحياتهم وكأنه واحد منهم، وكنت أعتبره صديقي وأخي، ولم أصادف أحداً في أخلاقه سوى الزعيم عادل امام الذي يعد اكثر النجوم قرباً من قلبي· وعن أكثر الفنانات القريبات من قلبه يقول: الراحلة تحية كاريوكا وهند رستم ونادية لطفي، فقد كانت كل واحدة بمثابة أخت تسأل عني اذا غبت عن البلاتو، وتطمئن على صحتي اذا أصابتني وعكة· بعد رحلته الطويلة فضّل الحاج محمد محمود الاعتزال، ورفض العمل في الدراما التليفزيونية، لأن الإضاءة في التليفزيون ليس فيها مساحة كبيرة للإبداع حيث يتم التعامل مع أربع كاميرات، وتوزيع الإضاءة غالباً على شكل ''المقص المفتوح''، أما السينما فتغيرت أحوالها ولم تعد الأفلام تحمل قيمة حقيقية أو متعة·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©