الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السيناريست المبدع المنسي!

8 يونيو 2008 03:36
يحاول الكلام منذ نشأته الأولى أن (يصوّر) ما بدواخله من أفكار أو أحداث أو أخبار يختزنها لينقلها إلى الآخر والذي بدوره يسترسل بقنوات المتلقية إلى تحويله إلى صورٍ تختزن الكلام وتعيد ترتيبه وفرزه من جديد حسب وعائه المعرفي ومخزونه الخاص (كلمة سيناريو مشتقة من كلمة scina والتي تعني بالإيطالي المنظر)· وقد مرّ الكلام عبر نفقٍ طويل من التجارب ولبس العديد من الأثواب، بدءاً برسوم الكهوف البدائية والأصوات ثم الكلام وفنونه العديدة التي تطورت بالتراكم كالشعر والرواية والمقام والقصة وغيرها من ضروب اللفظ؛ والسيناريو من ضمنها· ولكن ثمة ذهنية مختلفة ومغايرة ينطلق منها السيناريو تجعل منه إلى جانب شقه الإبداعي، صناعة تكنيكية تحتاج إلى الدربة والحرفية حتى تتم عناصره التي تقدمه لنا بشكله الأخير، حيث إن السيناريو مهمته تقتضي تحويل الأفكار والأقوال التي ينطلق منها الكاتب، إلى أفعال وحركات درامية معاشة، بحيث تجسّد أمام الكاميرا، أو تحويل ما هو أدبي إلى ما هو بصري· من هنا يفترق السيناريو بين نوعين، الأول هو السيناريو الذي يحول الأعمال الأدبية العظيمة إلى السينما او التلفزيون أو الإذاعة، والثاني هو السيناريو المشغول من أصله للمرئي أو المسموع· لقد قيل الكثير عن السيناريو في محاولة لتعريفه بشكلٍ دقيق، من قبيل: فيلم على ورق، أو ''رواية سينمائية''· ولعل التعريف الأشد اقتراباً من كنه السيناريو الذي يقول إنه: ''صورنة الكتابة''؛ أي تحويل الكتابة إلى صورة· ومن هنا كان لزاماً على السيناريو أن يحتوي على الوصف لمشهد ما إن كان داخليا أو خارجيا، ليلاً أم نهاراً· من هنا تأتي أهمية توصيف لويس هيرمان للسيناريو حيث رآه أنه عبارة عن ''خطةٍ وصفية تفصيلية مكتوبة في تسلسل جامع بين الصورة والصوت، تقدم إلى المخرج الذي يحولها إلى واقع مرئي سمعيّ''· وقد يكون السيناريو هو أكثر نوع من أنواع الكتابة يحتاج إلى تكنيك إعادة الكتابة، أي إنه ''بروسترايكا'' لفظية تتم فيها إعادة هدم وبناء للمكتوب أصلاً أو المقررة في الفكر على الأقل؛ وحتى أن الكثيرين يرون أن السيناريو الضعيف هو سيناريو لم يرجع إليه صاحبه كما يجب لتخليصه من شوائبه ومعوقاته التي تعيب بناءه الفني، كالتكرار أو الأخطاء اللغوية أوالأفكار السمجة أو المعادة· وبتقدم السينما تقدمت أشكال وأنواع السيناريوهات والنصوص المكتوبة، فأصبح هنالك سيناريو شعري وآخر تشكيلي وسردي ودلالي وغيرها من التصنيفات التي يذهب إليها النقاد ويشتقونها من طرائق كتابة النص السينمائي· الأداة التي أدخلت لاحقاً إلى السينما في بداياتها (الصامتة) والتي كان بطلها الأول هو المصور· وقد بدأت كتابة السيناريو على شكل ورشة عمل يعمل بها أكثر من كاتبٍ مع المخرج (عادت اليوم هذه التنقنية)، ليكون العمل متكاملاً ومتسقاً مع ذهنية العاملين في الفيلم (البصريين والذهنيين)· مما تقدم، نخلص إلى أن أهمية السيناريست لا تقل مطلقاً عن المخرج والممثل والروائي والشاعر وغيرهم ممن يحظون باحترامٍ خاص، وهنا لا بد أن أستند إلى نظرية تداخل الفنون وتقاطعاتها الجمالية في دوائر تتسع أو تضيق، مهما اشتد الاحتراف والتخصص فلا بد أن هنالك مساحة مشتركة يتقاطع فيها على سبيل المثال السيناريست والمخرج والممثل للوصول إلى رؤية مشتركة، وإن تشدد أحد هؤلاء الأطراف وأكدّ على نظرية بارت في موت المؤلف وخروج النص من الذهن للصورة يحدث بتقنية لا تعني السيناريست كثيراً، كما حدث في الفيلم الشهير اعترافات عقل خطير لكاتبه ذائع الصيت شارلي كوفمن حيث رفض جورج كلوني أي تدخلٍ منه أو إبداء أية ملاحظة!، عكس مخرج الفيلم الذي ترافق وشارلي ساعات كثيرة من أوقات التصوير يناقشه حول كل شيء· برواج الدراما السورية مؤخراً، ووجود أزمة نص حقيقية في البلد، حاول الكثير من أصدقائي الأدباء كتابة سيناريو، إلا أنهم باؤوا بالفشل الذريع على أن أهميتهم الكتابية والمعرفية فوق الوصف!· والسبب يعود إلى صعوبة هذا النوع من الكتابة واشتراطاته المختلفة· أحاول في هذه الزاوية فقط، أن أرفع قبعتي لكل كاتب سيناريو مبدع في الوطن العربي على الأقل لأنهم لم يأخذوا حقهم كما حدث في الغرب (السيناريست الأميركي شارلي كوفمان دخل قائمة أكثر 100 شخص نفوذاً وتأثيراً وقوة في أميركا منذ عشر سنوات ومازال!!)، وآمل أن يصل بنا التراكم الفني إلى احترام كل جزئية من أجزاء الفن السابع، وبقية الفنون·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©