الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عاصم

عاصم
8 يونيو 2008 03:40
لا أعرف حقا السبب الذي دفعنا لتسميته بهذا الاسم· (عاصم) ليس من الأسماء المعتادة للقطط·· كل قط يحترم نفسه لابد أن يحمل اسم (مشمش) وكل قطة تحترم نفسها اسمها (بوسي)، لكن هذا الاسم العجيب ولد فجأة من دون ترتيب مسبق· كان هذا الشيء الصغير بحجم قبضة طفل في الخامسة، يرقد جوار إطار سيارة في شارعنا ويصرخ كرضيع بلا توقف بصوت عالٍ رفيع· لا يمكن أن يكون إنسان في مصر لم يسمع صراخه في ذلك الصباح، فلا أجد سوى احتمال أن أمه صماء أو أنها توفيت· تصرفت بلا تفكير وحملت الشيء الصغير في يدي وباليد الأخرى ابتعت له كيسا من اللبن، وعدت لأتلقى اللوم من زوجتي التي لا تطيق أن تجد علبة ثقاب في غير موضعها· تصور ما سيحدثه هذا الشيطان الصغير من دمار في حياتنا· وضعت القط الصغير أمامها وقلت لها في هدوء إن بوسعها أن تتخلص منه متى شاءت· طبعا لكي تفعل ذلك يجب أن تحمل جزءا من شخصية (أبولهب) و(فرعون موسى) مع مسحة من (هتلر) و(آل كابوني)·· هكذا سمعت صوت مياه الحوض وصراخ القط بينما زوجتي تعطيه الحمام الأول، ثم تنظفه بمزيل للبراغيث، ثم تفرغ زجاجة قطرة العين التي أستعملها كي تستعملها هي لإرضاعه· ويتعالى صوت الفم الصغير وهو يمتص اللبن من القطارة· شعرت برضا ونمت سعيدا لأنني أنقذت هذا الكائن التعس من الموت تحت عجلة سيارة· المشكلة هي أن زوجتي صارت تكرس وقتها بالكامل من أجل هذا القط الصغير·· لدينا أبناء لكنهم كبروا بما يكفي· وأصبت بالذعر عندما وجدت أنها تنصرف مبكرا من العمل كي لا يشعر القط العزيز بأنه وحيد· الآن صار نصف الثلاجة مملوءا بالسمك المجمد المخصص للقط العزيز، ولا يمكنك أن تمشي في مكان ما من دون أن تشم رائحة السمك المسلوق اللعينة· دعك من رائحة الفضلات طبعا·· هناك أكثر من وعاء مملوء بالرمل مخصص لقضاء حاجة القط، لكن دعني أؤكد لك أن هذا لا يمنع أن تضرب الوعاء بقدمك وأنت شارد الذهن لتتسخ السجادة، دعك من الرائحة طبعا لأن الرمل لا يكفي لإزالتها· الوغد الصغير يمرح في البيت·· ينام على فراشي وعلى المقعد الذي أفضله عند مشاهدة التلفزيون، فإذا مددت يدي لأبعده كان رد الفعل كالبرق: بخ خ خ! وأسترد يدي لأجدها قد تحولت إلى شرائح دامية، بحيث يمكن أن تلعب دور البطولة في أي من أفلام الرعب الحديثة· يمكن أن تجلس لتقرأ ثم ترفع عينك فجأة لتجده على المكتب جوارك، يربض على بطنه في وضع تربص كنمر وسط الأحراش، وهو يحرك مؤخرته حركة رحوية بطيئة بهدف ضبط التصويب· وهو يقصد طبعا تلك الكرة السوداء الراقصة في محجر عينك·· هواية صيد العيون هواية محببة لديه، لكن زوجتي مصرة على أنه يمرح لا أكثر· قلت لها إن القط شرس بحق ومن الواضح أنه ينتمي لأسرة من أسفل قطط الشوارع شديدة التوحش، فقالت لي في حزم: - ''لقد حرم من أمه وهو ما زال رضيعا فماذا تتوقع ؟'' ثم تعرض علي التخلص منه بمعرفتي·· هكذا أتخيل هذا القط المدلل الذي يستحم بالشامبو بينما أنا أحمله في سيارتي إلى أرض قفر، ثم أتركه هناك وهو ينظر لي بعينين متسائلتين بينما أنا أركب سيارتي مبتعدا···!··· مستحيل!··· لقد قرأت موقفًا شبيهًا في قصة (مومو) لإيفان تورجنيف، وما زال تذكر المشهد يبكيني، فماذا عن عمل ذلك في الواقع؟ هكذا أقبل الخدوش واصطياد ساقي وكعب رجلي، وأتحمل·· المشكلة أن الوغد يكبر بسرعة جنونية وسوف يتحول إلى نمر خلال أسابيع· والغريب أنه لا يؤذي أحدا في البيت سواي، فهو لم يخدش الأولاد قط·· معنى هذا أن مشكلته في الحياة هي أنا·· هناك قاتل متعطش للدماء تحت سقف بيتي، ولا أجرؤ على التخلص منه، كما أن زوجتي تحبه كثيرا وترفض أن يؤذيه أحد· لهذا أحيطكم علما: لو وجدتم في الأسابيع القادمة جثتي ممزقة بوحشية وبركة دم تحيط بها، فلا تتعبوا رجال الشرطة ولا تضيعوا وقتهم الثمين·· الفاعل قط وديع حرم من أمه اسمه (عاصم)·· د· أحمد خالد توفيق aktowfik@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©