الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التعويضات السيليكونية تستنبط حلولاً تجميلية لمبتوري الأعضاء

التعويضات السيليكونية تستنبط حلولاً تجميلية لمبتوري الأعضاء
1 مايو 2010 20:43
رتق الفراغ العضوي بالسيليكون ليس مجرد مهنة، تحترفها أشواق حمود، بل هو صك غفران يمنحه المصاب لحادثة قضت على الارتباط الأبدي «المفترض» بين الجسم وأعضائه. ومنذ عشر سنوات تصنع حمود قطعا فنية «غير اعتيادية»، تكتسب بعدا إنسانيا لحظة التصاقها بأجساد بشرية حكم عليها بفقد جزء منها. شغفها بمساعدة الآخرين والتواصل معهم نقل أشواق حمود من الأعمال الإدارية إلى خوض غمار تجربة ملء فراغات روحية قبل أن تكون عضوية، فعندما تقدمت بطلب توظيف لمستشفى راشد، التابع لهيئة دبي للصحة، لم يدر بخلدها أن ذلك سيشكل منعطفا دراماتيكيا في حياتها المهنية، فرغم أنها رغبت بوظيفة تلائم تخصصها في مجال السكرتارية التنفيذية إلا أن عدم وجود شاغر ألحقها بالعمل كمساعدة علاج طبيعي في المستشفى الذي تأسس عام 1971. استمتعت حمود بالعمل واندمجت به، لم تطالب بنقلها إلى وظيفة أخرى توافق خلفيتها الأكاديمية. إلى أن، شد انتباهها معمل في أحد جنبات المستشفى، ينتمي إلى قسم «الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل» مهمته إنتاج أعضاء بشرية تناظر الطبيعية؛ فترددت إليه وتواصلت مع المسؤول عنه دارل أتكنز، الذي أشعل في نفسها حماسة الانضمام إلى فريقه الذي يبدأ وينتهي عنده. نهلت من معين الهندي أتكنز، بوصفه أحد عرابي صناعة الأعضاء التجميلية، وبدأت معه كمترجمة ثم تعلقت بالعمل الذي انسجم مع ملكاتها الفنية. ولما أدرك أتكنز ذلك شجعها على خوض غماره ، خصوصا أنه عمل حرفي يعتمد على الممارسة والخبرة. في الإطار ذاته، تؤكد حمود، أول نحاتة طبية إماراتية، عدم وجود أي جهة أكاديمية في العالم تمنح درجة علمية في هذا المجال. إذ إن ممارسي المهنة وهم قلة، وفقها، يتلقون دورات متخصصة بتشريح الجسم البشري، ومن ثم يتدربون على يد اختصاصي تعترف به «المؤسسة الدولية للأطراف الاصطناعية التجميلية»، ومقرها الولايات المتحدة، لمدة لا تقل عن خمس سنوات يخضعون بعدها لامتحان الإجازة، مشيرة إلى أنها ستؤديه العام المقبل في إيطاليا استكمالاً لمتطلبات الحصول على مسمى «اختصاصية ترميم وأطراف اصطناعية تجميلية». تبدأ مراحل تعويض الجزء المفقود، وفق حمود، بتواصل المريض مع طبيبه، الذي يعد تقريرا شاملا عن حالته الصحية من الناحية العضوية، يتلقاه المعمل، الذي يعد بدوره تشخيصا تقنيا للحالة يتضمن قياس أبعاد العضو المبتور مقارنة بالجزء النظير. يليه تقديم شرح واف للمريض عن خطة العمل والاختلاطات المحتملة؛ لتشرع حمود بتشكيل عضو شمعي مشابه للعضو المبتور من حيث التضاريس التشريحية، وتجريبه على المريض، وإجراء التعديلات قبل صنع قالب صب السيليكون. وتلفت حمود إلى أن الأعضاء الاصطناعية كلها تصنع من مادة السيليكون باستثناء العيون والأظافر فإنها تصنع من الأكريليك. وبانتهاء صنع العضو السيليكوني، تقول حمود إنه يجرب على المريض للتأكد من مدى مطابقته للعضو المناظر لاسيما من ناحية لون البشرة والتفاصيل الأخرى، منوهة إلى ضرورة إجراء التعديلات بدقة وصولا إلى عضو مشابه تماما للعضو المفقود. وتبين وجود تقنيات مختلفة لتركيب العضو التعويضي من بينها استخدام صمغ طبي «آمن». وتؤكد حمود أن العين من أنجح الأعضاء التي يتم الاستعاضة عنها، إذ تبدو حقيقية خصوصا في حال سلامة العضلات القابضة التي تمكنها من الحركة، بيد أنها توضح أن المريض يتدرب على أن لحركة عينه «الجديدة» حدوداً لا يمكنه تجاوزها لتبدو نظرته طبيعية، مبدية حرصها على تزويد العين بكل السمات الحيوية كالشعيرات الدموية التي تغطي المقلة العين، والاهتمام بلونها ولمعتها. وتشير إلى أن الفترة الزمنية التي تحتاجها عملية التصنيع تتراوح ما بين ثلاثة أيام إلى ثلاثة أسابيع وفق العضو المفقود، موضحة أن اليد هي أكثر الأعضاء تعقيدا لجهة التصنيع. وتشدد حمود على أن الغرض من العضو التعويضي ليس تجميليا صرفا، بل إن له انعكاسات نفسية تجنبه الحرج لاسيما إذا كان الجزء المبتور ظاهرا. وفي مواجهة «اضطراب ما بعد الكرب» الذي تخلف حادثة، تسببت بفقدان مساحة جسدية، أو الإصابة بمرض نجم عنه استئصال لعضو، لجأ الطب إلى إعادة الامتداد العضوي إلى خارطة الدماغ العصبية من خلال تعويضات سيليكونية تفتقر إلى الوظيفية ولكنها تعين المريض على مواجهة المجتمع، وتلافي نظرات قاسية تضعه في خانة «المشوه»، في سياق متصل، يقول اختصاصي الأمراض النفسية محمد الحباشنة إن المريض عقب تعرضه لأزمات تخلف إيذاء نفسيا أو جسديا، يعاني من متلازمة «اضطراب ما بعد الكرب»، موضحا أن أعراض المتلازمة تمتد لسنوات، وتترافق بتبعات خطرة من بينها «التهيجية»، التي تتلخص باضطرابات النوم، والتحفز الشديد، فيما تتجلى تبعات «إعادة الحادثة» بومضات اقتحامية تذكره بالحادثة وتمنعه من المضي قدما. ويبين أن من بين أدق الأعراض «التجنبية» التي تصيب المريض، وفق الحباشنة، تحاشي النظر إلى المرآة إذ يجد صعوبة في تلمس هويته الشكلية ما يؤزم علاقته بذاته، منطلقا من أن الوجه هو المكون الأساسي للهوية، وأي خلل يمسه يؤثر على الاستقرار النفسي للفرد ويهز ثقته بذاته. ولأن الجسم البشري نسيج متشابك، يسير وفق منهج محدد، يعاني أفراد تعرضوا لبتر عضو ما من اضطراب «الطرف الخيالي»، الذي يشرحه الحباشنة بالقول إن «للدماغ خريطة عصبية ترسم امتدادات الجسد وحدوده، وحين يفقد الجسم جزء منه يستمر الدماغ بالتعاطي مع الجسد بالآلية ذاتها حتى يدرك أنه لم يعد موجودا، فيشرع بصياغة خريطة عصبية مستحدثة وفق معطيات جسدية جديدة». ويشدد الاختصاصي على أهمية خضوع المريض لترميم العضو المشوه، مؤكدا أن الإجراء ورغم أنه لن يمنحه النسخة الأصلية إلا أنه سيمنحه نسخة «شبيهة» تعينه على التأقلم. ويخلص إلى أن الإجراء التعويضي يمهد لاجتياز الحادثة بكل متعلقاتها وظروفها وشخوصها، ويحضره لبداية جديدة. ورغم أن الإجراء التعويضي ليس سوى استعارة جماد ليحل محل عضو مبتور يحاكيه في الشكل ويجافيه في الوظيفة، بيد أن هذه الوظيفة الشكلية تعين المصاب على التآلف مع حالته؛ فآدم، الذي أصيب في طفولته برمد ربيعي، فقد الرؤية بإحدى عينيه بسبب علاج خاطئ، ومع أنه تأقلم مع الأمر غير أن التهاب عينه المعطوبة في سن السادسة والثلاثين حمل الأطباء على استئصالها منعا لتفشي الأضرار. وبعد الاستئصال شعر آدم بضغوط «رهيبة»، واضطراب «شديد». يقول:»أحسست بفراغ هائل بعد أن فقد عيني التي لم أكن أرى بها أصلا، لم أكن أجرؤ على النظر في المرآة، بقيت أغطي مكانها بالضمادات فشعوري بفقدها ظل يؤرقني». ويتابع :»اتكلت على إيماني بالقضاء والقدر لاجتياز معاناتي التي امتدت إلى شهرين، في غضون تلك الفترة سمعت بالتعويضات التجميلية فاتجهت إلى طبيبي الذي حولني إلى القسم الذي تعمل به حمود وإلى حين انتهاء تصنيع العين البديلة استخدمت عينا اصطناعية جاهزة ومؤقتة». ويمضي آدم، الذي يعمل في التجارة، «بعد سلسلة لقاءات وبروفات حصلت على عيني الجديدة التي منحتني مظهرا أفضل، شعرت حينها بفرحة غمرتني وساعدتني على الانفتاح على المجتمع وتجديد ثقتي بنفسي فعدت لممارسة عملي». ويخلص إلى أن «العين الاصطناعية كانت بمثابة النور الذي ظل يحفزه على الاستمرار بينما كان يعبر نفق المعاناة».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©