الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الركود الاقتصادي... ومستقبل الرأسمالية

الركود الاقتصادي... ومستقبل الرأسمالية
3 أغسطس 2009 01:34
للمرة الأولى خلال عدة عقود، بدأ الناس مناهضة فكرة أن يكون نظام السوق الحرة -وهو النظام الذي يهيمن على الاقتصاد العالمي اليوم- قدراً محتوماً لكافة الشعوب والأمم، فبفعل قدرته غير المحدودة على إغناء النخب الاقتصادية، مقابله عجزه غير المتناهي عن تخفيف وطأة الفقر المدقع بين الشرائح الأكبر من المجتمعات، استطاع هذا النظام الوصول بالظلم الاجتماعي الاقتصادي إلى حد الانفجار، وعليه فإننا نمر بمنعطف تاريخي بالغ الأهمية، يمكن أن تبرز فيه بدائل جديدة لليبرالية الجديدة الرأسمالية. ولعل هذا هو الوقت الملائم جداً للنظر إلى مختلف الحركات الثورية التي ناهضت النظام الاقتصادي المهيمن وبنى القوى الإمبريالية القائمة خلال القرون الخمسة الماضية، في فترات متباينة ودورية. فقد فتح انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 الباب على مصراعيه أمام إجراء الانتخابات الليبرالية الديمقراطية، وما تبعها من توسع هائل لنظام السوق الحرة عالمياً، وبالنتيجة فقدت الثورة والاحتجاج الاجتماعي بعض بريقهما إلى حين، وعندها زعم مؤرخون بارزون أن عصراً جديداً قد دشن، لم تعد تستطيع فيه الحركات الثورية مناهضة الوضع الرأسمالي القائم، واستبد الاشتباه بالمدافعين عن النظام الجديد في إمكانية حدوث أي شكل من أشكال التعبير والاحتجاج أو الصراع من أجل السلطة خارج النظام الانتخابي السائد، غير أن الملاحظ أن هذا الخطاب الليبرالي الجديد قد طرح جانباً كافة لحظات التوثب الإنساني والتطلع نحو العدالة الاجتماعية طوال القرون الخمسة الماضية، وهو توثب مشحون بأشواق البشرية إلى العدالة والديمقراطية والحقوق الاجتماعية. كما سبقت الإشارة، فإن دعاة الليبرالية الجديدة لا يأبهون بهذا التاريخ ولا يحسبون حساباً لإمكانية إقامة مجتمع آخر بديل وقادر على التخفيف من مآسي الفقر التي اجتاحت العالم قاطبةً. لكن وعلى نقيض هذا النظام الرأسمالي الفردي، تتوافر من الأدلة على صعود حركات دولية جديدة نذرت نفسها لإقامة العدل الاجتماعي والدفاع عن حقوق الإنسان، مع العلم أن هذه الحركة قد نهضت قوية من رماد الماضي كما طائر الفينيق. وخلال العقد الماضي وحده، شهدنا اتساع حركات احتجاج العاملين وانتفاضات الفلاحين والسكان الأصليين، جنباً إلى جنب تصاعد احتجاجات البيئيين والحركات المطالبة بالحرية والديمقراطية. وكثيراً ما نظر المؤرخون إلى الثورات على أنها أحداث استثنائية واضطرابات يصعب التكهن بها في تنظيم الدولة للحياة اليومية للأمم والشعوب، بيد أن هذا التصور ليس صحيحاً في واقع الأمر. فخلال عملي على الموسوعة الجديدة للثورات والاحتجاجات، تمكنت من مراجعة تاريخ الحركات الثورية على امتداد خمسة قرون متصلة، وقد بهرني فيما توصلت إليه من ملاحظات أثناء تلك المراجعة، من انتظام نمط انفجار النزاعات والاضطرابات، وبين هذه النزاعات قاسم مشترك عام تقريباً يجعل منها أشبه بموجات الاحتجاج الاجتماعي المدني من داخل المجتمعات نفسها، بغية مواجهة شتى أشكال الظلم والقهر الذي تتعرض أقسام واسعة من تلك المجتمعات. وبينما يصعب على المؤرخين التكهن المسبق بموعد ومكان حدوث الثورات هذه، فإن هذا العجز لا ينفي انتظام ودورية أحداث المقاومة الشعبية للظلم، كما يُظهر التاريخ أهمية وجود حركات اجتماعية حاملة لقيم الثورة وأهدافها، إلى جانب أهمية وجود قادة استراتيجيين يتحلون بأعلى درجات الكاريزما والقدرة على إلهام الأغلبيات الشعبية وإقناعها بمناهضة وهز أركان الظلم القائمة، كما لا بد لأي ثورة من أن تكون لها أيديولوجيتها المقنعة والمبررة لجماعية العمل الاحتجاجي. ولا غنى لهذه الأيديولوجية لكونها أداة لازمة للضغط على المجموعات المهيمنة وإرغامها على التصدي لمظاهر الظلم الاجتماعي، أو للإطاحة بهذه المجموعات تماماً، كما يؤكد التاريخ مواجهة الحكومات التي تسفه مطالب شعوبها ومظالمهم خطر الإطاحة بها. على سبيل المثال، فقد كانت رؤية وحركات مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، عاملاً رئيسياً في الإطاحة النهائية بذلك النظام الذي كان يسوده البيض ضد الأغلبية السوداء. وعلى نقيض الثورات التي تحاول الوصول إلى السلطة عبر قنوات الدولة الليبرالية الجديدة، يلاحظ أن معظم الثورات الشعبية التي حدثت خلال الأعوام الـ500 الماضية، خلفت وراءها رصيداً مستداماً يدل دلالة واضحة إلى تطلعها نحو تحقيق العدالة الاجتماعية إلى اليوم، وعلى الحركات الثورية أن تدرك استدامة ورسوخ سلطة الدولة الليبرالية الجديدة الرأسمالية. بيد أن تجارب التاريخ تشير إلى بعض الاستثناءات النادرة هنا. وعليه، يمكننا أن نخلص إلى أن إحداث التحول الثوري على الوضع القائم يظل ممكناً، رغم الصعوبات والعقبات التي تعترض طريقه. إمانويل نيس أستاذ العلوم السياسية بكلية بروكلين التابعة لجامعة «سيتي» في نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©