الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

داريوش شايغان الناقم على الأصوليات

داريوش شايغان الناقم على الأصوليات
4 ابريل 2018 03:58
قدمٌ في الشرق وقدمٌ في الغرب: هذا هو داريوش شايغان الذي رحل عنا مؤخراً عن ثلاثة وثمانين عاماً. والواقع أنه أمضى معظم حياته متنقلاً بين عاصمتين: طهران وباريس. ومعلوم أنه نفى نفسه من إيران بعد ثورة الخميني لمدة اثني عشر عاماً، احتجاجاً على النظام الأصولي الذي استلم السلطة. ففي جو الأصولية الخانقة، أو الزاعقة لا يستطيع المرء أن يتنفس أو يكتب بحرية عن شؤون الفكر والدين والسياسة. بيد أن هذا المنفى الباريسي كان مكسباً للفكر. ففي أثنائه ألف داريوش شايغان معظم مؤلفاته الأساسية التي أطلقت شهرته في شتى أنحاء العالم. وبالتالي فلولا هذا المنفى لما ربحنا ما ربحناه. وكل هذه الكتب التي رسخت شهرته مؤلفة بالفرنسية مباشرة. في كتابه «آسيا في مواجهة الغرب» يرى شايغان أن الحضارات الآسيوية الكبرى، كالحضارة الصينية والهندية واليابانية والإيرانية والعربية كانت حتى القرن السابع عشر خلاقة ومبدعة جداً. وكانت تمثل وحدها 60 بالمائة من ثروات العالم. ولكن فجأة توقفت عن العطاء والنمو والإبداع. فجأة تكلست وتحجرت وانطفأت لكي تحل محلها الحضارة الأوروبية. نعم عندما توقفنا عن الإبداع وخرجنا من التاريخ راحت أوروبا تقلع بشكل صاروخي وتصنع الأنوار والحداثة. ومعلوم أن ديكارت أعطى للغرب المنهج العقلاني الذي ينبغي اتباعه من أجل السيطرة على الطبيعة وتدجينها من خلال كتابه: مقال في المنهج. لقد أعطى أكبر فيلسوف فرنسي للغرب المفتاح الذي ينبغي استخدامه من أجل اختراع الآلات التكنولوجية العملاقة. ولكن هذا التفوق العلمي سلاح ذو حدين للأسف الشديد. فقد أعطى للغرب أيضاً إمكانية استعمار العالم والسيطرة عليه. في كل الأحوال فإن «روح العالم»، كما يقول هيغل، أي روح الحضارة، انتقلت من الشرق إلى الغرب، أو من آسيا إلى أوروبا بدءاً من القرن السابع عشر بل وحتى السادس عشر، عصر النهضة. على هذا النحو انتهى العصر الذهبي للعرب المسلمين وابتدأ عصر الانحطاط الذي لم نخرج منه حتى الآن بدليل تفشي الإسلام السياسي الخميني- الإخونجي في الشارع العربي والإيراني والتركي.. الخ.. عداء تاريخي بعد أن وصلنا في الحديث إلى هذه النقطة يمكن أن نطرح على داريوش شايغان السؤال التالي: ماذا كان موقف مثقفي الإسلام من هذا الوضع؟ ويجيب بما معناه: عندما أحسوا بتأخرهم قياساً إلى الغرب الأوروبي- الأميركي راحوا يقولون: نأخذ من هذا الغرب اللعين التكنولوجيا ونترك ما تبقى. بمعنى آخر فإنهم رفضوا أخذ روح الحداثة أو فلسفتها وجوهرها العميق. رفضوا منهجيتها النقدية العقلانية وخافوا منها على التراث. ولكننا نعلم أننا لا نستطيع فصل التكنولوجيا عن العقلية العلمية التي ولدتها. والشيء المدهش هنا هو أن المثقفين اليابانيين تبنوا خياراً آخر مختلفاً عن خيار المثقفين المسلمين من عرب وإيرانيين وسواهم. فقد قبلوا بالحداثة ككل روحاً ومادة ولم يخافوا منها على تراثهم العريق. ولذلك ترجموا روح الغرب ونقلوا علمه التكنولوجي في ذات الوقت. وكان ذلك في عهد سلالة الميجي، أي الحكم المستنير (1868- 1912). ولهذا السبب نجح الإقلاع الحضاري لليابان وفشل الإقلاع الحضاري الإيراني والإسلامي ككل. ويخلص المفكر الإيراني الكبير إلى أن المثقفين الآسيويين من يابانيين وصينيين وهنود كانوا أكثر إقبالاً على أفكار الغرب وروح الغرب من المثقفين العرب والمسلمين والإيرانيين. وسبب ذلك هو أن العداء التاريخي بين العالم الإسلامي والعالم الأوروبي كان أكبر من العداء التاريخي بين العالم الياباني والغرب. فالمنافسة الحامية والمسعورة بين عالم الإسلام وعالم المسيحية كانت مشتعلة على مدار التاريخ. والمسلم في لاوعْيه العميق يعتقد بأنه متفوق ميتافيزيقياً ودينياً على المسيحي الأوروبي. ولذلك يتردد كثيراً في تبني جوهر الحداثة الغربية، بل ويعتبرها غزواً فكرياً خطراً على العقيدة والدين. أما الصينيون واليابانيون فلا توجد عندهم هذه الحساسية أو هذه العقدة تجاه الغرب. الظلامية الجديدة الفصل الأخير من هذا الكتاب يحمل العنوان التالي: الظلامية الجديدة. وكان يقصد بذلك صعود التيار الديني في الشارع الإيراني منذ عام 1977 تاريخ صدور الكتاب بل وحتى قبل ذلك بكثير. فهل تنبأ المفكر الكبير باندلاع الثورة الإسلامية قبل أن تحصل؟ هل أرهص بها واستبق عليها؟ يجيب: في الواقع أن ذلك كان بمثابة حدس لاواعٍ. ولكن تحليلي للظاهرة الخمينية بشكل مفصل لم يحصل إلا بعد اندلاع الثورة بسنتين أو ثلاث عندما أصدرت كتابي بالفرنسية في باريس عام 1982 تحت عنوان: ما معنى الثورة الدينية؟ وقلت فيه بأنه لا يوجد شيء اسمه ثورة دينية. فهذا تناقض في المفهوم. لماذا؟ لأن الثورة السياسية بطبيعتها تنتمي إلى مجال آخر غير مجال الدين. الدين فوقكل شيء ولا ينبغي تلويثه بالسياسة وألاعيبها ومناوراتها الإجبارية. وإذا ما استخدم فإنه يتحول إلى سلاح فتاك لإرهاب الخصوم وخنق الحريات عن طريق فرض الدولة الثيوقراطية اللاهوتية. الإسلاميون والأنوار متى سيدخل العالم الإسلامي عصر الأنوار؟ كان هذا السؤال هو الشغل الشاغل لداريوش شايغان. وكان يحز في نفسه أن تتمتع الشعوب الأوروبية بثمار الحداثة الأنوارية من دولة قانون، وتسامح ديني، واحترام للمرأة وثقة بقدراتها، ولا تتمتع بذلك الشعوب الإسلامية. وكان يقول دائماً إن رفض الأنوار يعني الوقوع في فخ الظلامية لا محالة. وكان يطرح هذا التساؤل: لماذا غادر الإيرانيون بلادهم بعشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف بعد الثورة الخمينية؟ وجوابه هو التالي: ليس بسبب نقص الحريات السياسية. فقد كانت معدومة في عصر الشاه ومع ذلك، لم يغادروا. إذن هناك سبب آخر هو التالي: لقد حاول النظام الأصولي إعادة عقارب الساعة إلى الوراء: أي العودة بهم إلى القرون الوسطى وفرض نظام عتيقٍ، بالٍ، عفى عليه الزمن. وهذا ما لم يستطيعوا تحمله. وبالتالي فسؤال الأنوار يطرح نفسه بكل إلحاح على الشعب الإيراني وكل الشعوب الإسلامية. انه السؤال رقم واحد لا اثنين ولا ثلاثة. التراث والحداثة يرى المفكر الإيراني أن العالم الإسلامي متمزق بين خطين: خط التراث العتيق، وخط الحداثة. ولم يستطع حتى الآن التوفيق بينهما بشكل متناغم، منسجم. والحل لن يكون على يد حركات الإسلام السياسي الخمينية- الإخونجية، لماذا؟ لأن رفض الغرب والتقوقع على الذات لن يخرج العالم الإسلامي من المغطس الانحطاطي الذي وقع فيه.. ولذلك أقول بأن الحل الذي تتبناه جماعات الإسلام السياسي يوصلنا حتماً إلى الفشل والطريق المسدود. إنه يعيدنا إلى الوراء بدلاً من أن يقذف بنا إلى الأمام. لقد خلق الملالي عالماً عتيقاً بالياً رجعياً مليئاً بالمشانق والجلد والرجم على رؤوس الأشهاد. وهذا شيء لا يتحمله الشعب الإيراني ذو التراث الروحاني والأخلاق المهذبة الحضارية. لقد حاولوا إعادته إلى القرون الوسطى وهو يرفض ذلك. لقد أعادوه إلى عصر الظلاميات الكهنوتية وهو يرغب بعصر الأنوار الحضارية. الشيزوفرينيا الثقافية ولذلك فإن شعبية الغرب ازدادت أضعافاً مضاعفة بعد الثورة الخمينية لدى جمهور الشباب والنساء خصوصاً. وازداد النفور من التدين القسري الإكراهي المفروض عليهم بالقوة من قبل الملالي. وللعلم فإن الشباب يشكلون 70 بالمائة من الشعب الإيراني. والنساء يناضلن بقوة ضد هذا النظام الرجعي. إنهن رائعات. وللعلم أيضاً، فإن الشعب الإيراني مصاب حالياً بالشيزوفرينيا أو انفصام الشخصية. فالفرنسي مثلاً، عندما يصل إلى طهران يفاجأ بظاهرة غريبة عجيبة: في النهار كل النساء محجبات في شوارع طهران. وفي الليل تحصل حفلات وأعياد صاخبة لا تقل حرية وعربدة عن أعياد باريس أو لوس أنجلوس! إنه لبلد مجنون، منقسم على نفسه، مصاب بالشيزوفرينيا. وهذا ما شرحته مطولاً في كتابي: الشيزوفرينيا الثقافية.. البلدان الإسلامية في مواجهة الحداثة. ثم يستدرك مردفاً: ولكن المجتمع الإيراني مليء بالطاقات الخلاقة المبدعة ولا يخشى عليه. ولذلك فعاجلاً أو آجلًا سوف يطيح بنظام الإسلام السياسي، ويُحل محله نظاماً ليبرالياً ديمقراطياً تعددياً. كل ما في الأمر هو أن هذا الشعب كان ينبغي أن يمر بمرحلة الظلامية الدينية ويكتوي بحرِّ نارها لكي يكرهها ويطلقها ثلاثاً (مكر العقل في التاريخ! هيغل). وهذا ما سيحصل أيضاً في العالم العربي والعالم التركي. لا مستقبل لحركات الإسلام السياسي على المدى الطويل. لا مستقبل للحركات الإخونجية- الداعشية. وذلك لأنها تمشي ضد حركة التاريخ وتشكل نشازاً على خريطة العالم المتحضر. وضمن هذه الظروف تطرح الأنوار الفلسفية نفسها كحل وحيد للشعوب العربية والإيرانية والتركية والإسلامية ككل. بعد أن تنجلي أوهامالظلامية التي خدرت الشعب الطيب الفقير. سوف تنتصر الأنوار الحداثية لا محالة. لماذا؟ لأن هذه الأنوار التي ظهرت في القرن الثامن عشر على يد فولتير وكانط والموسوعيين هي التي تحرر الإنسان من القيود والأصفاد التراثية. وهي التي تتيح تجاوز الطائفية والمذهبية عن طريق تشكيل فهم مستنير دولة مدنية لا تفرق بين المواطنين على أساس طائفي أو مذهبي. والواقع أن ثقافة الأنوار الأوروبية هذه انتشرت في شتى أنحاء العالم وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الكونية. وهنا يطرح شايغان المثال التالي: هل يحب أحدكم أن يتم القبض عليه تعسفاً بشكل مفاجئ ويلقى في غياهب السجون؟ هذا ما كان يحصل قبل انتصار الأنوار وتشكيل دولة الحق والقانون والقضاء المستقل في أوروبا. فولتير نفسه ألقوه بين عشية وضحاها في ظلمات سجن الباستيل الرهيب لفترة لأن فرنسا آنذاك لم تكن قد أصبحت دولة حق وقانون بعد. كانت لا تزال دولة تعسفية اعتباطية. وبالتالي فثمار الأنوار لا تقدر بثمن. وسوف تصل إليها الشعوب الإسلامية يوماً ما طال الزمن أم قصر. التنوير الإسلامي آتٍ لا ريب فيه. وعندئذ سوف نتوصل إلى فهم جديد للإسلام، فهم أنواري عظيم، فهم مضاد تماماً للخميني والقرضاوي وأردوغان وكل هذه الأشكال. وعندئذ سوف تنتهي الصراعات المذهبية والطائفية التي تكاد تدمر بلداننا العزيزة الغالية. وسوف تنتهي التفجيرات الإرهابية باسم الإسلام: هذه التفجيراتالتي شوهت صورتنا وصورة ديننا الحنيف وعقيدتنا السمحاء في شتى أنحاء العالم. من مؤلفاته ألف داريوش شايغان كتباً عديدة مثيرة للجدل، من بينها: ما معنى الثورة الدينية؟ (1982)، النظرة المبتورة (1989)، النور يأتي من الغرب (2005)، الشيزوفرينيا الثقافية: البلدان الإسلامية في مواجهة الحداثة (2008)، تحت سماوات العالم (2011)، الوعي الخليط المخضرم (2012) وهو يعني أننا أصبحنا جميعاً تراثيين وحداثيين في ذات الوقت، وكتاب الروح الشاعرية الفارسية.. دراسات حول الفردوسي، وعمر الخيام، وجلال الدين الرومي، وسعدي، وحافظ (2017). وهو آخر كتبه. وقد لقي نجاحاً منقطع النظير في إيران. فقد طبع تسع طبعات خلال سنة واحدة فقط. شيء من سيرته * داريوش شايغان، فيلسوف ومفكر إيراني بارز اشتهر بكتاباته عن الحضارات الشرقية وعلاقتها بالحضارة الحديثة والاختلافات الكبيرة في بنية هذه الحضارات. وتذكر موسوعة «ويكيبيديا» أنه أول من استخدم مصطلح حوار الحضارات، وذلك في مؤتمر عقد في طهران 1977. * ولد في طهران عام 1935 لأم جورجية ووالد مسلم ينحدر من الأقلية الآذرية في إيران. * نشأ في بيت يتحدث ساكنوه باللغات الروسية والفارسية والتركية والعربية، وكان مدرسه للموسيقى أرمنياً، وطبيب العائلة زرادشتياً، والسائق مسيحياً آشورياً، وهكذا فإن كل مكونات الفسيفساء الإيرانية الإثنية والدينية والقومية، كانت الجزء الحيوي من حياته. * في طفولته دخل داريوش مدرسة تبشيرية فرنسية، وفي 1954، أُرسِل إلى سويسرا ليدرس الطب، لكنّه اختار العلوم السياسية. تلقّى محاضراتٍ ألقاها الفيلسوف مارتن هايدغر. وأصبح بعدها طالباً عند العالم التربوي جان بياجيه. * عاد إلى إيران في 1960، وقرر أن يُصبح مُتخصّصاً باللغة والثقافة الهندية فدرس السنسكريتية، ليدرّسها بعد ذلك في جامعة طهران. * تم تعيينه في 1977 مديراً للمركز الإيراني لدراسة الحضارات بمرسوم ملكي وظل حتى 1979 عندما اندلعت ثورة الخميني الإسلامية، وتم إغلاق المركز. وقبل هذا، واجه اختباراته الروحية والفكرية فأصبح مسلماً ممارساً للعبادات، وانضم لجماعةٍ صوفيةٍ، وتعلّم العربية، ومارس التقشّف لسبعة أعوام، انصرف بعدها إلى دراسة الظواهر والفكر النقدي والتفكيكية. * حصل على جائزة الحوار العالمي 2009، جائزة اتحاد الكتاب الفرنسيين عن روايته أرض المعراج 2004. * توفي في 22/‏‏‏ 3/‏‏‏ 2018. بتصرف عن موقعي: ويكيبيديا وأبجد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©