الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجمهور أولاً.. وأخيراً

الجمهور أولاً.. وأخيراً
12 مارس 2013 20:41
برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، اختتمت مساء السبت الماضي فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان طيران الإمارات للآداب، الذي أقيم خلال الفترة من التاسع من الشهر الحالي وحتى العاشر منه بالشراكة مع طيران الإمارات، وهيئة دبي للثقافة والفنون (دبي للثقافة)، حيث شارك فيه كتّاب وناشطون في الثقافة من كافة الحقول التي تتعلق بالأدب والكتابة بمختلف أنواعها وكذلك بالأنشطة الثقافية وما يتصل بها من ورشات عمل خاصة وما يتصل بالتعليم وتبادل الخبرات في تنمية عادات القراءة والكتابة لدى الأطفال. في البدء، فإن السؤال الذي يطرحه هذا المهرجان على متابعيه، والمشاركين في فعالياته من الكتّاب المحليين والعرب يتحدد على النحو التالي: هل المهرجان دولي بالفعل؟ أي هل يستهدف الجمهور في مدينة دبي ومن ثم الإمارات كلها بوصفها مدينة تنزع إلى العالمية؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، وبحسب البرنامج الرئيسي للمهرجان، الذي جرى توزيعه بدءا من المؤتمر الصحفي الخاص بالإعلان عن فعاليات المهرجان وحتى اليوم الأخير منه وبطبعتين واحدة عربية وأخرى إنجليزية، لنتأمل في هذه الأرقام: بلغ عدد الجلسات في المهرجان بمختلف أشكالها ونوعية جمهورها نحو: مائة وثلاث وخمسين جلسة من بينها أربع وعشرون بالعربية ومن بين هذه الأربع والعشرين هناك تسع جلسات بالعربية والانجليزية وواحدة أخرى بالعربية والانجليزية ولغات أخرى. أيضاً بلغ عدد الكتّاب والناشطين الثقافيين المشاركين نحو مائة وثلاثة وعشرين كاتبا ، بينهم اثنان وأربعون كاتباً عربياً، ومن ضمنهم العديد من حملة الجنسية البريطانية وسواها، وتغيبت، بينهم الروائيتان أحلام مستغانمي لدواعي المرض وعالية ممدوح لأسباب تتصل بعدم التمكن من استكمال الأوراق الرسمية الخاصة بالدخول إلى أراضي الدولة، في حين أن عدد الكتّاب الإماراتيين بلغ من بين الرقم الأخير نحو عشرين كاتباً. مع ملاحظة أن الأبرز من بين الجلسات التي شارك فيها متحدثون عرب تحدثوا فيها باللغة الانجليزية، الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان مثلا لا حصرا، أو من الذين لديهم كتب مترجمة إلى الانجليزية أو مكتوبة بها ومتوفرة حيث المعرض في الردهة المقابلة للقاعات التي أقيمت فيها أغلب الجلسات. أما مَنْ تبقّى من الكتّاب والناشطين الثقافيين المشاركين فهم في أغلبهم من الانجليز بالدرجة الأولى، ومن الهند بالدرجة الثانية، أو من بلاد كانت جزءا من المستعمرات البريطانية لكنهم غالبا من حملة الجنسية البريطانية، لكنْ في المهرجان تمّت إعادتهم إلى أصولهم، أو هم سوى ذلك إنما يقيمون في بريطانيا وينتجون أدبهم بلغة أهلها بالإضافة إلى الكاتب المسرحي الأميركي جيفري ديفر الذي استضيف متحدثا في المؤتمر الصحفي الخاص بالإعلان عن فعاليات المهرجان إلى جوار الشاعرة نجوم الغانم. الحصيلة والمعنى السؤال هنا على النحو التالي وبشكل مباشر: ما الذي تعنيه هذه الحصيلة الرقمية، على الرغم من صحّتها النسبية؟ هل المهرجان يستهدف فحسب الجاليتين الانجليزية والأميركية ثم الجالية الهندية؟ هل هذا الحضور للغة العربية وأهلها عادل قياسا بحضور اللغة الانجليزية في مهرجان دولي يُقام في بلد هويته الأساسية التي يُدافع عنها مثقفوه وكتّابه هي العربية والإسلامية؟ وبالتأكيد فإن الإشارة إلى الهوية العربية والإسلامية هنا يجيء وفقا للمعنى الإنساني والثقافي الواسع للكلمة وليس العرقي أو الانغلاقي على ذاته وفقا لمرجعيات ترفض الآخر لأسباب تتصل بالدين أو التاريخ، أو ما هو سوى ذلك؟ وبالطبع سيلد هذان السؤالان أسئلة أخرى تتعلق بمعايير اختيار ومَنْ الذي يختار ولماذا وكيف وسوى ذلك من الأسئلة التي لا تفضي إلى أي نتيجة. إنما، أغلب الظن أنّ الإجابة بـ”نعم” قاطعة مانعة أو بأخرى “لا” تشبهها ليس عادلا بحقّ، ذلك أننا أمام تجربة في إدارة علاقة الجمهور بالكاتب وبالتالي بالثقافة والمعرفة والإبداع وكل الصناعات المرتبطة بذلك، وبوصف هذه تنتمي إلى حقل اقتصادي واضح هو صناعة الثقافة هو أمر جدير بالتأمل، ليس محليا فقط بل عربيا أيضا. ليكن ما يكن من أمر الإجابة، ولنسلّم بأن الإجابة بصدد السؤال الأول هي “نعم” وفي صدد الأخير هي “لا”. لا بدّ للمتابع أن يلحظ أمراً ما يتصل بأن هناك دائرة معينة تقوم على استراتيجية واضحة لدى إدارة المهرجان وأهمّ ما فيها أنها استراتيجية مستقبلية وليست آنية. تقوم هذه الاستراتيجية على تعميق علاقة الطفل بالكتاب خارج أسوار المدرسة وفقا لسلوك معرفي، فهذا الطفل سوف يعرف أن أي كتاب قد صُنع ليشترى ويُباع وأن تأليف الكتاب هو مهنة تُكتب على جواز سفر صاحبه وبطاقة هويته، وأن النشر هو دورة اقتصادية ذات أركان متعددة. لا يتوقف الأمر بالتأكيد عند كاتب أجنبي بلغ طابور مشتري الكتب أمامه من أول الردهة الخاصة بحفلات توقيع الكتب حتى آخرها، وهو الأمر الذي لم يتحقق لهذه الدورة، إنما السؤال لماذا وقف هذا الطابور هنا وجاء ليرى الكاتب ويلتقط صوراً معه سوف يحتفظ بها أو ينشرها على صفحته في الفيسبوك أو سواها من مواقع التواصل الاجتماعي. هذه مسألة تربوية تبدأ من البيت والمدرسة ثم لا تتوقف بعد ذلك. يروي الشاعر عادل خزام لصاحب هذه السطور بعد لقائه بطلبة المدرسة أنه شعر بالخوف من مواجهة الطفولة وأسئلتها البريئة وذكائها الخاص لكنه بعد ذلك تجاوز خوفه ذاك وخاض جدلا معهم، بالعربية بالطبع، لأن الأطفال جاؤوا من مدارس تُدرِّس العربية أيضا، ونتيجة لهذا الانسجام الذي لفت انتباه الأساتذة ربما، قالوا له بأن في مدرستهم الكثير من الطلبة الذين نشعر أنهم موهوبون لكن لا نعرف كيف نتصرف معهم. أليس هذا أمرا جديرا بالملاحظة؟ في هذا السياق لنسأل أنفسنا بحقّ: في أي بلد عربي، حتى مصر أو المغرب أو لبنان التي هي دار صناعة الكتب العربية الأولى، لو أقيم مهرجان أدبي شبيه، هل كنّا سنجد هذا الطابور الطويل الذي شاهدناه في دورات سابقة من مهرجان طيران الإمارات للآداب؟ ألا يتمّ توزيع النسخ العربية من كتب صادرة محليا في معرض الشارقة الدولي للكتاب بالمجان؟ في حين نشاهد، في المعرض بل في الأمسية ذاتها، طابوراً طويلاً من القرّاء الهنود الذين جاؤوا إلى حفل توقيع الروائي والقاص الهندي إم. تي. فاسوديفان نير ويدفعون أثمان نسخهم من كتبه وكأن الرجل أيقونة قومية؟ الحديث هنا عن تجربة مخيضة شخصيا مع دورة العام 2011. طبعا لا يتصل واقع الحال بالإمارات وحدها إنما بالعقل العربي ذاته وبرغبته في السطوة على الطفولة باستمرار وتوجيهها نحو مسارات محددة ولو بإرغامها على ذلك دون أن تُترك لها فسحة من ذلك النوع من الاختيار الذي يُشعر الطفل باستقلاليته وبتحقق فرديته أو على الأقل تعزيز الإحساس بالفردية لديه وبأن عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه يوما ما وبالتالي ينبغي بناء شخصيته على أسس تعينه في العيش. ومن بين هذه الأسس أن يختار اهتماماته ومساره الثقافي وبالتالي كتابه الذي سيرافقه ويستفيد منه في حياته بشتى السبل وكاتبه المفضّل ومخرجه السينمائي المفضل وروائيه الذي يتابع منجزه وكاتبه الصحفي الذي يلفت انتباهه لقضاياه الاجتماعية وما إلى ذلك. كلنّا ننتمي إلى عائلات عربية صغيرة، العائلة النواة كما يحب تسميتها بعض علماء الاجتماع، وكلنا يعرف أن الطفولة مرحلة غير ناجزة في أعمارنا وكلنا يدرك ضرورة أن تتحرر هذه الطفولة من أوهامنا حولها وتصوراتنا المسبقة عنها. باختصار، نحن العرب، لا نحترم الذكاء الاجتماعي الخاص بالطفولة ولا نقدِّر هذا الذكاء النادر والفذّ الذي سوف يحقق للفرد إحساسه بفرديته. ويقينا، وعن نفسي فقط، لن تتحرر فلسطين من مغتصبيها قبل أن تتحرر الطفولة العربية منّا نحن الذين لا نتعامل معها إلا بوصفنا قيِّمين عليها. حفل الطفولة هنا، لا بدّ من الإشارة إلى حفل الافتتاح. لقد أُعطي كله للطفولة، وعلى الرغم من أنه بدا واضحا أن هناك توجيهات أو حتى تعليمات باتجاه معيّن ورغم الحضور الخجول للعربية فيه، وتألقت هذه الطفولة إلى حدّ مثير للإعجاب، لكن عندما لم نحدس بالفكرة من ورائها قلنا إن هذا أمر لا يليق أن يحدث في افتتاح مهرجان عالمي للأدب في بلد لغته هي العربية، فلو تأملنا قليلا بالفكرة لأدركنا أن القائمين على هذه الفعالية كانوا يستدرجون الطفولة إلى منطقتهم التي سوف يشعرون فيها أنهم أحرارا، وبالفعل فقد أداروا حوارا جميلا مع الكتّاب جعلهم نجوما إلى جوارهم. ربما اختاروا من الطفولة ما ينسجم مع ما تمّ التسليم به من قبل من أن المهرجان يخص شرائح بعينها ويستهدف جمهورا بعينه، لكن نحن هنا أمام تجربة جديرة بالانتباه وبرسالة هي في صلب رسالة المهرجان وهذا الانتباه أكثر خطورة، معرفيا ومستقبليا، من أنهم اختاروا طفولة ما تخصّهم هم وليس سواهم، إذ ينبغي أن يُخاض الجدل حول الأكثر استراتيجية والأكثر معرفيا ومستقبليا. مثلا، أُقيمت ورشة عمل عن “كيف” تكتب قصة أو رواية من أجواء بلد أنت تقيم فيه وأخرى، ربما تكون ندوة، عن “متى” تعرف أن الجمل جائع، هل نهتم، نحن العرب المقيمين هنا بمثل هذا الأمر ولماذا انتبه إليه الأجنبي وليس نحن؟ لا أقصد من ذلك أن أدين أحدا، لكن أوّد أن أشير إلى أن طرائق اكتساب المعرفة لدى الأجنبي أثارت لديه مثل سؤالَيْ ورشتَيْ العمل المشار إليهما، ما يعني أن المقصود بالسؤال هو إدانة لطرائق اكتسابنا للمعرفة عربيا. فهل نكتفي بالإشارة إلى أن مهرجان طيران الإمارات انجليزي ـ هندي دون النظر في الأسس والمنطلقات التي أقيم عليها ونكتفي بمهرجانات شعرية أو ملتقيات للرواية أو القصة أو الفكر العربي لا يأتي إليها الجمهور لأنها أصلا بلا جمهور مستهدف؟ الأمر يحتاج إلى قَدْر من التأمل، حقيقة. أيضا إعادة نظر عميقة في “فعل القراءة” والنظر إلى حاجتنا إلى تأسيس علاقة مختلفة مع القراءة ومع الكتاب وبالتالي مع مختلف أنواع الإبداع ومختلف أنواع الكتابة ومختلف أنواع الكتب النابعة أصلا من مختلف أنواع الاهتمامات التي يحتاج إليها الفرد في حياته. ينبغي أن نؤسس للقراءة بوصفها احتياجا دائما لاكتساب معارف تتطور باستمرار في عالم يتطوّر باستمرار من قبل أفراد أنجزوا إحساسهم بفرديتهم وقادرين على الاختيار. الكاتب والشاعر من بين أبرز أنشطة المهرجان وفعالياته كانت الأمسية الشعرية التي أقيمت في العوير وسط الرمال وفي أجواء محلية تماما إنما برفقة جمهور خاص وبدعوات خاصة وكله من الكتّاب والناشطين المشاركين في المهرجان، من العرب والأجانب، وذلك فضلا عن البعض العربي من الإدارة وثلاثة صحفيين على الطاولة ذاتها، أي أن الجمهور الذي استهدفته الإدارة تحديدا لهذه الأمسية كان غير عربي وفقا لمساراتها من الألف إلى الياء. بدأت الأمسية مع عادل خزام الذي قرأ تبادليا مع واحدة من أعضاء الإدارة حيث كان شعره مترجما ثم عادت العربية لتختفي تماما ولم تعد إلا في الختام مع الشاعرة نجوم الغانم. من المقبول ذلك بما أن الجمهور في أغلبه “إنجليزي”، لكن هذا البهاء للشعر والاحتفاء نجومه ألم يكن جديرا بإعادة التجربة ذاتها في مكان عام مثل حيّ الفهيدي التاريخي وأنْ تترجم قصائد الشعراء الإنجليز أيضا إلى العربية مثلما تُرجمت أشعار خزام والغانم، وهذا أمر ليس بعيدا عن اللإمكان والتحقق إذا صحّ فعلا أن الاستعدادات الخاصة بالمهرجان تبدأ قبل ستة أشهر على انطلاقته بل ليس صعبا أنْ يرافق الشعراء ممثلون إماراتيون محترفون في القراءة الشعرية، ثمّ تأملوا في المشهد: هل جاء جمهور عربي إلى المكان أم لا؟ وبناء عليه قرروا في مثل هذا النوع من الفعاليات العامة التي يأتي إليها كل الموجودين هنا. وكان لافتا للانتباه في الأمسية أن خمسة من بين الشعراء قد كتبوا الرواية: شون الآيسلندي وجيت ثانيل الانجليزي ذو الأصول الهندية وبن أوكري الانجليزي ذو الأصول النيجيرية وسايمون ارميتاج الانجليزي ثم عادل خزام وروايته “الظلّ الأبيض” الصادرة مؤخرا في دبي عن دار الصدى للتوزيع والنشر، فهل غادر شعراء العالم قارة الشعر ليتذكروها في بلاد الرواية؟ عندما سألت جيت ثانيل خلال حوار أجرته “الاتحاد الثقافي” معه وينشر قريبا، هذا السؤال: متى تكون كاتبا ومتى تكون شاعرا؟ أجاب باختصار وبما يشبه القَطْع: أنا كاتب (Writer) قد أكتب الشعر وقد أكتب الرواية أو المقالة، لكنني، أساسا كاتب محترف. إذن نحن مَنْ لدينا التباس حول معنى أن تكون شاعرا فقط أو روائيا فقط، فإذا كتب شاعرٌ روايةً قيل إنه كتب الرواية لفشله في الشعر. نحن، في الوسط الثقافي العربي إجمالا، نلجأ إلى النميمة أكثر مما نلجأ إلى التأمل العميق وإنتاج الأفكار، وهذه حقيقة. لكن يبدو أن فكرة أن يكون المرء كاتبا أو فكرة الكتابة بوصفها تعبيرا عن الجوهر الابداعي للفرد يدركها العالم بطريقة مختلفة، الكتابة بالنسبة إليهم هي قارّة أخرى بعيدة عنّا ربما لم ندركها بعد حتى عبر المخيلة. هل السبب في ذلك هو أننا نزعم بأن الموقع الاجتماعي والسياسي للشاعر ما زال مثلما هو قبل ألف سنة؟ أإلى هذا الحدّ لا نستطيع أنْ نتخلى عن الفكرة رغم أكثر من ألفيّ عام تفصلنا عن الفكرة ذاتها؟ ربما. غير أن واحدة من حسنات المهرجان أنه يفتح لك بابا بأن تحتك بمثل هذه التجارب التي تلفت الانتباه إلى ما هو غير مطروق بالنسبة للثقافة العربية بل ليس موضع جدل أصلا. وضع العربية يبقى أمر أخير في شأن أولى جلسات المهرجان التي حملت عنوانين مختلفين أحدهما بالعربية: “حوار حول اللغة العربية”، والآخر بالانجليزية: هل ما تزال اللغة العربية حية وفي وضع سليم أو سليمة؟” وبالنص الأصلي: Is Arabic Alive and Well? وهذا مطلع العنوان الذي كان يظهر على الشاشة إلى الخلف من المنتدين الأربعة الذين شاركوا في الجلسة بين فترة وأخرى خلال الحوار. ماذا عن هذا البون الشاسع في العنوانين؟ وحقيقة، لماذا التساؤل عن الحال التي هي عليه اللغة العربية راهنا، إذا كان هذا الأمر مطروحا في الندوة أصلا؟ فالتساؤل علامة تشكيك في مصير لغة هي لغة باتت عالمية بسبب الإسلام ولا تخص المنطقة الجغرافية العربية وحدها. الأمر ليس مفهوما أبدا، إلا إذا كان الذي اقترح العنوان بالانجليزية “يعتقد مسبقا بأنه ما من أحد ينتمي إلى هذه اللغة سوف يأتي إلى هنا ويقرأ هذا التساؤل أو إن وجد أحدهم فهو لن يقرأ وإن قرأ فلن يفهم، أو إنْ فهم فسوف لن يعترض؟”. هذه المسألة إذ تمسّ هوية الفرد مثلما تمسّ هوية الجماعة لا يجدي معها الاعتذار أو التوضيح بل هذا غير مطلوب أصلا، إنما المطلوب هو إعادة النظر في الموقف الثقافي من هذا “الآخر” العربي، من هذا التكوين المعرفي والإنساني بكل محمولاته الثقافية، ولن يذهب بعيدا الشخص الذي اقترح العنوان إن قرأ أو أعاد قراءة مثقف إيرلندي كبير هو تيري إيجلتون وتحديدا كتابه “فكرة الثقافة” الذي يتحدث فيه عن الثقافة وينير الطريق للمتعاملين مع الهويات الأخرى ويفكك الكثير من المواقف المسبقة تجاهها. كما أنه ينبغي العلم حتى لو افترضنا أن لا جمهور عربيا مطلقا يأتي إلى المهرجان فهناك صحفيون ومصورون إماراتيون وعرب لهم علاقة بالكتابة والإبداع، ويدركون جيدا مرامي الكلام ومدى حساسية الأمور، وأنه، بالفعل، ينبغي التنبيه له، كي لا يتكرر. كان من الممكن صياغة التساؤل بذكاء أعلى قليلا، وطرح الأمر بموضوعية أكثر، إذ ما من مثقف عربي، أو متحدث عربي في الشأن العام لا يدرك أن هناك فارقا بين لغة الشارع ولغة الكتابة وأن الفصحى هي الحلّ الذي يلجأ إليه المثقفون والناس عند التخاطب في ما بينهم، لكنْ لم يَرْقَ أمر هذه الأزمة إلى أن تكون الانجليزية هي البديل على الرغم من عالميتها. وفي المنطقة العربية عموما ليس وضع اللغة العربية مثل وضع بعض اللغات المحلية في الهند، فالذي يقطن في إحدى ولايات الشمال الهندي لن يدرك تماما ما الذي يقوله ابن إحدى الولايات الجنوبية إلا إذا تخاطبا باللغة الرسمية التي هي الهندو أو الانجليزية. يبدو أن الذي اقترح العنوان بالانجليزية لا يدرك أو لا يفهم طبيعة الأزمة التي تعيشها العربية بأبعادها السياسية والتاريخية والاجتماعية، الأمر أكثر تعقيدا من مجرد التساؤل الفجّ وغير الحصيف وغير الواعي. إذن كان ينبغي على مَنْ اقترح ذلك العنوان أنْ يترك شِعاب مكة لأهلها. أقول ذلك متمنيا أن يكون الأمر غير مقصود، مع الاعتزاز الشديد بالجهد الذي بُذِل والذي تمّ تقديمه في مهرجان ناجح بامتياز إذ تمكن من استقطاب هذه التنويعة الهائلة من الشرائح الاجتماعية. إنه تجربة خاصة وجديدة وجديرة بالتقدير، بحق، على مستوى المنطقة العربية وليس الإمارات وحدها، وأنه ينبغي أن نستفيد منها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©