الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللغة كأداة تغيير

اللغة كأداة تغيير
12 مارس 2013 20:48
خلع الحكّام خطوة تبقى ناقصة في ظل حراك شعبي يلزمه التخلي عن كلمات مغلّفة بأدوات الهروب على شاكلة “تقريباً” بدلاً من “غالباً”، وفق ثالوث التجريم والتحريم والتأثيم الذين مهّدوا بحسب الكاتب المصري المهاجر مصطفى صفوان لسياسة: “اخضع ترضع”، والأخيرة حفّزته قبل نحو عشرين عاماً لمعالجة السؤال: “لماذا العرب ليسوا أحراراً؟”، وهو عنوان الكتاب الذي ترجمه مصطفى حجازي عن دار الساقي معرياً مكونات بنى الاستبداد النفسي والثقافي والاجتماعي والسياسي واللغوي تحت ستار وصاية الأب والحاكم، وصولاً إلى أمل التغيير من خلال مشروع نهضة اقتصادية علمية ثقافية، وبالتالي مؤسسية سياسية واجتماعية. في رحلة البحث عن الحرية التي تنشدها الشعوب بعيداً عن الشعارات الرنانة، يبحث صفوان ابن المدرسة اللاكانية في علم النفس عن السبب الحقيقي الذي يجعل الانسان العربي تابعاً ومغلوباً على أمره من قبل سلطة اعتادت ممارسة تسلطها عليه. ينطلق من الاستلاب الذي تمارسه المكبوتات النفسية في قمع الطاقات، الأمر الذي يؤدي إلى الغربة عن الذات، وبالتالي على صعيد المواطنة والحقوق والأدوار. وفي التحالف الذي يصفه بـ”الشيطاني” بين سلطة المنع الداخلية وجنون العظمة الذي يصيب الحكام من دعاة “تقويم المعوج من جديد”، تتقدم فرضية السطو على الثورات على الرغم من جمالية الشعارات المستخدمة ومنها: “الخبز والكرامة وفرض الإرادة”. يضيء صفوان في تشريح الراهن العربي على تجارب ناجحة للبناء عليها، مستمداً من تفوّق الغرب في بناء ثوراته الصناعية والتجارية والسياسية والثقافية والمؤسسية روحاً تخفق بنقلة نوعية على مستوى الممارسة السياسية وعلاقة الحاكم بالمحكوم. ينطلق من المعركة التي خاضتها الجامعات الأوروبية لإحلال “سلطان العقل محل سلطان الغيب”، فالثورة الصناعية لم تقم هناك إلا بعد الثورة على اللاتينية التي لا وصول للشعب إليها آنذاك إلا من خلال وساطة رجال الدين وبذلك ضمنت هيمنة الحكّام على المواطنين. فكان التحوّل في عصر النهضة من اللاتينية إلى اللغات العامية الأوروبية حيث استرد الشعب لغته ومعها مرجعيته الذاتية وتحرر من مرجعية الكنيسة إلى مرجعية دنيوية انطلقت في إثرها ثورة المعرفة والعقل من خلال تعميم القراءة والكتابة بلغة الشعب. إلا أنّ هذا التحرر لم يحدث في بلاد الشرق الأوسط القديم التي اخترعت الكتابة منذ ما يزيد على خمسة آلاف عام، إذ جيّرتها فناً باطنياً لخدمة أغراضها وجعلتها لغة موظفيها وخدّامها حارمة الشعب الذي أبقته على أميته كي يسهل إحكام قبضتها عليه وفق معادلة: “السيطرة على النصوص من أجل السيطرة على النفوس”. ولتلافي “التدجين” المتعمّد، يطلق صفوان صرخة كسر احتكار اللغة من قبل مجموعة من النخبة، غالبيتها محسوبة على الطبقة الحاكمة، في سبيل إعطاء الشعب فرصة اكتشاف كتابات ممكن أن تحوّل المعرفة التي لديه عن حريته المفقودة إلى حقيقة موضوعية تحرّض على الفعل بدلاً من التنكيت. وحجته في ذلك الثورات الأخيرة التي أشعلتها مواقع التواصل الالكتروني باعتبارها مكتوبة بلغة العامة، بسيطة ومباشرة، لا تحتاج إلى وسيط ولا إلى دليل لغوي. فكانت التعبئة في تحركات الربيع العربي خير دليل على نشوء جيل جديد مرتبط هذه المرة بمرجعية العولمة. فالمهمة الملحة، ليست في إسقاط الحكام، ذلك أن بناء الانسان والمستقبل وصناعة التغيير بحاجة إلى ما هو أبعد من التغيير السياسي أو الغرق في عبارات من مثل: “الشعب يريد”. يعلّق: “البعض قال بأنّ الشعب إنما هو مصطلح استخدمه قادة مختلفو المشارب لابتداع تلك المرآة التي تزيّن لهم تأمل مجدهم الشخصي فيها”، منتقداً شعار “قل الحقيقة في مواجهة السلطة” موضحاً أنّ السلطة لن تعير أبداً التفاتة إلى الحقيقة، وأنّ الشعب يعرف بالفعل تلك الحقيقة. وبالتالي فإنّ تغيير الحكّام من دون مشروع نهضة اقتصادية ثقافية يبقى ضمن التغيير ال”براني”، وتبقى معه المكبوتات الوجه الآخر للقهر السياسي والاجتماعي والثقافي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©