الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حمى الإنفاق العسكري.. قضية أميركية ملحة

حمى الإنفاق العسكري.. قضية أميركية ملحة
9 يونيو 2008 23:05
قلما أثير في المعركة الانتخابية الرئاسية الجارية الآن، السؤال الأكثر إلحاحاً وأهمية: لماذا يتصاعد إنفاق الجيش الأميركي بدولارات التضخم الاقتصادي المنخفضة السعر اليوم، أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟ ويستتبع هذا سؤال آخر: لماذا تنفق الولايات المتحدة تريليونات الدولارات على تطوير نظم تكنولوجيا الأسلحة المتقدمة في ظل غياب عدو حالي يتمتع بقدرات عسكرية متطورة؟ الإجابة عن هذين السؤالين ليست مما يمكن الوصول إليه من خلال الحملات الانتخابية الرئاسية التمهيدية التي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية، غير أن الميزانية الدفاعية لعام ،2009 تعهدت بتوفير قدر أكبر من الموارد المالية المحسوبة بسعر الدولار الحقيقي، بحجة مواجهة خطر الإرهاب مع ملاحظة أن هذه الميزانية تفوق ما أنفقته المؤسسة العسكرية الأميركية في ذروة حربها الباردة مع الاتحاد السوفييتي، التي امتدت لتشمل حربنا في كل من كوريا وفيتنام· يذكر أن ميزانية البنتاجون للعام المالي الحالي قد سجلت رقماً قياسياً في الإنفاق العسكري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ بلغ حجمه 625 مليار دولار، مع العلم أنه لا يشمل سوى ما يزيد على 100 مليار دولار فحسب، خصصت لدعم ميزانيات فيدرالية أخرى لها صلة بالأمن الوطني، والأسلحة النووية، وما يسمى بالميزانيات السوداء، وهي التي تخصص عادة للعمليات السرية· ولما كان ذلك هو واقع الحال، فعلى ماذا ننفق كل هذه الأموال الهائلة إذن؟ يتحدث مسؤولونا العسكريون عن تطوير نظم حرب تكنولوجية باردة متقدمة لمواجهة أعداء لا وجود لهم في عالم اليوم، بما في تلك النظم برنامج (إف-35) المكرس للضربات الجوية المشتركة، الذي تبلغ تكلفته المالية الإجمالية نحو 300 مليار دولار، وكذلك الغواصات من طراز فرجينيا التي تكلف كل واحدة منها حوالي 2,5 مليار دولار· والسؤال: من الذي يأبه أصلاً لحقيقة أنه لا سبيل للإرهابيين الذين تطور من أجلهم هذه الأسلحة والنظم العسكرية المتقدمة للحصول على غواصات متطورة من طراز فرجينيا، طالما أن الهدف هو الاستمرار في بناء هذه الأسلحة وزيادة الإنفاق الدفاعي عليها؟ ثم أضف إلى هذا البذخ العسكري نظم طائرات (إف-22 رابتور) المقاتلة التي لم تعد تسد أي خانة أو حاجة دفاعية ملموسة، رغم أنها تخصم مبلغ 65 مليار دولار من جيوب دافعي الضريبة الأميركيين، وقد زودت هذه الطائرة بتقنيات سرية ونظم إلكترونية متطورة، صممت خصيصاً لموازاة أي قفزات تكنولوجية محتملة في النظم القتالية للاتحاد السوفييتي السابق· ووفقاً للمعلومات الصادرة عن ''مكتب المحاسبة الحكومية'' فقد تضاعف استثمار وزارة الدفاع المستقبلي البعيد الأمد في مثل هذا النوع الباهظ التكلفة من النظم الحربية، ليرتفع إجمالي الميزانية المنفقة عليها من 790 مليار دولار إلى 1,6 تريليون دولار منذ وصول الرئيس ''بوش'' إلى البيت الأبيض في عام ،2000 لكن وما أن يواجه المسؤولون والاستراتيجيون العسكريون بالسؤال: لماذا لم تعد تلك الترسانة الهائلة من الأسلحة المتقدمة التي طورناها إبان الحرب الباردة، وكان لها دور حاسم في إرغام الاتحاد السوفييتي على الخضوع لجبروتنا العسكري، ثم انهياره لاحقاً، كافية للحفاظ على التوازن العسكري الدولي في وقت السلم؟ سرعان ما يبادرك البعض بالقول: ولكن عليك ألا تتجاهل الخطر العسكري الذي يمثله النهوض الصيني، وهذا هو ما احتج به كذلك السيناتور ''جو ليبرمان'' بقوله: ''تواصل الصين تطوير نوع متقدم من الغواصات الحربية، وما لم نسرع الخطى في تطوير غواصتين موازيتين للغواصات الصينية سنوياً، فإننا نواجه خطر التخلف الحربي عن بكين''· ليس من تعليق على هذه الحجة سوى أنها مجرد هراء، فالحقيقة أن الصين لا تمثل حتى قوة إقليمية ضاربة، وفقاً للتقرير الذي قدمته وزارة الدفاع أمام الكونجرس في العام الماضي: ''تشير التقديرات الاستخباراتية إلى أنه لن يكون في وسع الصين حتى نهاية العقد الحالي أو بعده ببعض الوقت، تطوير أي قدرات عسكرية متقدمة وقادرة على هزيمة عدو ذي قدرات عسكرية متوسطة المستوى''، وأشار تقرير البنتاجون نفسه إلى أن ''الصين تكرس جهودها الدفاعية كلها للحيلولة دون استقلال تايوان عنها، غير أن هذه الجهود نفسها طرأ عليها تحول سلمي تاريخي خلال الأسبوع الحالي، جراء الزيارة الأولى من نوعها التي سجلها زعيم الحزب الحاكم في تايوان إلى العاصمة الصينية بكين''· ليس ذلك فحسب، بل إنه ليس من صلة للدافع الحقيقي لاستماتة السيناتور ''ليبرمان'' في الدفاع عن تطوير غواصات فرجينيا آنفة الذكر، بما يدعيه من أهمية لها في الدفاع عن أمننا القومي في مواجهة الخطر الصيني المزعوم، بل إن هذا الدافع يحفزه البحث عن عدو أياً كان لتبرير إنفاق الدولارات الضريبية على الصناعات الحربية في ولايته، والدليل أن شركة ''جنرال داينامكس إليكتريك بوت'' -مقرها ولاية فرجينيا- تلقت سلفاً مليارات الدولارات لتطوير الغواصات المعنية! بهذا نصل إلى القول إلى أن إدارة ''بوش'' قد أصيبت بحمى الإنفاق الدفاعي على تطوير أسلحة وخوض حروب ليست لها أدنى صلة بمكافحة الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر، وهذه هي المسألة الملحة التي تجب إثارتها والاهتمام بها في الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية· روبرت شير محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©