الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجدران لم تعد أوراق المجانين

الجدران لم تعد أوراق المجانين
3 أغسطس 2009 23:40
كثيرة هي الحملات التي تناهض الكتابة على الجدران أو الرسم عليها، معتبرة ذلك، تشويهاً لجماليات المدن وتقليلاً من قيمة المكون العمراني والحضاري لها. ومع ذلك هناك وجه جمالي لا يمكن إنكاره يتأتى من وراء هذه الكتابات أو الرسومات، لاسيما إن كانت كتابات تحمل معاني قيمة، أو رسومات تظهر قدرات فنية ومهارة خاصة للأفراد القائمين بمثل هذه الأعمال، والتي يمكن وضعها في إطار الأعمال الفنية المعبرة عن أنماط من فنانين أفرزتهم الحياة ولم يلتحقوا بمعاهد فنية، أو يدرسوا أسس الفن بشكل علمي وأكاديمي. الحاجز الوهمي توضح الفنانة التشكيلية الدكتورة نجاة مكي أنَّ الكتابة على الجدران لها بالفعل وجه جمالي، بشرط ألا تتم بشكل عشوائي، وتسبب تشويهاً للوجه الحضاري للمدن، من خلال الكتابات غير المسؤولة والرسومات غير المعبرة عن أي معنى، التي غالباً ما نجدها في الشوارع الخلفية. «أمَّا إذا ما كانت تلك الرسومات والكتابات، تتم في أماكن معينة ومحددة سلفاً، وتحت رقابة وتوجيه معين، فهذا سيؤدي بلال شك، إلى خلق جيل جديد من الفنانين، وكسر الحاجز الوهمي بين الفرد والرفض المجتمعي لممارسة الأعمال الفنية في الهواء الطلق، سواء على جدران بعض الأنفاق أو أرضيات بعض الأماكن العامة، كما يحدث في الغرب، لأنَّ هذه الطاقات والمواهب عندما يحسن استغلالها ويتم توجيهها بالشكل الملائم، فهذا سيؤدي حتماً إلى خلق أجيال تتفهم معاني الفن، وتكون أكثر حرصاً من غيرها على ترسيخ أسس الجمال في المجتمع. خاصة أنَّ شباب هذه الأيام أكثر اطلاعاً ممن سبقوهم، وهذا الاطلاع يعطيهم أبعاداً فنية، خاصة لمن لديه ميول فنية منهم، وعندما يتجلى هذا الإبداع في تزيين حائط لزقاق من الأزقة أو مبنى من المباني، فهذه ظاهرة صحية، وتمثل جزءاً من ثقافة المجتمع الذي يعش فيه، وعندما يضع عبارات أو رسومات ذات قيمة، فهي تساهم بشكل فعال في إثراء المظهر الحضاري للمكان، وتحقيق متعة بصرية لقاطنيه». تضيف مكي: «الرسومات على الجدران ظاهرة فنية منتشرة في الغرب، وتجد من يدعمها دوماً، ونحن هنا يمكن لنا أن نكرر التجربة في استغلال الحوائط الموجودة عن محطات الباصات لتكن مكاناً يظهر فيه الموهوبون إبداعاتهم، وهو ما يتيح للمنتظر، أن يتأمل أعمالاً فنية ويعتاد الجمال في حياته بصفة عامة، شريطة أن يتم ذلك بالتنسيق مع الهيئات المسؤولة، من بلدية أو هيئات سياحية، وغيرها من الجهات التي تتحمل مسؤولية المظهر العام للدولة». أماكن مخصصة أما الفنانة التشكيلية سوسن خميس فترى أنَّ الكتابة الجمالية على الجدران والرسومات على الحوائط تعد ظاهرة صحية بالنسبة لصناعة الفن التشكيلي إذا ما أُحسن توجيهها، «خاصة لو علمنا أن هناك مدارس فنية كبيرة في الغرب وفنانين غربيين لا يعتمدون سوى على الرسم على الجدران أو الأرضيات، ولذا تم تخصيص كثير من الأماكن هناك، كي يتمكن أمثال هؤلاء الفنانين، من التعبير عن أنفسهم، وعرض ما لديهم من مواهب بشكل مباشر على الجمهور العادي، وليس فقط على رواد قاعات الفنون التشكيلية. وتلفت خميس إلى أن غالبية من يقوموا بالرسم على الحوائط والجدران في مجتمعاتنا هم من المراهقين، «لكنهم للأسف يسيئون استخدام تلك الكتابات والرسومات، كما يسيئون اختيار المكان الملائم لها، وهنا يظهر الدور التوجيهي والتوعوي للأسرة والمدرسة، بحيث يتم تخصيص أماكن معينة في الجدران الملحقة بفناء المنزل، أو بعض الحوائط في المدارس، كي يفرغ هؤلاء الشباب ما لديهم من طاقات وإرهاصات أولية لمواهب قد تكون على وشك الظهور، وهذا بطبيعة الحال يكون تحت إشراف أولي الأمر في المنزل أو مدرسي التربية الفنية في المدرسة، وإذا ما تم ذلك ستكون النتيجة مرضية إلى حد كبير، من حيث انخفاض ما نعتبره تشويهاً للحوائط والجدران بشكل كبير، وفي ذات الوقت، قد نحصل على أجيال تقدر قيمة الفن والجمال، وتسعى هي بنفسها إلى المحافظة على جمال المدن ورونقها، بدلاً من أن تكون هي السبب الرئيسي في تشويه تلك المدن». قيم المجتمع من جانبه يعتبر محمد الكعبي أنَّ الكتابة على الجدران إذا ما تمت بشكل فني راق، ومعبر عن تراث المجتمع وقيمه، فلا بأس به، أما إذا تضمنت ألفاظاً غير مقبولة، فذلك أمر لا يصح أبداً ويجب معاقبة مرتكبيه، وحتى كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على الجدران أمر مرفوض، حفاظاً على قدسيتها واحترماً لها، لأنها قد تكون عرضة لعبث العابثين، ومن يرى في نفسه قدرات فنية أو موهبة معينة عليه التوجه للمكان الصحيح لها، وليس نحو الجدران بشكل عشوائي، كما يجب تخصيص بعض الأماكن التي يمكن لمثل هؤلاء الأفراد، تتيح لهم ممارسة هوايتهم وتنميتها بالشكل الذي يحفظ جمال المدينة، ويعزز قيمة الفن في نفوس النشء فيها. أما علاء الشيخ محمد فيقول إنه مع الكتابة على الجدران إذا ما تمت بشكل جيد وأحسن استغلالها، مثلاً إذا كان هناك مكان يرمي فيه الناس القمامة، هنا تبرز أهمية الكتابة على الجدران بكلمات تحض على النظافة مثل «النظافة من الإيمان»، هنا فقط يمكن أن تكون الكتابة جمالية وهادفة، وليست بقصد التخريب وإفساد الذوق العام. كتابات هادفة ثريا علم الدين، توضح أنَّ الكتابة والرسوم على الجدران لهما أوجه جمالية كثيرة يشهد عليها التاريخ، و»يكفي ان الدعوة الإسلامية في بدايتها كانت تعتمد إلى حد كبير على اللوحات الجلدية المعلقة على الجدران، كما أنَّ هناك مدارس كثيرة تمتلئ جدرانها بإرشادات ورسومات توعوية تساهم في نشأة الأجيال بشكل يرضى عنه أولياء الأمور، إذاً الكتابة على الجدران ليست سيئة في كل الأحوال، وإنما تكون كذلك عندما يساء استخدامها في التعبير عن كبت البعض وتنقلب إلى شتائم لا ترتضيها أخلاقنا وثقافتنا».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©