الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا يعرف أي شيء

لا يعرف أي شيء
2 مايو 2010 20:28
كان أحد أركان الرحلات الشبابية لكنه لم يكن يرفع حتى علبة مشروبات غازية من الأرض، فهو لا يفعل أي شيء، لأن أحداً لا يطلب منه بعد أن سُمع يقول في كل مرة: لا أعرف، معتقداً أن الاعتراف بعدم المعرفة فضيلة من الفضائل، فهو مرحوم عند الله لأنه يعرف قدر نفسه، محترم عند الناس لأنه ليس مدعياً ولا يخدع نفسه ولا يضلل الآخرين ولا يتظاهر بالعلم. تقول له: يا فلان أرجو أن تحضر معك المشروبات الغازية، فيقول بعد صمت طويل: والله لا أعرف أي الأنواع من المشروبات يفضلها الشباب. تقول له: اتصل بالمطعم وتحقق من تجهيز الطلبية، فيقول بعد أن يرفع نظره نحو الأفق: ماذا أقول لهم بالضبط؟ تقول له: قم افرش البساط على الأرض، فيقول وهو يلتفت في كل الاتجاهات: وأين هو البساط أصلاً؟ تقول له: ما رأيك في أن نبدأ في إشعال النار؟ فيقول وهو يبسط كف يده بما يعني الموافقة: لا أمانع في أن تبدأ. تقول له: إن تشبيك قطع الكباب في السيخ عملية سهلة، فيقول مبتسماً: البحر له ناسه. لم نكن نطلب منه مساعدتنا لأنه خادم المجموعة يجلس متحفزاً بيننا ينتظر أوامرنا ونحن نلعب في شواربنا، بل لأننا كنا مشغولين بألف شيء آخر وهو الوحيد الذي لا يفعل أي شيء سوى قول: لا أعرف. كنت أعرف أن وضعه غير طبيعي، لكن لم أكن أعرف المرجعية التاريخية التي يمكنني الاستناد إليها لفضح ممارساته غير الشرعية في حقنا. وأخيراً وجدت حكاية تراثية تقول إن طفيلياً (فضولياً) صحب رجلاً في السفر، فقال له الرجل: امض فاشتر لنا لحماً. قال: لا والله، ما أقدر، فمضى هو فاشترى. ثم قال له: قم فاطبخ. قال: لا أحسن، فطبخ الرجل. ثم قال له: قم فاثرد. قال: أنا والله كسلان، فثرد الرجل. ثم قال له: قم واغرف. قال: أخشى أن ينقلب على ثيابي، فغرف الرجل. ثم قال له: قم الآن، فكُل. قال الطفيلي: والله قد استحييت من كثرة خلافي لك. وتقدم فأكل. أخذت نفساً عميقاً وأخذت الحكاية لأرويها لهم لعل صاحبنا يعرف قدر نفسه في أعيننا، إلا أنه كان أول الضاحكين وأول المعقّبين: فعلاً هذا فضولي حمار. أصابني تعليقه بالاكتئاب، لكنني قلت: ما رأيك في أن تتخصص في إثراء الجلسة بحكايات قديمة فيها من المتعة والفائدة الشيء الكثير؟ فقال من دون تفكير: وهل يُفتى ومالك في المدينة؟ فقلت: شكراً يا أخا العرب، لكنني أكون مشغولاً بهذا وذاك، والجميع مشغولون إلا حضرتك. فقال كالعادة: أنت تعرف أنني لا أعرف. قلت له: هيا بنا نذهب إلى أقرب مسجد لأضع يدي على المصحف الشريف وأقسم بالله العظيم أنني لم أكن أعرف أي شيء حين ولدتني أمي، وأنني لم أكن أعرف أي شيء في أول عهدي بالرحلات الشبابية، وأنك ستكون أستاذاً لو تركت قول: لا أعرف. في الأسبوع التالي طلب تكليفه بأي عمل، فأعطي مهمة إشعال النار، فكاد أن يحرق سياراتنا. ثم طُلب منه تجهيز التوصيلات الكهربائية، ففعل بعد أن كاد يموت مصعوقاً. وفي مرة ثالثة وقع عليه الاختيار لإعداد السلطة، ففعل لكنه نسي غسل الخضراوات قبل تقطيعها، فتركنا السلطة للبهائم. وفي المرة التالية أعد لنا سلطة لا مثيل لها. ثم شبك اللحم، ثم شوى السمك، ثم أعد الشاي، ثم فعل كل شيء بعد أن جرّب فعل كل شيء وأخفق في المرة الأولى في كل شيء، ثم مع التكرار الذي يعلم الحمار أصبح أستاذاً في الرحلات. Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©