الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العمر إذا زاد نقص

13 مارس 2012
هكذا قالت: حين أصبت بالمرض، لم أتذكر أهلي ولا زوجي، ولا أصدقائي، وكان أولادي فلذات كبدي هم من ملأوا عيناي دموعا، حين سمعت بالخبر أمسكت بسنوات عمري وعددتها فوجدتها ثواني قليلة، لم تسق عطشي للحياة ولا هي روتني بحب أبنائي، كم احترقت حين أحسست باقتراب ساعتي، تصورت بحث أولادي عني في كل مكان، تخيلت أن ساعات انتظارهم وأنا أدخل من الباب بعد الدوام ستطول وتطول، من سيحضنهم ومن سيتحمل حماقاتهم، وهم غير مدركين أن الغياب أبدي. هكذا قالت حينما سردت قصتها مع إصابتها بمرض سرطان الثدي، أحرقت القلوب عبارتها، وتخيلت حينها أن العمر قصير ويجب أن يستغل في حب أبنائنا والعناية بهم قدر الإمكان، لم تختر كلماته، ولم تنسق عباراتها لتقدم مادة خطابية، بل صدق الأحاسيس جعل الحديث رقيقا ينساب إلى القلب ويؤثر في الحضور الذي سكب دموعا، ليس تعاطفاً معها فحسب، بل كل كان يبكي على حاله. ? يقال: “ العمر هو الشئ الوحيد الذي كلما زاد نقص” وما جاء هذا الكلام عبثا، فهو سبيل الحياة ومعارجعها، الكل ذائق المنية لا محالة، وما سعينا وراء الدنيا، بل لهثنا وراءها إلا تقريب لآجالنا، فكلما قبضنا على حلم نمني النفس بالثاني والثالث وغيره كثير.. نمسك بأمنية، ثم نسعى وراء الأخرى، آمالنا أبوابها مشرعة على الكون لا حواجز لها ولا نهايات، نلهث وراء العمر، صغارا تلفنا البراءة تنام جفونا في غير تعب، يدعو آباؤنا ويبتهلون كي نكبر ويشتد عودنا، وعمرنا يزداد وأفراحنا وأحزاننا تكبر وتتفاقم بكبر أعمارنا. ? لا تكاد تخترق هذه المعاني مفاهيمنا ونحن صغارا، لا نستطيع فك شفرة الخوف في أعين أمهاتنا، نجري غير مبالين بخوفهم وشوقهم وحنينهم، لكن في لحظة تزداد هذه المعاني قيمة وتكبر وتتضخم حتى يفوق حجمها تصورنا، هكذا كنا نلعب لا هين غير آبهين بما يختزنوه من مشاعر لنا، دقات قلوبهم تكاد تسمع ومع ذلك لا نأبه، لكن في لحظة من عمرنا وحين نتذوق طعم الأمومة، نشعر أن قلوبنا تتفطر خوفا على فلذات أكبادنا. ? وهكذا تعيش الأمهات تبتهل وتطلب من الله أن يطيل في عمرها حتى ترى كل أولادها ينعمون بالصحة والتألق، فالتضحيات تبدأ من أجل الصغار، والتنازلات أيضا من أجل الأولاد فقط، من أجلهم نحيى الحياة ونضحي بكل مغرياتها مهما كبرت وتضخمت، ننسى أنانيتنا، فذواتنا هم، لا حول ولا قوة لهم، أمانات في أعناقنا يلزم تسليكهم سبل الحياة الوعرة، والأخذ بأياديهم والعبور بهم إلى شواطئ الأمان، فهم أمانة لا يستطيع حملها إلا آمن، هكذا فعلوا وضحوا بثمار كثيرة مهما غلت لن تغلى أكثر من فلذات أكبادهم، وكهذا تفعل كل أم مهما كان عمرها. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©