الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دراسة تُحذر الأطباء من استسهال إخضاع المرضى لفحوص غير ضرورية

دراسة تُحذر الأطباء من استسهال إخضاع المرضى لفحوص غير ضرورية
13 مارس 2012
في إطار النقاش الدائر حول غلاء تكاليف الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأميركية، دأب صُناع القرار الفيدراليون على الادعاء بأن إحدى طرق تقليل هذه التكاليف هي استخدام سجلات طبية إلكترونية وتكنولوجيا المعلومات الصحية. فالقيام بذلك حسب رأيهم يُجنب الوقوع في الازدواجية ويُقلل النفقات. غير أن للباحثين والعلماء رأيا مختلفا، إذ أنجزوا دراسةً جديدةً فندت هذه الادعاءات وأكدت بالأرقام والإحصاءات أن استخدام التكنولوجيا في القطاع الطبي لا تؤدي بالضرورة إلى تقليل النفقات، بل تدفع الكثير من الأطباء إلى استسهال توصيف فحوص التصوير، بصرف النظر عن مدى وجود حاجة ملحة فعلية للخضوع لها. أظهرت دراسة نُشرت في العدد الأخير من مجلة “الشؤون الصحية” أن الأطباء الذين يسهُل عليهم استخدام الحاسوب للوصول إلى نتائج فحوص الأشعة السينية، والتصوير المقطعي المحوسب، والتصوير بالرنين المغناطيسي يميلون أكثر إلى مطالبة مرضاهم بإجراء هذا النوع من الفحوص مقارنةً بالأطباء الذين ليس لديهم إمكانية للوصول إلى نتائج الفحوص إلكترونياً، وهو ما أكده داني ماكورميك، قائد فريق البحث وهو طبيب وأستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد. سجلات إلكترونية توصل فريق البحث إلى هذه النتيجة بالتعاون مع باحثين من رابطة كامبريدج الصحية، وهي عبارة عن نظام صحي يُعمل به في مدينة كامبريدج بولاية ماساشوسيتس، ومدينة نيويورك الجامعية. إذ قامت كل الأطراف المشاركة في إنجاز الدراسة بتحليل البيانات الواردة في تقرير السلطات الصحية الذي صدر سنة 2008. وشملت هذه البيانات معلومات جُمعت من 28,741 مراجعة وزيارة قام بها مرضى إلى 1187 مكتبا طبيا. وضمت المعلومات نوع وظيفة الطبيب، ومعداته المكتبية، والاختبارات والفحوص التي يطالب بها المريض في كل زيارة. فوجدوا أن قُرابة نصف عدد الأطباء الذين شملهم البحث كانت لديهم إمكانية للوصول إلكترونياً عبر حواسيبهم إلى نتائج فحوص الأشعة السينية واختبارات التصوير المقطعي. ووجد الباحثون أن الأطباء الذين لم تكن لديهم إمكانية للوصول إلى نتائج فحوص المرضى كانوا يطلبون من مراجعيهم القيام باختبارات التصوير المقطعي في 12,9% من الزيارات، بينما تصل هذه النسبة لدى الأطباء الذين لديهم إمكانية للوصول إلى نتائج المرضى إلكترونياً إلى 18% من الزيارات، فضلاً عن ميل 40% منهم إلى المطالبة بإجراء هذه الفحوص. أما في مكاتب العيادات المتوافرة على حواسيب بتقنيات محوسبة أكثر تقدماً، فإن 70% منهم يميلون إلى مطالبة مرضاهم بإجراء اختبارات تصوير متقدمة مثل فحوص التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، والتي يعتبرها الخبراء أكثر الفحوص المستخدمة لرصد أمراض السرطان والقلب واضطرابات الدماغ واضطرابات أخرى في الجهاز العصبي المركزي. واعتمدت الدراسة على معايير عديدة مثل تفاصيل السجل الطبي للمريض وتاريخ زياراته، واختصاص الطبيب المعالج، وأنواع الفحــوص المرجحـة والمقترحة في كل زيارة. ولم يتمكن الباحثون من معرفة سبب مطالبة الأطباء مرضاهم بإجراء فحوص تصوير مقطعية، أو ما إذا كان الأطباء قد أخضعوا صدر المريض مسبقاً لفحوص أشعة سينية دفعته إلى الاقتناع بضرورة إجراء اختبارات أخرى أكثر دقةً للتأكد من مدى وجود مرض ما من عدمه. ولم يوضح الباحثون ما إذا كان ارتفاع مطالبات الأطباء لمرضاهم بإجراء فحوص دقيقة يُساعد المرضى أم يضرهم. قرارت سريرية لم تُوضح البيانات ما إذا كان لنظام الحاسوب المكتبي لكل طبيب مواصفات متقدمة ومركبة من النوع الذي يُصطلح على تسميته “نظام الدعم الرقمي لاتخاذ القرارات السريرية” القائم على مساعدة الطبيب على اتخاذ المقاربات العلاجية الأنسب، وحتى القرارات الجراحية الأفضل. وفي بعض المستشفيات الحكومية المزودة بأنظمة تكنولوجيا معلومات صحية محدثة ومتوائمة مع الممارسات الطبية الحديثة، يحصل الأطباء على تغذيات راجعة خاصة بشأن الفحوص التشخيصية التي يمكن أن تُفضي إلى مطالبة الطبيب بإجراء اختبارات أقل أو أكثر. ويقول ماكورميك “إذا حاول الطبيب مطالبة المريض بإجراء فحص باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، يُخبره نظام الحاسوب بأنه استناداً إلى سن المريض وتوقعات الطبيب، مثلاً، فإن الفحص يمكن أن يُزود الطبيب بمعلومات مفيدة حول حالة المريض بنسبة 3%”. ولا تتوافر غالبية مكاتب الأطباء على نفس النظام المحدث المدعوم بتكنولوجيا المعلومات، وهم يستخدمون بدلاً عن ذلك أنظمةً إلكترونيةً غير معيارية. وأفاد الباحثون في معرض هذه الدراسة بأنه لم تُجْرَ في السابق أية بحوث عن العلاقة بين تقدم المعدات التكنولوجية التي يستخدمها الأطباء في مكاتبهم، وبين حجم فحوص التصوير التي يُطالبون المرضى بإجرائها. وقد وضعت السلطات الصحية الأميركية خطةً طموحةً لتحديث قطاع الرعاية الصحية بتعزيز استخدام السجلات الصحية الإلكترونية، وذلك عبر رصد ميزانية بقيمة 27 مليار دولار لتحفيز الأطباء على مدى عشر سنوات على استخدام التقنيات التكنولوجية والاعتماد أكثر فأكثر على السجلات الإلكترونية. ومن جهته، يقول مايكل فوروكاوا، اقتصادي صحي في مكتب المنسق الوطني لتكنولوجيا المعلومات الصحية “إن تركيز الباحثين لم يكن عميقاً بما يكفي لدعم خلاصات الدراسة واستنتاجاتها”. ويضيف “كانت البيانات مهمةً وذات موثوقية عالية، وكانت المناهج البحثية المتبعة مناسبة جداً، لكن درجة تركيزها كانت محدودةً جداً. فالباحثون عاينوا فقط وجهاً واحداً من عدة أوجه تهم تكنولوجيا المعلومات الصحية”. ويُردف فوروكاوا شارحاً “إن الأطباء الذين لديهم أنظمة إلكترونية أفضل على سبيل المثال قد يحصلون على رسائل إنذار تُحذرهم من استخدام فحوص الأشعة السينية. وإذا كان الباحثون قد أخذوا هذا العامل بعين الاعتبار، فإن نتائجهم ما كانت لتكون بهذه القوة والحجية”. ويجدُر الانتباه إلى أن النتائج قد تكون مختلفةً إذا كان الباحثون قد ميزوا بين المرضى الجُدُد الذين تُصيبهم مشكلات صحية حادة وعصيبة تستدعي خضوعهم لفحوص أشعة سينية إضافية من جهة، وبين أولئك الذين خرجوا لتوهم من عمليات جراحية وسبق لهم قبلها الخضوع لصنوف شتى من فحوص التصوير من جهة أخرى. آراء متباينة يدافع فوروكاوا عن وجهة نظره بالقول “نحن نعتقد جازمين أن الاستخدام الأمثل لوظائف تكنولوجيا المعلومات الصحية سيُؤدي على المدى الطويل إلى تقليل التكاليف والنفقات”. أما الباحثون، فيقولون إن أنظمة السجلات الصحية المحوسبة لها بالطبع فوائدها من حيث تسريع إنجاز المعاملات وقضاء حاجات المرضى والتعاطي الفوري مع الحالات العاجلة والطارئة، لكنها تجعل الأطباء يستسهلون مطالبة المرضى بإجـراء فحـوص تصوير أكثر عبر نقرات زر سريعة على لوحة المفاتيح، بصرف النظر عن مدى الحاجة لكل تلك الفحوص من عدمها، وما إذا كان لأحدها أو بعضها أعراض جانبية على حالة المريض الذي يُطلب منه أحياناً الخضوع لهذه الفحوص دون إعلامه بأعراضها الجانبية أو تبيان مدى ضرورتها”. ويقول ماكورميك “إن ما يحدث في القطاع الطبي من استسهال توصية المرضى والمراجعين بالخضوع للفحوص المكلفة، سواءً كانت مغطاةً بتأمين صحي أو لم تكن، يقع في غيره من مجالات الحياة، فعندما تُتيح لمقدم خدمة ما طُرقاً أسهل للقيام بعمل أو مهمة ما، فإنه يميل إليها ويُكثر منها باعتبارها أقل عناءً ومشقةً وأسهل من حيث الوصول”. ويخلص الباحثون من هذه الدراسة إلى الدعوة إلى الاعتدال في استخدام أنظمة تكنولوجيا المعلومات الصحية على مستوى التوصية بإجراء الفحوص، وتسخير أوقات أطول للاهتمام بكل مريض على حدة ومعرفة ما يحتاج إليه بالضبط، وما يضره وما ينفعه، واستخدام ميزان الخسائر والأرباح الصحية، وليس المادية، في كل حالة من أجل الرقي بقطاع الرعاية الصحية، وإلا فإن ثقة مستهلكي خدمات هذه الرعاية ستتراجع، ما يعني أن الإحباط قد يلحق الطرفين معاً، ويكون الخاسر الأكبر في هذه الحالة هو الموارد البشرية للمجتمع. هشام أحناش عن “واشنطن بوست”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©